منوعات

صدام القيم – تبيان – مكساوي –

كثيرًا ما تُصدَّرُ خطابات الرؤساء والمفكِّرين في الغرب بالإشارة للقِيَم التي بُنيت على أساسها تلك البلاد، واجتمعت عليها تلك المجتمعات. وهي بهذا المعنى مصدر للافتخار عندهم؛ بالتالي دائمًا ما يشيدون بالمهمة الكبيرة التي يقومون بها، وتُسطَّر عليها سياساتهم، وتتحرك وفقها قوَّاتهم الناعمة والصلبة؛ وهي مهمة الحفاظ على هذه القيم ونشرها، وبالضرورة محاربة أي قيم منافسة، والعمل على سيادة قِيَمهم على غيرها، مهما كان اعتبار فساد أو صلاح هذه القيم في المجتمعات التي أنتجتها، أو أثرها على بقية المجتمعات التي وقعت تحت حُكمها لا برضا سكانهم وموافقتهم، بل بواقع القوة والجبر والهيمنة والاستبداد.

يشهَد العالَم اليوم صراعًا قِيَميًّا كبيرًا؛ بين قيم بالية صنعتها تراكمات الانحراف البشري والأحداث الكبرى في التاريخ المعاصر -خاصةً في الحضارة الغربية-، وبين القيم الفطرية التي تحتوي على كرامة الإنسان وتوازن حياته وتهيِّئه للآخرة. وتعتبر الكرة الأرضية كلُّها ساحةً لهذا الصراع، على اختلاف آليات الصراع؛ ناعمة كانت أو صلبة.

فما هي القيمة، وما هو المعيار الذي اكتسبت به أهميتها؟ وكيف تتشكل مجموع القيم وفق منظومة قيمية ونظام حياة؟ وماهي تجليات مختلف القيم على المجتمعات؟

القيم وعلاقتها بسلوك الأفراد وحركة المجتمعات

لكل فعل وسلوك للإنسان قيمة يصدر عنها؛ فالقيم هي الحاكمة لسلوكه والمحددة لاتجاهاته ومواقفه. وقد تكون القيم التي توجه السلوك والمواقف صالحةً أو فاسدةً، حسب المعيار الذي تنطلق منه. على مستوى الأفراد يمكننا التحدث عن قيم حاكمة للسلوك، وعلى مستوى الجماعات والدول والأمم يمكننا التحدث عن منظومات قيمية يصدر عنها سلوك وتفاعل هذه الجماعات والدول والأمم مع الواقع.

وقد يشترك في نفس السلوك أو الموقف مَن لهم مُنطلَقٌ قِيَميٌّ مختلفٌ؛ فموقف مثل “الحرب” يمكن أن ينطلق من قيم عادلة؛ كمقاومة الظلم والطغيان وتحرير الأمم، كما يمكن أن ينطلق من قيم رأسمالية استعمارية. كذلك “معارضة دكتاتور ما”، قد يكون نابعًا من قيم فطرية تأبى التجبر والظلم، وقد تكون منطلقها قيمًا ماديةً بحتةً.

لكل سلوك إذن قيمة، ولكل منظومة قيمية تجلياتها على المجتمعات التي تحتكم إليها.

القيم وتجلياتها بين منظومة القيم الجاهلية ومنظومة القيم في الإسلام

كانت العرب قبل الإسلام تعيش وفق منظومة من المعايير والقيم تسود المجتمع، وتصدر أفعال الناس وفقها؛ فيستحسن الحسن الذي تُحسِّنه هذه القيم ويستقبح ما تعتبره قبيحًا.

وقد انحدرت المعايير إلى أنْ عبد الناس الحجارة والأصنام، تُقدَّم لها القرابين وتُبذل في سبيلها القربات، ويخاطب أحدهم هذا الحجر ويطلب منه حاجته ويسأله الإعانة على قضاء أموره؛ وهو الذى صنعه بيديه من طين الأرض أو اشتراه ببضع دراهم. “روى البخاري عن أبي رجاء العطاردي قال: كنا نعبد الحجر، فإذا وجدنا حجرًا هو أخير منه ألقيناه وأخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجرًا، جمعنا جُثوة من تراب، ثم جئنا بالشاة فحلبناه عليه ثم طفنا به“.[1]

وقال الكلبي: كان الرجل إذا سافر فنزل منزلًا أخذ أربعة أحجار، فنظر إلى أحسنها فاتخذه ربًّا، وجعل ثلاث أثافيّ لقدره، وإذا ارتحل تركه“.[2]

وكان للعرب -شأن كل أمة مشركة في زمان ومكان- آلهة شتى من الملائكة والجن والكواكب، فكانوا يعتقدون أن الملائكة بنات الله، فيتخذونهم شفعاء لهم عند الله، ويعبدونهم، ويتوسلون بهم عند الله. واتخذوا كذلك من الجن شركاء لله، وآمنوا بقدرتهم وتأثيرهم وعبدوهم”.[3]

قال الكلبي: كانت بنو مليح من خزاعة يعبدون الجن”.[4]

وانتشر القمار بين العرب. قال قتادة: كان الرجل في الجاهلية يقامر على أهله وماله، فيقعد حزينًا سليبًا، ينظر إلى ماله في يد غيره؛ فكانت تورث بينهم عداوةً وبغضًا.[5]

ولم يكن الزنى نادرًا، وكان غير مستنكر استنكارًا شديدًا. فكان من العادات أن يتخذ الرجل خليلات، وتتخذ النساء أخلاء بدون عقد، وكانوا قد يُكرهون بعض النساء على الزنى. قال ابن عباس: كانوا في الجاهلية يكرهون إماءهم على الزنى يأخذون أجورهن“.[6]

لقد كانت قيم الجاهلية مبنيةً على الأوهام والخرافة؛ لدرجة أن من الناس إذا عزم على سفر أو تجارة أو شأن من شؤون حياته يضع مصيره في قَدَح فيه ثلاث أسهم؛ فإنْ خرج نوع من الأسهم ذهب في تجارته أو حاجته، وإن ظهر آخر امتنع عن الذهاب، وإن ظهر الثالث أعاد الكرَّة.

كما انتشر الظلم وإراقة الدماء حتى كانت تثيرها حادثة ليست بذات خطر. فقد وقعت الحرب بين بكر وتغلب -ابنَيْ وائل-، ومكثت أربعين سنة أريقت فيها دماء غزيرة؛ وما ذاك إلا لأن كليبًا -رئيس معد- رمى ضرع ناقة البسوس بنت منقذ، فاختلط دمها بلبنها، وقتل جساس بن مرة كليبًا. واشتبكت الحرب بين بكر وتغلب. وكان كما قال المهلهل أخو كليب: قد فني الحيَّانِ، وثكلت الأمهات ويُتِّم الأولاد. دموع لا ترقأ وأجساد لا تدفن“.[7]  

إن فساد المجتمع في الجاهلية الأولى كان سببه في الأساس فساد وتحريف منظومة القيم والقانون الساري بينهم والذي تنبعث عنه أفعالهم. لذلك بدأ الإسلام بتنقية القيم في القلوب وتصحيحها، قبل أن يأمرهم الله بتكاليف الرسالة. ولو رتب عليهم أحكام دون تنقية القيم لَمَا قبِلَها الناس، لأنهم كانوا يحملون قيمًا تستوجب نتائجها سلوكًا يتعارض مع التكاليف.

هيمنة منظومة قيم النموذج الغربي على العالم

القيم

عاشت أوروبا في العصور الوسطى واقعًا تكفَّلت الكنيسة فيه بمحاربة العلم وترسيخ الخرافة، وفرشت البساط أمام استبداد الملوك للشعوب؛ فما لله لله وما لقيصر لقيصر. كما كانت الكنيسة تستبد فيما يراه رجالها في التقريرات العقدية والتصورات الدينية حتى في العلوم الطبيعية.

إلى أن حدثت حركة علمية وليدة احتكاك الأوروبيين بالمدارس العلمية العالمية التي كانت في الأندلس وغيرها من بلاد المسلمين. تتالت بعدها اكتشافات العلماء التي واجهتها الكنيسة بالتنكيل والاضطهاد، وسفك دماء كل من يقرر اكتشافًا علميًّا يخرج به عن التصور الذي فرضه القساوسة والرهبان قهرًا على عقول الناس.

من جهة أخرى انتشرت بين الممالك الغربية المجازر والصراعات المذهبية بين المسيحيين، وتلونت مدن أوروبا بدماء الحروب الطويلة. أدى هذا إلى تقسيم أوروبا إلى رقع جغرافية منفصلة، وفرض مذهب كل ملك على السكان؛ ما أدى إلى سفك دماء المخالفين لمذهب ودين الملك، ثم تطور الأمر إلى إقامة نماذج حكم علمانية وضعية؛ خاصة في أعقاب الثورة الفرنسية التي جاءت معاديةً للدين في المجالينِ العام والخاص.

بعد هذا المخاض التاريخي اكتست أوروبا ثوب الإلحاد والمادية، وتقرَّرت في عالم أفكار تلك الشعوب النظرياتُ التي تتمركز حول التفسير المادي للعالم: فمن نظرية التطور لداروين، إلى علم نفس فرويد، إلى التفسيرات المادية والاقتصادية من رأسمالية وشيوعية.

أنتج السياق الغربي منظومةً قيميةً مبنيةً على جوهرها المادي، وأصبحت تلك قيمًا بديهيةً لدى الأفراد والجماعات. وبِناءً على كونها تتحرك وفق الرؤية التطورية؛ فقد انتقلت من ظلام إلى ظلام أشد عتمةً، وانتقلت الذي لكل الدول التي عُممت فيها هذه المنظومة كنموذج بقوة السلاح والغزو العسكري والفكري، ولا زالت سمومها تخنق البشرية الواقعة في أسرها.

المركزيات القيمية التي أنتجها الغرب

كان الإنسان الغربي يتمركز قبل العلمنة حول الدين، ثم تحولت المركزية من دين الكنيسة إلى مركزية الإنسان حول نفسه؛ فأصبح الإله الجديد هو الإنسان ذاته، ثم تمركز -بعد أن أكل إله العجوة- حول المادة؛ لتصبح المادة هي الإله الحداثي الجديد الذي يُفسر عن طريقه كل شيء.

وحصرت القيمة في عصر الحداثة في المادة، وتم تسليع كل الكائنات وأُخضعت لمنطق السوق؛ ليصبح الإنسان بكل خصائصه الغريزية والطبيعية والشعورية والفكرية سلعةً تباع وتشترى في دوامة متوحشة من المذاهب الاقتصادية في استنزاف حاد داخل ماكينة فرم تعصر فيها الذات البشرية لتستخرج من عرقها وكدحها ودمائها نبيذًا على طاولة الرفاه الرأسمالي. في مشهد من العبودية المعاصرة تنقسم فيه البشرية إلى بضع أسياد على رقاب آلاف الملايين من العبيد.

وها هو عالم -ما تحت هيمنة الحضارة الغربية- في مستهل تحول -بواقع التبعية- لإله جديد وهو عصر ما بعد الحداثة، الذي تتفكك فيه الحياة أكثر فأكثر، ويتجه الإنسان إلى التمركز حول العدمية. ففي ما بعد الحداثة تنفك معاني الأمور عن مدلولاتها، وتطالب هستيريا الفكر الغربي بإسقاط العلاقة بين الألفاظ والمعاني، ففي هذا المستوى لابد من إعادة إنتاج لغة تخاطبية تفقد مقومات المعنى؛ فلا شيء يشير إلى المؤنث مثلًا لأن ذلك استنقاص لا تقبله الحركة النسوية التي تعادي كل ما هو مذكر من الأسماء والأشخاص والأشياء، بحجة أن ذلك تفريق اضطهادي للمرأة.

كما أن الذكورة فيها تحديد لحرية المتحولين جنسيًّا من الذكور، يظهر على إثر هذا مفهوم الجندرية الذي يسقط الهوية الجنسية لدى الانسان. وبالتالي لا بد من مراجعة كل المعجم الدلالي الذي يقف أمام حركة كنس ما تبقى من إنسانية البشر والدخول في عصر ما بعد حداثي ينقطع مع ما بقي من إنسانية الإنسان. ليتعامل مع كائن قد اغتُصبت فطرته وغُيِّر جنسه، وشحنه الفكر الغربي بعدمية الحياة وحيوانية العلاقات، ودونية الكرامة أمام المادة، ولا معيارية تكسو كل العالم.

صدام القيم

القيم

يمضي ركب الحضارة الغربية في طريقه بالإنسانية إلى هاوية العدمية، ولا يرى خارج سياقه الذي سجن فيه. فكل الانتقالات التي حدثت في أوروبا (من الأنسنة إلى المثالية إلى المادية و… العدمية) داخل نفس السياق ونابعة لنفس الانحراف. لكن ملاحظة هذا الانحراف لن تكون ذات صوت يسمع داخل السياق الغربي، رغم أن صيحات الفزع تطلق في كل مرة من هنا وهناك في مجامعهم ومن رموزهم الفكرية، لكنها لا تجد صدى لها في مجتمعاتهم. وما كان لها أن تلقى صدى في حضارة غربية تخوض حربها الشعواء في موجة صهيوصليبية جديدة للعالم الإسلامي النصيب الأكبر من غطرستها.

لكن لماذا يخشى الغرب العالم الإسلامي؟

وقد وقع تفكيكه من بداية القرن التاسع عشر، وقُسِّم إلى دويلات قومية استبدادية يقف على رأس كل دولة منها رئيس لعصابة مسلحة تملك المؤسسات وتعمل على قهر الشعب وتخديره ونهبه وضمان بقاء تفوق الغرب عسكريًّا وعلميًّا عليه.

لماذا يخشى الغرب من المسلمين؟

وقد سلبوا ثرواتهم التي تدور بنفطها وغازها محركات الحضارة الصناعية الغربية؛ بينما يقف المسلمون في طوابير المجاعة على أنقاض أوطان لملئِ قارورة الغاز أو لشراء لترات من البنزين، بما بقي من دنانير وريالات ودراهم بعد أن نهب الوكلاء ما تركه الناهبون من الغرب .

ما الذي يقلق رؤساء وقادة العالم الغربي؟

وقد تكفل وكلاؤُهم في العالم العربي ببناء السجون وتشييد حراستها ليحشر فيها كلَّ نبوغ لا ترضى عنه اليهودية العالمية والصليبية العالمية، وكلَّ عالم رباني ناصح لأمته، وكلَّ ثائر…

إن ما يخشاه الغرب من عالمنا الإسلامي هو المارد الذي إن استيقظ في صدور شباب الأمة لن يقف حتى يعيد كرامةً مسلوبةً وحقوقًا منهوبةً وحريةً مأسورةً. وجوهر هذه الإفاقة -أولًا وقبل كل شيء- هو في عالم “القيم”.

إن التفات شعوب ممتدة في شريط بشري -يجمعه نفس الدين ونفس اللغة ونفس التاريخ، لكنْ تفصله حدود استعمارية-؛ إن التفات هذه الشعوب إلى قيمها الأصلية التي كانت منطلق عزها وريادتها وقوتها، لهو أمر يفزع ساسة وعروش العالم الغربي قبل عروش حراس الحدود من وكلائهم في العالم العربي.

لهذا يمكننا أن نفهم بوضوح سبب إنفاق القوى الاستعمارية ووكلائها الأموال الطائلة في صناعة القوى الناعمة التي تلامس تحريف القيم، والذي قد يفوق ما ينفق في الصراع الصلب/المسلح الذي تتكالب فيه قوى الطغيان على قصف العزل في بيوتهم.

لكن لماذا هو صدام بين القيم؟

كما قدمنا في إشارة إلى أن القيمة هي الحاكمة على السلوك، وأن المنظومة القيمية هي التي تنطلق منها حركة الجماعات والدول والأمم. وقد أدرك الغرب الاستعماري أهميةَ المنظومة القيمية النابعة من الإسلام، والخصائصَ التي تميزها؛ والطابعَ الذي طبعت به الأمة الإسلامية وشعوبها طيلة بقاء منظومة الإسلام معيارًا لاجتماع المسلمين، والفردَ الذي تنتجه هذه القيم، والمجتمعَ الذي تنتجه، والأمةَ التي تتكون من خلالها.

لهذا تم استبدال نظم الحكم إلى قومية مبنية على منظومة قيمية غربية من نتاج النموذج الغربي، مع الإبقاء على المسلمين كأفراد؛ لهذا تمت العملية دون وعي من المجتمعات. فقد سحبت منظومة الإسلام من البلدان واستبدلت بمنظومات أوروبا الوضعية في غفلة من الشعوب، وتحت انبهار النخب التي طبعت مع تعطيل منظومة الإسلام، ثم على أكتاف هذه النخب تم تأسيس قيم العلمانية الغربية في بلداننا.

إن الصدامَ الكلي مع قيم الغرب الحاكمة على دماء وأموال وحرمات المسلمين، ورفضَها وعدمَ شرعنتِها -رفضًا مُنطلقًا من منظومة قيمنا الإسلامية الصافية من أكدار ركام الاستبداد والانحرافات-؛ هو السبيلُ لاستنقاذ أمتنا من أسر الهيمنة القيمية الغربية، والتي تسير بالعالم أجمع إلى الحضيض. فالإسلام ومنظومته القيمية يخوض هذه المعركة؛ لا لإحياء منظومة القيم التي تحمي المسلمين وحدهم، بل لأنَّ الإسلام هو الأمل الوحيد في العالم اليوم، والذي يمكنه الوقوف أمام طوفان الجاهلية القيمية المعاصرة.

التحرر الحقيقي والتحدي الذي يستوجب عمل الأجيال

القيم

تحت طرقات الهيمنة الغربية، عملت بعض النخب -حتى الإسلامية منها- على إيجاد نقطة لقاء بين قيم الإسلام والقيم الوضعية الغربية؛ حتى يكون لها قبول في حظيرة الرجل الأبيض. لكنَّ الأمر بدأ بمحاولة إيجاد نقطة لقاء، ومع تقدم الانحراف أصبح قراءةً غربيةً للإسلام، واقتطاعًا لهذا الدين، وتجزئةً تتوافق مع ما يقبله الرجل الغربي. والتغافل -في مرحلة أولى- عمَّا لا يقبله، صار إنكار قيم أصيلة في الإسلام؛ فقط لأنها لا تتوافق مع تقريرات فلاسفة عصر الأنوار، أو أنها تسبب حرجًا أمام العالم الحداثي.

لكن الأمر لا ولن يتوقف عن التدحرج، فلا مانع من أن يصدر عن الذين يقرأون الإسلام وفق ما يرضي خصومهم، أن يعيدوا إخراج نسخة ما بعد حداثية، تتلاءم مع الظلمات التي بلغها الفكر الغربي و.. في حلقة متوالية ليس لها حد للتنازلات.

بالتالي يجب أن يكون من المفهوم أن التحرر الحقيقي هو الخروج عن تلك المنظومة في مختلف مستوياتها، وهدمها من آخر نقطة في قيمها، وبناء الحركة والحياة وفق منظومة الإسلام القيمية، والتفكير وفق منهجنا القيمي مع استغلال ما بلغته الحضارة الغربية من نتاج علمي لا يتعارض مع قيمنا.

إن سبيل إنقاذ الأمة والعالَم من فك الحضارة الغربية -والمادية عمومًا-؛ هو الوقوف أمامها بنِدِّيَّة، بلا اهتزاز أمام أمواجها ولا انسحاق تحت منتجاتها. ولنا في المصطفى صلى الله عليه وسلم خير أسوة، فقد جاء في أسباب نزول (قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡكَٰفِرُونَ (1) لَآ أَعۡبُدُ مَا تَعۡبُدُونَ (2) وَلَآ أَنتُمۡ عَٰبِدُونَ مَآ أَعۡبُدُ (3) وَلَآ أَنَا۠ عَابِدٞ مَّا عَبَدتُّمۡ (4) وَلَآ أَنتُمۡ عَٰبِدُونَ مَآ أَعۡبُدُ (5) لَكُمۡ دِينُكُمۡ وَلِيَ دِينِ (6))

عن ابن عباس: أن قريشًا وعدوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يعطوه مالًا فيكون أغنى رجل بمكة، ويزوِّجوه ما أراد من النساء، ويَطَؤوا عَقِبَه. فقالوا له: هذا لك عندنا يا محمد، وكفَّ عن شتم آلهتنا؛ فلا تذكرها بسوء. فإن لم تفعل، فإنا نعرض عليك خصلةً واحدةً، فهي لك ولنا فيها صلاح. قال: “ما هي؟” قالوا: تعبد آلهتنا سنةً؛ اللات والعزى، ونعبد إلهك سنةً. قال: “حتى أنْظُرَ ما يأْتي مِنْ عِنْدِ رَبّي”. فجاء الوحي من اللوح المحفوظ: ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) السورة.[8]

ورغم أن قريشًا يومَهَا في أوج قوتها، والمسلمون بينهم مستضعفون؛ فقد بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- لأجيال الأمة بعده أن الاستمساك بمنهج الإسلام رغم استعلاء الباطل، هو السبيل للتحرر والممهد لبعث اجتماع المسلمين في منظومتهم القيمية التي هي رسالتهم لهذا العالم، والتي لا يمكن أن يقبل فيها المسلمون المساومة، ولا يعرضونها للتفاوض، ولا يمكن بحال التنازل عليها؛ فضلًا عن الرضا باستبدالها بمنظومة قيم وضعية.

في الختام

مقارنة بطريقة الرسوم تبين ضغف القيم الغربية من صفحة Muslim show

إن التضحيات التي تبذل في الطريق الصحيح ستُؤتِي أكلها، ولو بعد حين؛ وإنْ استعلى الباطل، وتوهم أصحاب الحق أنه قد استقر على العروش. لكنها سنة الله التي قضت بأن تحقق المنهج لا يحدث إلا بوجود جهد بشري يعمل على هدى لهدم منظومة قيم الجاهلية، ويرتقي تربويًّا وإيمانيًّا وفكريًّا في خضم المعركة.

لقد كتب الله لهذا الدين النصر، وكتب لأعدائه الخزي، لكن الرسالة التي على كل مسلم أن يعيشها اليوم لدينه هي السير على الطريق. وكل عمل منهجي في سبيل إحياء هذه الأمة وبعث منظومتها القيمية من جديد، هو خطوة في طريق الحرية والانعتاق من الأغلال.

210