الاشهر الهجرية التي تعد الأساس لبداية التقويم البشري بشكل عام، حيث بدأ المسلمين باستخدام هذا التقويم في عهود مبكرة والتي ساعدت بشكل كبير في تطوير علم الحساب والفلك، ونظرًا لأهمية التعرف على هذه الأشهر للمسلمين على وجه الخصوص ولجميع البشر في العموم سوف نقوم في هذا المقال بتحديد ما هي هذه الأشهر وما هو عددها بالإضافة إلى بداية تاريخ التقويم بها ومن هو صاحب الفضل في ذلك، هذا بجانب التعرف على الأشهر الحرم منها بالتفصيل.
الاشهر الهجرية
تتكون السنة الهجرية من عدد اثني عشر شهر هجري، تم التعرف على هذه الاشهر الهجرية من خلال ما ذكره الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم في قوله تعالى(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ).
كما اعتمد العرب القدماء بشكل عام في تحديد بداية ونهاية كل شهر عربي من خلال ظهور واختفاء القمر، ففي حالة كون القمر هلال تبدأ بهذا أولى أيام الشهر الهجري وعندما يصير بدرًا كامل الاستدارة يكون الشهر الهجري في منتصفه، وينتهي الشهر بعودة القمر إلى هيئة الهلال مرة أخرى.
هذا بالإضافة إلى وجود فرق بين عدد أيام السنة الميلادية وعدد أيام السنة الهجرية ينتج عنه نقص الأخيرة بحوالي أحد عشر يومًا عن الأولى بسبب اختلاف حركة القمر التي يتم حساب الأشهر الهجرية بناءً عليها عن حركة الشمس التي يعتمد عليها حساب شهور السنة الميلادية.
اقرأ أيضًا: شهور السنه
ترتيب الاشهر الهجرية الأولى
تتواجد الاشهر الهجرية في ترتيب معروف منذ القدم الواحد تلو الآخر، وفي هذه السطور القليلة التالية سوف نلقى نظرة تفصيلية على الست شهور الأولى منها وأهم المعلومات عنها وسبب تسميتها:
1. شهر محرم
سمي في البداية باسم صفر الأول، ولكي يتم تميزه عن شهر صفر الذي يليه أطلق عليه اسم محرم هذا بالإضافة إلى كونه من الأشهر الحرم الذي سوف يأتي الحديث عنها بالتفصيل.
كما أنه من الجدير بالذكر أن بعض العلماء قالوا أن الاسم الأصلي لهذا الشهر هو موجب ولكن تم تغييره إلى شهر محرم نتيجة لتحريم القتال فيه.
2. شهر صفر
هو ثاني الاشهر الهجرية، وقد تم إطلاق هذا الاسم عليه من قبل العرب في قديم الزمان نتيجة تركهم بيوتهم خلال هذا الشهر صفرًا خالية الوفاض بسبب توجههم للحرب والغزوات.
كما يوجد سبب آخر للتسمية وهو إنه قيام العرب خلال الحروب في هذا الشهر بترك أعدائهم خالين من المتاع بعد سلبهم بسبب هزيمتهم لهم وكأنهم صفرًا لا يمتلكون شئ.
3. شهر ربيع الأول
يقع ترتيب هذا الشهر في الموقع الثالث ما بين الأشهر الهجرية، ويرجع السبب الرئيسي في تسميته بهذا الاسم إلى موافقته لفصل الربيع في أغلب أوقاته من السنة الهجرية.
4. شهر ربيع الآخر
هو الشهر الذي يعقب شهر ربيع الأول، ويفضل أن يطلق عليه اسم ربيع الآخر وليس ربيع الثاني بسبب عدم وجود شهر يسمى ربيع الثالث من بعده، ويعد امتداد لسبب تسمية شهر ربيع الأول بهذا الاسم نتيجة تصادف حلوله مع موسم الربيع.
5. شهر جمادى الأولى
وصلنا بذلك إلى خامس شهور السنة الهجرية والذي يعود السبب في تسميته بهذا الاسم إلى تزامن وجوده مع فصل الشتاء وانخفاض درجات الحرارة التي تتسبب في تجمد المياه بتلك الأراضي العربية القديمة، كما يجب العلم إنه اسم مؤنث وليس مذكر.
6. شهر جمادى الآخرة
هو امتداد لفصل الشتاء لذلك أطلق عليه كسابقه جمادى ولكن تميزًا عنه سمي بالآخرة لعدم وجود شهر جمادى الثالث.
اقرأ أيضًا: الصحابي المدفون في بسكرة
ترتيب الاشهر الهجرية الأخيرة
بعد التعرف على الاشهر الهجرية الأولى يجب تكملة الحديث عن باقي الاثني عشر شهرًا داخل السنة الهجرية، وهذه الأشهر نحددها في التالي:
7. شهر رجب
هو الشهر السابع في الترتيب بين الأشهر الهجرية، وقد أطلق عليه قديمًا اسم مضر وذلك كما جاء في الحديث النبوي الشريف عن رسول الله-صل الله عليه وسلم- أنه قال(إنَّ الزمانَ قد استدارَ كهيئتِه يومَ خلقَ اللهُ السماواتِ والأرضَ، السنةُ اثنا عشرَ شهرًا، منها أربعةٌ حرمٌ، ثلاثٌ متوالياتٌ: ذو القَعدةِ، وذو الحَجةِ، والمحرَمُ، ورجبُ مضرَ الذي بين جُمادى وشعبانَ).
وكانت تسمية هذا الشهر برجب تعود إلى قيام العرب برجب الرماح فيه أي تنزع عنها نصلها كعلامة على ترك القتال فيه بسبب حرمته.
8. شهر شعبان
يختلف العلماء في السبب وراء تسمية شهر رجب بهذا الاسم، فمنهم من يقول أن السبب في التسمية يرجع إلى كون العرب تتشعب وتنتشر فيه عبر الأراضي للبحث عن الماء والمأكل.
في حين يقول آخرون بل سمي بذلك بسبب تشعب القبائل العربية فيه للقتال بعد التوقف عنه في شهر رجب بسبب حرمته.
9. شهر رمضان
هو الشهر التاسع من بين الاشهر الهجرية، والسبب تسميته بهذا الاسم هو توافق وقوعه مع وقت اشتداد الحر وارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف، والتي يطلق عليها اسم الرمضاء أي الصحراء شديدة الحرارة ومنها اشتق اسم شهر رمضان.
10. شهر شوال
هو الشهر الهجري الذي يلي في الترتيب شهر رمضان والذي يحتفل فيه دائمًا بعيد الفطر المبارك، وتعود تسميته بشوال إلى صفة تشول الإبل أي جفاف ألبانها خلال هذه الفترة بسبب ضعفها من شدة الحرارة.
11. شهر ذو القعدة
هو شهر يحرم فيه القتال وذلك هو السبب في إطلاق اسم ذو القعدة عليه بسبب قعود قبائل العرب القديمة عن القتال فيه لحرمته.
ترتيبه الحادي عشر بين شهور السنة الهجرية، ويصح أن ينطق اسم ذو القعدة بكسر حرف القاف أو بفتحه.
12. شهر ذي الحجة
الشهر الأخير في شهور السنة الهجرية الأثني عشرية، وأطلق عليه هذا الاسم بسبب قيام العرب بالحج إلى بيت الله الحرام فيه، كما أصبح الوضع كذلك بعد دخول دين الإسلام إلى الجزيرة العربية.
اقرأ أيضاً: أول من أسلم من أهل عمان
بداية التقويم الهجري
يعتمد التقويم الهجري على عدد الاشهر الهجرية التي عرفها العرب، واستفاد من ذلك المسلمين بشكل خاص في إيجاد تأريخ مميز لهم حيث تم ذلك من خلال الآتي:
- قيام خليفة المسلمين سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه بالبحث عن أفضل الطرق في تأريخ الحقبة الزمنية المرتبطة بظهور الإسلام والبعثة النبوية الشريفة.
- لاحظ الفارق بن الخطاب جميع التقاويم الموجودة في هذا الوقت وارتاح إلى فكرة الاعتماد على تقويم أساسه القمر، وذلك نتيجة لسهولة الحساب به والتيسير في متابعته وتحديد بدايته ونهايته.
- أصبح هناك سنة هجرية تتكون من اثني عشر شهراً، تتراوح الأيام داخل هذه الشهور ما بين تسعة وعشرين إلى ثلاثين يوم تبدأ مع ظهور الهلال وتنتهي به.
لماذا سميت الاشهر الحرم بهذا الاسم
سبقت الإشارة إلى وجود مجموعة من الاشهر الهجرية تتميز عن غيرها بكونها محرمة، ولكن ما السبب في هذه التسمية وما هي هذه الأشهر بالتحديد هذا ما سوف نتعرف عليه من خلال التالي:
- في البداية هذه الأشهر الهجرية المحرمة هي شهر ذو القعدة وشهر ذو الحجة وشهر محرم وشهر رجب.
- تم تحديد حرمة هذه الشهور من قبل الله سبحانه وتعالى لمنع القتال فيها ما بين القبائل العربية في الأزمنة القديمة، ولكن لا يمنع هذا من الحرص على الدفاع عن النفس إذا قام أحد بالاعتداء على الأرض أو العرض.
- هذا بالإضافة إلى كونها هي الأشهر الهجرية المعنية بالهدنة وتوفير الأمان والعهد بها بين المسلمين والمشركين في قول الله سبحانه وتعالى(فَإِذَا انسَلَخَ الأَشهُرُ الحُرُمُ فَاقتُلُوا المُشرِكينَ حَيثُ وَجَدتُموهُم وَخُذوهُم وَاحصُروهُم وَاقعُدوا لَهُم كُلَّ مَرصَدٍ فَإِن تابوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلّوا سَبيلَهُم إِنَّ اللَّـهَ غَفورٌ رَحيمٌ).
- هذا بالإضافة إلى التذكرة بكون ارتكاب السيئات محرم في هذه الأشهر بشكل أكبر من باقي أيام السنة نتيجة لشدة حرمتها.
اقرأ أيضًا: فضل شهر رمضان
منزلة الأشهر الحرم في الإسلام
بعد بيان السبب وراء حرمة بعض الاشهر الهجرية يأتي الدور الآن على التعرف على ما هي المنزلة العليا التي تحظى بها هذه الأشهر من بين شهور السنة الهجرية بصفة عامة فيما يلي:
- اختص الله سبحانه وتعالى هذه الأشهر الحرم بالحرمة كما اختص بعض الناس بمنزلة الرسل وبعض الأزمنة بالبركة وأداء مناسك معينة مثل الصيام في شهر رمضان والحج في شهر ذي الحجة، وكذلك بعض الأماكن كالمساجد وبعض الأيام كالجمع وليلة القدر.
- يدل هذا التميز على المنزلة العظيمة التي تحظى بها هذه الأشهر من كون ارتكاب الآثام فيها أشد وطئًا من باقي الأيام، والعكس صحيح فالعمل الصالح بها يعادل أضعاف الأجر والثواب في باقي الأيام.
- تأتي هذه المنزلة من حرمانية القتل والاعتداء فيها ومن يعظم شعائر الله فذلك من تقوى القلوب، لذلك يعظم أجر من يتقي الله في هذه الأشهر المحرمة.
الحكمة من تحريم الأشهر الحرم
يأتي الحديث الآن عن الحكمة في تحريم بعض الاشهر الهجرية وما هي الفائدة المرجوة من وراء تحريمها دون غيرها من الأشهر، الإجابة تجدونها في الفقرة التالية:
- تنحصر الأشهر الحرم ما بين ركنين أساسيين من أركان العقيدة الإسلامية الصيام والحج، حيث يسبق شهر رجب المحرم شهر رمضان ويلي ذلك بشهر واحد فقط بداية مناسك الحج.
- حيث يعد شهر رجب فرصة لجميع المسلمين في التعود على ضبط النفس والالتزام بأوامر الله ونواهيه قبل الدخول في شهر الصيام شهر رمضان.
- هذا بالإضافة إلى كون شهر ذي القعدة بداية أداء مناسك الحج التي تتطلب رعاية حدود الله سبحانه وتعالى والبعد عن نواهيه.
- هذا بالإضافة إلى الحكمة العظمى من فرص حرمة هذه الأشهر هي أخذ هدنة ما بين القبائل العربية المتناحرة في السابق.
- حيث كان الغزو والقتل واستمرار واشتعالها على أتفه الأسباب من العادات المميزة للعرب قبل ظهور الإسلام.
- لذلك كان لابد وجود فترات سلم يلتزم بها الجميع ويترك فيها القتل والسلاح وقد تكون سبب في تحقيق سلام دائم في بعض الأحيان.
- الدليل على الحكمة من تحريم هذه الأشهر من السنة النبوية ما قام بإخراجه الإمام البخاري في صحيحه عن السيدة عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها وأرضاها- أنها قالت:(قُلتُ يا رَسولَ اللَّهِ، ألَا نَغْزُو ونُجَاهِدُ معكُمْ؟ فَقالَ: لَكِنَّ أحْسَنَ الجِهَادِ وأَجْمَلَهُ الحَجُّ، حَجٌّ مَبْرُورٌ، فَقالَتْ عَائِشَةُ فلا أدَعُ الحَجَّ بَعْدَ إذْ سَمِعْتُ هذا مِن رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ).
- هذا وتعد هذه الاشهر الهجرية المحرمة أحد الأسباب في جعل شبه الجزيرة العربية مكان آمن يفد إليه العديد من القبائل من الشرق والغرب، وتدل سورة قريش في القرآن الكريم على هذا المعنى في قول الله سبحانه وتعالى:(لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ*إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ*فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَـذَا الْبَيْتِ*الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ).
- هذا ويجب العلم بأن جميع مقاصد الشريعة تفيد إصلاح ذات بين المسلمين وتحقيق السلام فيما بينهم، بالإضافة إلى تحسين طرق العيش لهم وإمدادهم بالمنهاج الذي ينظم حياتهم.
جاء في المقال السابق بيان عدد الاشهر الهجرية، مع توضيح ما هي الأشهر الحرم وما هو السبب في تحريمها والنتائج المترتبة على ذلك، للعلم بمقاصد الشريعة في إصلاح شئون المجتمع.