منوعات

إيما هايز.. جاسوسة “البلوز” التي اخترقت عالم التدريب | قل ودل

«لم ننظر للفشل على أنّه فشل.. الفشل هو أولى خطوات التعلُّم».

بهذه العبارات، وصفت شقيقة «إيما هايز» مدربة سيدات تشيلسي والمتوجة بلقب أفضل مدربة في العالم 2021 عقلية شقيقتها، التي لطالما اتخذت من السقطات المهنية وقودًا يدفعها للأمام، وحتى نُدرك تفاصيل القصة، علينا أن نعود للخلف، قبل أن تصل إيما من الأساس لعالم الاحتراف.

إيما هايز.. الفتاة التي ألهمها جاري لينيكر

ولدت «إيما هايز» في عام 1976 بلندن، لعائلة مُحبة بطبيعة الحال لكرة القدم الرجالية، وسرعان ما انتقل هذا الحُب للفتاة الصغيرة، التي تعلّقت بأبطال والدها المفضلين وهم كُثُر؛ لكن أبرزهُم كان دييجو مارادونا، بول جاسكوين وجاري لينكر.

هذا الأخير كان أكثر من حاولت محاكاة طريقة لعبه، بل وطريقه ارتدائه للملابس الرياضية، أثناء لعبها مع الأطفال الذكور في المدرسة، وفي فريق «ماري وارد»، حيث كانت الفتاة الوحيدة التي تُمثله، لما امتلكته من براعة ومهارة، وقدرة فطرية على تسجيل الأهداف.

تعتقد فكتوريا، شقيقة «إيما هايز» أنّ خبراتها بدأت في التشّكُّل منذ سن صغيرة، حيث أدركت أهمية مفاهيم مثل روح الفريق مبكرًا، بسبب احتكاكها برياضة تتطلب عملًا جماعيًا، وإنكارًا مضاعفًا للذات، من أجل نجاح الفريق.

لكن للأسف، لم تكتمل هذه القصة المُبهرة، حيث أصيبت «إيما» بسن الـ17 في كاحلها، أثناء رحلة تزلج، وحظر عليها لمس كرة القدم مجددًا، بعد فترة وجيزة من التحاقها بأكاديمية أرسنال الإنجليزي، آنذاك، أصبحت إيما سمكة.. لكن خارج الماء.

لأن السمك لا يستطيع الخروج من الماء

إيما هايز

حاولت «إيما» التأقلم مع استحالة حلمها بأن تلعب كرة القدم، وصبّت جام تركيزها على الدراسة، فحصلت على دورات في الدراسات الأوروبية، اللغة الإسبانية، كما درست علم الاجتماع بإحدى جامعات مدينة ليفربول.

في الواقع، كانت «هايز» تعقد النية في هذه الفترة على أن تُصبح جاسوسةً، حيث سعت للحصول على ماجستير في المخابرات والشؤون الدولية، لكنها سرعان ما تراجعت عن ذلك، بمجرّد وصولها مرحلة يتم تدريبها فيها على استراتيجيات الاغتيال.

خلال إجازات الدراسة، ساعدت «إيما» والدها في بعض الأعمال التي كان يديرها بمنتهى الانضباط، لكنها لم تنس تعلّقها بالرياضة وسط كل هذه الالتزامات، حيث بدأت أيضًا في الحصول على شارات التدريب، ليس فقط في كرة القدم ولكن في كل شيء، بدايةً من السباحة وصولًا إلى تنس الطاولة.

إلى بلد الحريات

إيما هايز

«هذا هو وقت التغيير، أريد أن أذهب إلى حيث توجد النخبة في هذه الرياضة، حيث أتعلم وأتطور، ستكون وجهتي القادمة هي أمريكا».

-إيما هايز.

ارتأت «إيما هايز» أنّه لا مجال لنجاحها في حقل كرة القدم بإنجلترا، بسبب نظرة المجتمع الإنجليزي السلبية للسيدات اللاتي يعملن في كرة القدم، وهو ما كان يثير غضبها، في حين كانت تعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية مكان وصلت به كرة القدم النسائية لنقطة ممتازة، أقرب للتكامل، لذلك، قررت أن تستقل طائرتها، متوجهةً لخوض رحلة جديدة من التعلُّم.

بعد مدة قصيرة من وصولها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، أثبتت «إيما» نفسها، وثبّتت أقدامها كإحدى المدربات الواعدات، حيث حصلت في عام 2001 على لقب أفضل مدربة شابّة بالدوري النسائي لكرة القدم، قبل أن تحصل بعد ذلك بعام واحد على جائزة أفضل مدربة داخل البلاد.

طبقًا للويلزية إليري إيرنشاو، قائدة فريق «إيونا كوليدج» الذي أشرفت إيما هايز على تدريبه، فالسر في نجاح الأخيرة كان مطالبتها للفريق باستمرار بتقديم أفضل ما لديهم، وامتلاكها معايير خاصة لا تقبل النقاش، لذلك كان الفريق يلعب كل مباراة بغية الفوز، على الرغم من قلة الموارد مقارنةً بالمنافسين، لكن «إيما» رسخت داخل عقول اللاعبات فكرة واحدة؛ وهي أنّه بما أنّ احتمالات الفوز واردة، بالتالي يجب أن يلعب الفريق على الفوز ولا شيء آخر.

التكامُل

التقت «هايز» بـ«أنسون دورانس»، كبير المدربين في جامعة «نورث كارولينا» والعقل المدبر للفوز بأول فوز للولايات المتحدة بكأس العالم للسيدات في عام 1991، على هامش دورة تدريبية أقيمت بالبرازيل، حيث لم يتوان الرجل عن التعبير عن إعجابه الشديد بالمدربة الواعدة، ومعرفتها الكروية.

لكن أهم ما أثار انتباهه كان طموحها الواضح وتطلعها لأن تصبح الأفضل، وهو الأمر الذي يتناقض مع طريقة التعامل مع الفتيات في رياضة مثل كرة القدم الإنجليزية، حيث يولي الجميع اهتمامًا مضاعفًا بالرجال.

ربما كانت «هايز» محقةً حين انتقلت للعمل بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث استفادت ‑بعيدًا عن التكتيك- من مكانة المدربة التي تعمل بالدوري الأمريكي للسيدات، حيث تحظى اللعبة باحترام، وتقل حدّة الانتقادات الأبوية لمن يعملن بها.

بذكر التكامل، تعلمت «هايز» بعض منهجيات التوظيف، حين تحتّم عليها ذلك، من أجل استقدام لاعبات جيدات لأحد فرق الجامعات التي تشرف على تدريبها، بشرط إقناع اللاعبة بمحدودية الميزانية، التي تعني مرتبًا ضئيلًا، واستحالة حصول اللاعبة على منحة دراسية مقابل اللعب للفريق.

عن ذلك، تخبرنا كاتي تشابمان، التي سبق لها وأن لعبت تحت قيادة إيما هايز، أنّ الأخيرة اتبعت سياسة استقدام مثالية، حيث بحثت في المقام الأول عن لاعبات موهوبات، يمتلكن شخصية قوية، يمكن الوثوق بها، شخصية تمتلك الرغبة في القتال من أجل نجاح الفريق، لا تبحث فقط عن العائد جراء لعب كرة القدم.

لأن الحياة لا تستقيم

عادت «هايز» إلى إنجلترا في عام 2006، وبعد فترة ناجحة في مع فريق أرسنال، عملت خلالها كمديرة أكاديمية ومساعدة لمدير الفريق الأول «فيك أكيرز»، جذبها إطلاق دوري احترافي جديد للعودة إلى الولايات المتحدة، حيث تلقّت عروضًا من فريقي «شيكاغو ريد ستارز» و«سانت لويس أتليتيكا».

اختارت إيما أن تقبل عرض «شيكاغو ريد ستارز»، وأظهرت موهبتها في التوظيف، حيث وقّعت مع عدد من اللاعبات الممتازات، على رأسهن نجمة المنتخب الأمريكي ميغان رابينو.

استمرّت في العمل 3 أعوام، لكن لأن الحياة لا تستقيم، تقرر طردها من وظيفتها في 2010، بعد مرور 5 مباريات فقط من عمر الموسم الرياضي، لتصطدم مجددًا بحقيقة الفشل، الذي يجب أن تتعلّم منه.

في محاولة لتخطي هذه السقطة، قررت إيما هايز أن تبتعد عن عالم كرة القدم، بعد فترة من العمل كمستشارة تقنية لفريق «واشنطن فريدم»، فعادت إلى إنجلترا، وبدأت رحلة جديدة في مجال آخر؛ وهو إدارة شركة عائلية تنشط في مجال صرافة العملات.

كانت هايز مشتتة، لم تكن حقًا تدرك إذا ما كانت تريد الاستمرار في مجال كرة القدم، أم تتركه بلا رجعة، طبقًا لريبيكا، شقيقة إيما، كانت خلال هذه الفترة تعيد تقييم مسيرتها، وتستمتع بالتواجد مع العائلة، واستثمار الأموال عبر الإنترنت.

لكن في نفس الوقت، أبقت قدمًا داخل عالم الكرة، حيث عملت كمستشارة تعاقدات لفريق «ويسترن نيويورك فلاش» عن بُعد، وساعدتهم على بناء فريق ممتاز، استطاع التتويج ببطولة دوري المحترفين الأمريكي للسيدات عام 2011.

لحظة العودة

إيما هايز

أثناء مباراة نهائي منافسات كرة القدم للسيدات بأولمبياد لندن 2012، كانت إيما هايز ووالدها يشاهدان مراسم تسليم الجوائز للفرق التي حصدت الميداليات الثلاث الأولى من مدرجات ملعب ويمبلي، وقتئذ، أخبرت إيما والدها بخيبة أمل أنّها أشرفت على تدريب نحو 40 لاعبة من الـ50 المتواجدات على أرض الملعب، في حين أنّها لا تمتلك وظيفةً.

بعد ذلك بشهر واحد، طلب تشيلسي الإنجليزي من إيما أن تشرف على الفريق النسائي الذي بدأ لتوه رحلته نحو الاحتراف، حيث كان الفريق في هذا الوقت عبارة عن مجموعة من الهاويات.

«لقد بنت كل شيء في تشيلسي، بدايةً من غسل المعدات الرياضية، إعداد الطعام، وصولًا إلى بناء مركز التدريب والملاعب الخاصة، الآن، وبفضل إيما، أصبح فريق تشيلسي للسيدات فريقًا احترافيًا».

-إحدى اللاعبات عن إيما هايز.

في الواقع، لا يمكننا أن نلخص قصة إيما هايز في لقطات مثل التتويج بلقب دوري أبطال أوروبا للسيدات، أو في مشهد تتويجها بجائزة أفضل مدربة في العالم، لكن في المحطات التي تعثرت خلالها، قبل أن تعود مجددًا، بمعنىً أوضح، يمكننا أن نلخصها في عبارة شقيقتها؛ «الفشل أولى خطوات التعلُّم».

مصدر 1مصدر 2