يبدو الأمر مُربكًا، فـ «مدينة بوزنغن أم هوخراين»، التي تترجم من الألمانية إلى (بوزنغن على الرايخ الأعلى)، هي مدينة ألمانية حبيسة، أو ما يعرف جغرافيًا بالـ«جيب»، حيث تحاط هذا الأرض الألمانية، بالدولة السويسرية من كُل اتجاه، بالتالي، يشعُر سكانها أنّهم جزء من سويسرا، على الرغم من أن المدينة نفسها تتبع ألمانيا إداريًا. وحتى لا نصيبك بالتشتت، سنبدأ مباشرة في تفكيك تعقيد هذه القضية.
جزء أم كُل؟
«أرواحنا وقلوبنا سويسرية»
-رولان جونتر، نائب عمدة بلدة بوزنغن أم هوخراين.
يشعر سكان مدينة بوزنغن أنهّم جزء من المجتمع السويسري منذ عقود، والسبب ببساطة؛ أن هذه البقعة الصغيرة من ألمانيا محاطة بالكامل بسويسرا، مما يجعلها جيبًا جغرافيًا، وهو ما يجعل المشاهد للوضع عن بُعد يشعر بالارتباك.
أكاديميًا؛ تُعرف المدينة الحبيسة على أنّها عبارة عن منطقة أو جزء من إقليم محاط تمامًا بكيان آخر، من أبرز الأمثلة على ذلك؛ دولة ليسوتو الصغيرة التي تحيط بها جنوب إفريقيا من كل اتجاه، وهو بالفعل ما يعيشه سكان مدينة بوزنغين أم هوخراين.
المدينة الألمانية الحبيسة
تقع الحدود الشرقية للقرية على بعد 700 متر فقط من بقية جمهورية ألمانيا الاتحادية، وعلى الرغم من أن هذه المدينة، التي يبلغ عدد سكانها 1450 نسمة، تنتمي سياسيًا إلى ألمانيا، فهي من الناحية الاقتصادية جزء من سويسرا.
ويوضح عمدة مدينة بوزنغن القصة برمتها قائلًا: «الوضع أبسط مما يبدو عليه. لدينا قوانين ألمانية وحكومة ألمانية، ومن ناحية أخرى، نتبع الاقتصاد السويسري».
يتجلى الانقسام الحدودي المربك في نقطة ما بهذه المدينة، تحديدًا داخل مطعم «فالدهايم»، حيث يمثل الخط المرسوم عبر شرفة تناول الطعام في الهواء الطلق الحدود الدولية بين ألمانيا وسويسرا، لذلك من الممكن تقديم وجبة من الطعام في سويسرا، ثم الوصول إلى ألمانيا للحصول على كوب من الشعير على الجانب الآخر من الطاولة.
تناقضات
بالنسبة لسكان هذه المدينة الحبيسة، يجلب عيش حياة ثنائية قومية العديد من التناقضات اليومية، فمثلًا؛ التجارة تتم عادةً بالفرنك السويسري ويعمل معظم السكان في البلدات السويسرية الكبيرة المجاورة، لكن لا يزال يتعين عليهم دفع ضرائب الدخل الألمانية الأعلى، وأيضًا يذهب الأطفال إلى مدرسة ابتدائية محلية (ألمانية)، لكن الآباء هم من يقررون البلد الذي سيلتحقون فيه بالمدرسة الثانوية.
كما يمتلك سكان مدينة بوزنغن المحليون رموزا هاتفية دولية وسويسرية وألمانية، حيث يمكن للمتصلين الاتصال إما بالرقم 49 في ألمانيا أو رقم 41 في سويسرا. في حين يصل التناقض إلى الرياضة، حيث إن نادي البلدة لكرة القدم هو الفريق الألماني الوحيد المسموح له باللعب في الدوري السويسري.
كيف بدأت مدينة بوزنغن؟
تعود قصة المدينة الحبيسة (بوزنغين) للقرن الـ17، تحديدًا عام 1693، أي قبل تأسيس دولة ألمانيا من الأساس، حيث كانت القرية تحت السيطرة النمساوية عندما أدى نزاع عائلي حول الولاء الديني إلى اختطاف السيد الإقطاعي لبوزنغين ذي الميول الكاثوليكية، ونقله إلى مدينة شافهاوزن السويسرية (البروتستانتية) المجاورة، حيث حُكم عليه بالسجن مدى الحياة.
بعد عدة عقود، باعت الامبراطورية النمساوية ممتلكاتها المحلية لسويسرا، باستثناء بوزنغين، بدافع النكاية، بالتالي، عندما استحوذت ألمانيا على ممتلكات النمسا بالقرن الـ19، أضيفت القرية الصغيرة للأراضي المملوكة لألمانيا إداريًا.
على الرغم من نتيجة الاستفتاء الذي أقيم عام 1919، والذي أوضحت نتائجه رغبة سكان بوزنغين في أن يصبحوا جزءًا من سويسرا، لم تهتم حكومة ألمانيا لهذه الرغبة، نظرًا لعدم تقديم حكومة سويسرا أي مقابل مادّي يدفعها للتنازل عن القرية.
ظلت هذه المدينة الحبيسة أرضًا غريبة على سويسرا حتى منتصف القرن الـ20، إلى أن أضيفت بوزنغين لمنطقة الجمارك السويسرية عام 1967، بعد موافقة الجانبين السويسري والألماني، حيث أزيلت الضوابط الحدودية ونقاط التفتيش حول القرية التي تقل مساحتها عن 8 كيلومترات مربعة.
مشاكل معاصرة
ومع اعتياد سكان مدينة بوزنغن على الوضع الجغرافي المعقد، تطفو على السطح بعض المشاكل المعاصرة؛ تتمثل في قيمة الضرائب التي يدفعها المواطن العادي.
نظرًا لأن تكلفة المعيشة في سويسرا أعلى منها في ألمانيا، فإن سكان المدينة الحبيسة يحصلون عادة على رواتب أكبر من رواتب الألمان، ولكن نظرًا لأن ألمانيا لديها معدل ضرائب أعلى، ينتهي الأمر بالعمال بدفع أكثر من جيرانهم السويسريين.
ولأن ألمانيا تقدِّم تخفيضات ضريبية للمتقاعدين، أصبحت المدينة جاذبة لكبار السن، بينما يرحل الشباب للإقامة بسويسرا.
في النهاية، وبغض النظر عن تعقيد قصة مدينة بوزنغن، يعتقد المقيمون بها أنّها مكان مثالي لهم، دون النظر لأهمية الحدود، أو انتمائهم الثقافي لسويسرا بينما يعيشون إداريًا تحت حكم ألمانيا. في وجهة نظرهم يكمن الفارق في ما يعتقدونه عن أنفسهم، فهم من القلب ينتمون لسويسرا، وهذا هو الأهم.