منوعات

قرية كونغثونغ الهندية.. “النغمات” للنداء و”الأسماء” للكوارث

هنا في قرية كونغثونغ النائية، ستجد نفسك مجبرًا على التخلي عن اسمك، إذ يُنادى الأشخاص بنغمات خاصة بهم، وليس بأسمائهم العادية، والتي لا يستخدمونها سوى في الأوراق الرسمية فقط، أو عند حدوث كارثة ما، فما السبب الذي دفع سكان القرية، لاتباع هذه التقاليد، والممارسة الغريبة من نوعها؟

قرية كونغثونغ

تقع قرية كونغثونغ بين الهضاب الخضراء، في ميغالايا النائية، وهي إحدى الولايات الواقعة في شمال شرق الهند، والتي تبلغ مساحتها 22,429 كم²، وقد كثُرت الأحاديث حول كونغثونغ، إذ تتميز هذه القرية ببعض العادات الغريبة جدًا، ومن أبرزها تسمية المولود بأغنية أو موسيقى.

اعتادت الأمهات في قرية كونغثونغ تأليف نغمةً خاصة للمواليد، وهي النغمة التي يرددها الآخرون عند مناداته، والتي ترافقه حتى مماته، بينما يكون اسمه العادي مُهمشا جدًا، لا يُستخدم إلا نادرًا خلال التخاطب، أو في الأوراق الرسمية فقط، وجدير بالذكر أن هذه النغمة تمثل الهوية الشخصية للفرد، طوال سنوات حياته، إذ تموت النغمة الخاصة به بمجرد موته، ولا يُسمح لأي شخص باستخدامها أو تكرارها، حتى وإن كان من نفس العائلة.

قبيلة الخاسي

كونغثونغ

هكذا سلطت الصحف الضوء على قبيلة الخاسي، وهي واحدة من 3 قبائل موطنها ميغالايا، والمُتبع فيها قانون تسمية المولود بنغمة معينة، والتي تتميز منازلها بالتواضع، إذ لا تتعدى كونها أكواخًا صغيرة، مكونة من غرفة واحدة، تستند إلى سقفٍ مائل من القش والخوص.

ووفقًا لما ذكرته السيدة «شيدياب خونغسيت» المنتمية للقبيلة، وهي أم لأربعة أطفال، لكلٍ منهم نغمة تتراوح بين 14–18 ثانية، والتي تختلف جميعًا في طريقة نطقها، فعند سؤالها عن سر هذه العادة الغريبة، أجابت بأن نداء الشخص بالنغمة التي قامت الأم بتأليفها، ما هو إلا تعبير صريح عن محبة الأم، وسعادتها المفرطة عند ولادة طفلها، إذ تنبع هذه النغمة من أعماق قلب الأم، فتكون مُشبعة بحنانها وعطفها، تمامًا مثل التهويدة التي تخترعها الأم لطفلها، لينام نومًا هنيئًا على أنغامها كل ليلة.

كما أضافت قائلة: «إن هذه هي الأغنيات الأصلية التي تُغنى في الحقول، عندما يحتاج المرء إلى مناداة شخص آخر عبر التلال والوديان»، وأردفت، أنه من علامات غضب الأم الشديد، أن تنادي صغيرها باسمه الرسمي، وليس بالنغمة المخصصة له، كما هو الحال مع الأشخاص الآخرين أيضًا، فحين يُنادى الفرد باسمه الرسمي، يتأكد على الفور أن هناك حدثا جللا في انتظاره.

التغلب على الأرواح الشريرة

ضمن بعض الأساطير التي ترددت على ألسنة سكان القرية، أكدت خونغسيت أن هذه النغمات كانت تُستخدم لسببين رئيسيين في الماضي، ويعود السبب الأول إلى كون هذه النغمات كانت تعمل عاملا مساعدا، لتتبع الأشخاص بعضهم بعضًا أثناء الصيد في الغابة.

بينما يعود السبب الآخر إلى اعتقاد سكان القرية، بأن هذه الألحان تعمل على درء الأرواح الشريرة، إذ يعتقد السكان أن الأرواح الشريرة التي تسكن الغابات، لن تتمكن من التمييز بين نغمات الأسماء وأصوات حيوانات الغابة، هكذا يتسنى للجميع مناداة بعضهم البعض، دون خوف أو قلق، من أن يتم إلحاق الضرر بهم.

قرية الصفير

كونغثونغ

تُعرف قرية كونغثونغ أيضًا «بقرية الصفير»، ويعود السبب في ذلك إلى أن النغمات تبدو في كثير من الأحيان، مثل صوت الصافرات، خاصة عند مناداة شخص شخصا آخر قريبا منه، في المنزل أو الملعب على سبيل المثال، فعند سماع الصوت من بعيد يكون مثل الصفارة.

وبالإضافة إلى هذه النغمات الطويلة، توجد أيضًا نغمات عبارة عن مقطع صغير وقصير، والتي تكون جزءا من المقطع الطويل، وهو ما يُعرف بالكُنية أو الاسم المستعار للشخص، والذي يُستخدم عادةً عندما يكون الشخص قريبًا من الشخص الذي يناديه، وبالسؤال عن أصل وتوقيت ظهور هذه الممارسة، والعادة الغريبة، ردت السيدة شيدياب بأنه لا يوجد شخص في القرية على دراية وعلم، بالوقت الذي ظهرت فيه، ولكن معظم الناس يتفقون على أنها كانت موجودة منذ نشأة القرية.

تاريخ القرية

بالإضافة إلى ما سبق، ذكرت السيدة شيدياب أثناء حديثها، أن قرية كونغثونغ تواجدت قبل إنشاء مملكة زوهرا، من قبل الشعب الهندي وسكان القرى المجاورة، مما يعني أن القرية والعادة الغريبة المتعلقة بها، تعود لأكثر من 500 عام، إذ إن مملكة زوهرا قد تأسست في مدينة تشيرابونغي المجاورة، في أوائل القرن الـ16، والتي اشتهرت بكونها أكثر الأماكن رطوبة على وجه الأرض، ورغم مرور كل هذه الأعوام، إلا أن هذه العادة لم تُوثق سوى منذ فترة وجيزة.

التعليم في كونغثونغ

لا تضم القرية سوى بضعة مرافق تعليمية، خاصة بالمرحلة الابتدائية فقط، مما دفع الكثير من أهل القرية خاصة فئة الشباب، لمغادرة القرية والسفر بعيدًا، بهدف الحصول على الدراسات العليا، والحصول على فرص عمل جيدة تعينهم على قوت يومهم، على الرغم من أن الانتقال من القرية أمر ليس بهين، فهي قرية نائية لا تتوفر بها سبل المواصلات كما ينبغي.

أول توثيق لممارسة كونغثونغ

كان التوثيق الأول لممارسة قرية كونغثونغ لنغمات الأسماء، من خلال البحث الذي قدمته الدكتورة بياشي دوتا، الأستاذة المساعدة في مدرسة أميتي للاتصالات، في نويدا بالقرب من دلهي، والذي تم نشره في مجلة علم الاجتماع الهندية، في عام 2016.

بدأ الأمر من خلال قراءة دوتا عن قرية كونغثونغ، أثناء بحثها عن أحد الموضوعات للحصول على درجة الدكتوراه، وكان تعقيبها إيجابيًا إثر هذا البحث، حيث ذكرت أن هذه القرية تقودها التقاليد والعادات، كذلك المبادئ والأخلاقيات، إذ يحافظون بكل قوتهم على أنظمتهم وإرثهم الثقافي المتأصل، والمتنقل شفهيًا عبر الأجيال المختلفة.

وفي نفس العام، قام المخرج الهندي أوينام دورين بإخراج فيلم وثائقي، بعنوان «اسمي إيووو»، وكانت مدته 52 دقيقة، والذي استطاع من خلاله أن يُسلط الضوء على تقاليد قرية كونغثونغ الفريدة، ويُظهر الجانب الإيجابي المتمثل في حب الأمهات لأطفالهن، عن طريق ممارسة هذه التقاليد، الأمر الذي لا يقتصر على الحب فقط، بل ينم عن احترام أهل القرية لأجدادهم أيضًا، وبهذا حاز الفيلم جائزة الثقافة الملموسة، في مهرجان راي السينمائي الـ15 في بريستول.

مصدر 1مصدر 2