عربي ودولي

لهذه الأسباب هوكستين يستعجل لبنان

كتبت ايفا أبي حيدر في “الجمهورية”:

بدأت الاحداث العالمية بين روسيا من جهة والغرب ممثلاً بالاتحاد الاوروبي واميركا من جهة أخرى تتسارع على خلفية أزمة اوكرانيا، ويتوالى معها تسديد الضربات بين كل الاطراف وآخرها توقيع روسيا عقدا مفصليا مع الصين يقضي بمدها بالغاز بكمية سوف تصل خلال الاعوام القادمة الى ٣٨ مليار متر مكعب ولمدة ٣٠ عاما.

هذه الخطوة جعلت الاتحاد الاوروبي في وضع حرج في وقت يعاني نقصا حادا في مخزونه من الامدادات النفطية لم يشهد له مثيلا منذ عشرات السنين! كيف يمكن ان تنعكس هذه الاحداث على لبنان؟ وهل لهذه التطورات علاقة باستعجال الجانب الاميركي ترسيم الحدود البحرية للبنان والاسراع في التوصل الى اتفاق؟

في السياق، أكد الخبير في اقتصادات النفط والغاز فادي جواد لـ«الجمهورية» ان الحرب العالمية النفطية اندلعت وسوف تنتج عنها مناوشات حربية تستعمل فيها الأراضي الاوكرانية وذلك بهدف تحجيم الدور الروسي وارسال رسالة الى الصين لوقف تمدّدها.

ورأى ان هذه الاحداث سوف تخدم ملف الغاز في لبنان اذا عرف القيمون عليه استغلال الغليان العالمي لمصلحة تسريع التنقيب والحفر والانتاج واختصارها الى سنتين بدلاً من ٧ سنوات، مما يوفّر سيولة مليارية للاقتصاد اللبناني تنتشله من الكارثة الاقتصادية التي يعانيها.

واعلن جواد ان ثروة لبنان النفطية تقدّر بحوالى ٢٢٠ مليار دولار من النفط والغاز، لكن وبسبب الصراع الحاصل بين روسيا والاتحاد الاوروبي وما نتج عنه من تقلص في الامدادات النفطية بات يقدر حجم هذه الثروة بما يفوق الـ ٥٠٠ مليار دولار خصوصاً انّ الطلب على الغاز زاد بنسبة الضعفين عالميا.

انطلاقا من هذه المعطيات، يؤكد جواد ان الوسيط الأميركي آموس هوكستين يقوم بالضغط الاعلامي على السياسيين اللبنانيين لدفعهم الى تقديم تنازلات بغية الوصول الى تفاهم وتوقيع اتفاقية تنهي النزاع حول ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل، وذلك بعد أكثر من عشر سنوات من التفاوض أوصَل الى اتفاق الاطار وانعقاد ٥ جلسات تقنية لم توصل لنتيجة.

وردا على سؤال عن السيناريوهات المطروحة اليوم في الترسيم وما نسبة خسارة لبنان في كل منها، أكد جواد ان السيناريو الافضل هو اعتماد الخط ٢٩ الذي يؤمّن للبنان مساحة من الحقول المنتجة والجاهزة للحفر والانتاج في منطقة خصبة بالثروات الهيدروكربونية.

السيناريو الثاني، والذي تدفع اسرائيل في اتجاهه، هو اعتماد الخط ٢٣ مع تعرّج عند حدود حقل قانا بسبب حاجتها الشديدة لبدء الانتاج في حقل كاريش والون د و٧٣، وكلما تأخر التوقيع كلما ابتعدت الشركات العالمية عن هذه الحقول وتكبّد الاسرائيليون خسائر ضخمة.

اما السيناريو الثالث، والذي يدفع في اتجاهه الوسيط الاميركي، فيقضي بتصنيف المنطقة بأكملها على انه متنازع عليها وتحويلها الى منطقة مشتركة تحت ادارة اميركية. هذا السيناريو يضر كثيرا بلبنان وبحجم الاستفادة من ثروته النفطية.

شدد هوكستين كثيرا خلال زيارته الأخيرة للبنان على ان هذا هو الوقت المناسب لاستخراج الغاز. فهل يسعى في حديثه هذا الى الاستعجال في تسهيل امور اسرائيل التي ستبدأ التنقيب عن الغاز في كاريش في خلال شهر آذار المقبل ام يستشف ذلك من بوادر حرب عالمية نفطية على الغاز بدأت تظهر ملامحها بما يحصل بين روسيا والغرب؟

في السياق، اوضح جواد انه بعد النقص الحاد في الغاز الذي تشهده اوروبا وازدياد الطلب العالمي بحجم ضعفي الكميات المطلوبة حيث ارتفعت اسعار الغاز في اوروبا في كانون الماضي بنسبة ٦٠٠% والضغط الذي تتعرّض له اميركا من حلفائها لمدها بالامدادات، جعلها تضطر الى فتح خط من الناقلات تعدّت الـ ٥٠ لتأمين الامدادات لأوروبا. فالتوجه العالمي اليوم هو التحول الى الغاز بدلا من الفحم الحجري الذي ازداد الطلب عليه في الاشهر الماضية.

تابع: لا شك ان الحرب العالمية اندلعت بسبب موضوع النفط وتتوالى الاحداث اليوم ليتصاعد الطلب على الطاقة والاستئثار بالثروات النفطية من قبل الدول العظمى، ولن تتورع عن القيام بغزو لعدة أراضٍ وبلدان تتمتع بثروات نفطية. أضف الى ذلك ان حقل كاريش اصبح اليوم مؤهلاً للانتاج مع سفينة energean FPSO التي وصلت الحقل وبدأت بأعمالها من دون اي تصريح معلن، وكل هذا التأخير من قبل القادة السياسيين اللبنانيين سيؤدي الى خسارة لبنان عشرات ملايين الدولارات يوميا في وقت نملك حقولا خصبة خصوصا في البلوكات 8، 9 و 10، وهي ستكون جاهزة للانتاج خلال فترة سنتين اذا ما توفرت الارادة وبذل الجهد الصحيح على ايدي خبرات وتم التركيز على سرعة الانتاج.

واوضح جواد ان لبنان غير بعيد ابدا عن مرحلة الانتاج في ظل توفر التكنولوجيا النفطية اليوم القادرة على القدوم فورا مع منصات متنقلة وسفن حفر جاهزة وتمديدات ومنشآت لا تحتاج الا الى أشهر قليلة لتجهيزها، وكل هذا مقدور عليه بوجود طاقم لبناني يستقدم من شركات نفطية عالمية مشهود له بسرعة الانجاز. واكد انه في مقدورنا ان نبدأ بتصدير الغاز في غضون سنتين بوجود اصحاب قرار بعيدين كليا من اي تدخلات سياسية.

ورداً على سؤال، أكد جواد انه وفي ظل الكارثة الاقتصادية التي يعيشها لبنان تعتبر ثروتنا الغازية احدى الطرق الاساسية للخروج من الأزمة وبدء النمو الاقتصادي بوجود ثروة تقدّر بحوالى ٣٢ تريليون قدم مكعب من الغاز تُضاف اليها كمية من النفط تجعل الايرادات تتعدى الـ ٥٠٠ مليار دولار مع القفزات التي سوف يشهدها برميل النفط، والذي سيكسر حاجز الـ١٠٠ دولار وقد يصل الى ١٥٠ دولارا للبرميل في الاسابيع المقبلة. كذلك يشهد سوق الغاز قفزات متلاحقة سوف تزيد من حجم ثروة لبنان.

من دون ان ننسى اننا نملك ايضا ثروة في البر قبل البحر، حيث تشير الدراسات الى وجود كميات في عدد من المناطق اللبنانية واستخراجها لا يخضع للتفاوض والصراع او ترسيم حدود. وبالتالي، يجب على الدولة المسارَعة الى فتح هذا الملف قبل ان تعيد الدول العظمى حساباتها وتعود لإقفال ملف التنقيب عن النفط في لبنان لـ 70 سنة اضافية كما فعلت في خمسينات القرن الماضي.