عربي ودولي

الميغاسنتر… إصلاح قابل للتطبيق أم ‘لغم’ جديد في طريق الانتخابات؟

على بعد ثلاثة أشهر فقط من الانتخابات النيابية المقرّرة في الخامس عشر من أيار المقبل، وعلى الرغم من إقرار الحكومة الاعتمادات المالية اللازمة لإنجاز الاستحقاق، يبدو أنّه لا يزال أبعد ما يكون عن “الحسم”، في ضوء مجموعة من القضايا “الجدلية” المرتبطة به، التي لا تزال تبصر النور تباعًا، وآخرها موضوع “الميغاسنتر” الذي عاد إلى الواجهة، مثيرًا الكثير من علامات الاستفهام.

 

ففي جلسة مجلس الوزراء الأخيرة التي عقدت في قصر بعبدا، اختار رئيس الجمهورية ميشال عون موضوع الميغاسنتر تحديدًا ليستند إليه في مقاربته للانتخابات النيابية المُنتظَرة، حيث شدّد على وجوب اعتماد “الميغاسنتر” لتمكين المواطنين من ممارسة حقهم الانتخابي من دون أن يضطروا إلى الانتقال إلى بلداتهم وقراهم، معتبرًا أنّ مثل هذه الخطوة تحقق مشاركة واسعة من المواطنين، خصوصًا في هذه الظروف المالية والاقتصادية الصعبة.

 

وكالعادة، لم يتأخّر تكتل “لبنان القوي” برئاسة الوزير السابق جبران باسيل بـ”تبنّي” موقف رئيس الجمهورية، حيث أبدى بعد اجتماعه الدوري الذي عقد إلكترونيًا، “تأييده الكامل” لطرح عون، مشدّدًا على أنّ اعتماد “الميغاسنتر” واحد من الإصلاحات الانتخابية الضرورية لتأمين العدالة بين المقترعين، فهو يسهل ممارسة حقهم ويخفف من تأثير المال السياسي ويعزز حرية الناخب ويرفع نسبة المشاركة في الانتخابات في الوقت نفسه.

 

إصلاح انتخابي

 

يفنّد مؤيدو موقف رئيس الجمهورية من “الميغاسنتر” مجموعة الإيجابيات الناجمة عن اعتمادها، باعتبارها كما يقولون إصلاحًا انتخابيًا متعارفًا عليه، فهو يسمح للمقترعين بممارسة حقهم الانتخابي في مكان السكن، ما “يحرّرهم” بالتالي من سطوة الأحزاب والقوى “النافذة” في بعض القرى والبلدات، وهو بذلك يعزّز بالفعل من حرية الناخب، الذي يشعر تلقائيًا بتراجع الضغوط “الخانقة” عليه، سواء من البيئة العائلية، أو تلك الأكبر المحيطة به.

 

ويتقاطع هذا الموقف مع ما ينادي به الخبراء الانتخابيون، وكذلك الجمعيات الحقوقية، وجلّها تضع اعتماد “الميغاسنتر” في إطار الإصلاحات الانتخابية، التي شكّل إقرارها ضمن القانون الانتخابي الحالي “مكسبًا نضاليًا”، ولو أنّ العمل بها “عُلّق” سريعًا، ويشدّد هؤلاء على أنّ التصويت مكان السكن يفترض أن يكون “حقًا بديهيًا” للناس، وهو معتمد في معظم دول العالم، علمًا أنّ الحُجَج التي تقدَّم ضدّه لا تبدو مقنعًا وفقًا لوجهة النظر هذه.

 

السياسة تدخل على الخط

 

لكن، إذا كان اعتماد “الميغاسنتر” فعلاً إصلاحًا انتخابيًا ينفع ولا يضرّ، فإنّ العديد من علامات الاستفهام تُطرَح حول خلفيّات طرحه اليوم، فلماذا إثارته قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات النيابية فقط، في حين كان يمكن تحويله إلى “قضية رأي عام” في وقت سابق؟ ولماذا التركيز عليه من جانب فريق “العهد”، رغم “سقوطه” في وقت سابق في اللجان النيابية؟ وهل ثمّة وقت كافٍ وإرادة سياسية للمضيّ باعتماده فعلاً لا قولاً؟!

 

صحيح أنّ المعترضين على الفكرة يستندون إلى وجهة نظر قانونية، تقول إنّ اعتماد “الميغاسنتر” يجب أن يُربَط بإقرار البطاقة الممغنطة، وهو أمر غير ممكن الحدوث، وقد عمد مجلس النواب إلى تعليق المادة المرتبطة به، إلا أنّ هناك رأيًا آخر ينفي أيّ ربط بين الأمرين، ويؤكد أنّ الميغاسنتر يمكن أن تُعتمَد بشكل منفصل ومستقل، ما يعني مرّة أخرى أنّ السياسة دخلت على الخطّ، وهي المتحكّمة في الحقيقة بالمسار الانتخابي بشكل كامل.

 

وفي السياسة أيضًا، ثمّة من يرسم علامات استفهام حول حقيقة “النوايا” من إثارة الموضوع بهذا الشكل اليوم، رغم غياب “التوافق السياسي” حوله، علمًا أنّ هناك من يتّهم “التيار الوطني الحر” بتبنّي موضوع “الميغاسنتر”، بعد “الدائرة 16” الخاصة بالمغتربين، وغيرها من البنود الانتخابية “الجدلية”، في إطار المسعى إلى زرع “الألغام” في طريق الانتخابات، وبالتالي “تطييرها”، باعتبار أنّه ليس جاهزًا ولا متحمّسًا لها في الوقت الحالي.

 

قد لا يتطلّب اعتماد “الميغاسنتر” معجزة، وقد تكون فعلاً قابلة للتطبيق، من خلال طريقة توزيع المراكز الانتخابية، ولو أنّ البعض يرى أنّها تنطوي على عملية تقنية معقّدة. لكن الأكيد أنّها تحتاج إلى توافق سياسي لا يبدو متوافرًا، لأسباب سياسية وانتخابية، خصوصًا من جانب بعض الأحزاب النافذة، التي تصرّ على الاحتفاظ بـ”سيطرتها”. وبين هذا وذاك، يبقى السؤال: هل فعلاً الوقت مناسب للبحث في الإصلاحات، على أهميتها، بعد أربع سنوات من الصمت؟!