منوعات

متلازمة ستندال.. وكيف يؤثر الإبداع سلبا على صحة الإنسان؟ | قل ودل

يدعي البعض أن متلازمة ستندال هي حالة تنتاب بعض البشر أثناء تحديقهم في عمل فني جميل، تنتهي باضطرابات عقلية وجسدية، فهل هذا حقيقي؟

تاريخ متلازمة ستندال

في 2018، أشارت عناوين الصحف الدولية إلى أن رجلاً قد تعرض لأزمة قلبية أثناء مشاهدته لوحة شهيرة لفنان عصر النهضة ساندرو بوتيتشيلي، المعروفة باسم “ولادة فينوس”، والموجودة في معرض أوفيزي في فلورنسا بإيطاليا.

بشكل ما، اعتقد كل من تلقى الخبر، أن السبب وراء إصابة الرجل بالأزمة القلبية كان إعجابه باللوحة، فكيف يمكن أن يكون هذا الادعاء صحيحًا؟

يشار إلى هذه الظاهرة الآن باسم متلازمة ستندال، وهو مصطلح صاغه طبيب نفسي إيطالي في عام 1989، ومع ذلك، تعود القصص التي تصف التأثير الهائل للأعمال الفنية العظيمة على النفس البشرية إلى القرن التاسع عشر على أقل تقدير.

ماذا حدث؟

 

 

متلازمة ستندال

طبقًا للدكتورة فابيو كاميليتي، الأستاذة في مدرسة اللغات والثقافات الحديثة بجامعة وارويك في كوفنتري بالمملكة المتحدة، الشخص الذي صاغ مصطلح متلازمة ستندال هو جراتزيلا ماغيريني، وكان يعمل كطبيب نفسي في مستشفى سانتا ماريا نوفا في فلورنسا، وهناك تعرّض لعشرات الحالات التي أظهرت مثل تلك الأعراض الغريبة.

ويشير الاسم إلى حلقة وصفها الكاتب الفرنسي ستيندال في مذكراته عن السفر نابولي وفلورنسا: رحلة من ميلانو إلى ريجيو، حول الرحلة التي قام بها عبر إيطاليا عام 1817. وعن ذلك كتب ستندال:

“روحي، متأثرة بفكرة الوجود في فلورنسا، وبالقرب من هؤلاء الرجال العظماء الذين رأيت قبورهم للتو، كنت بالفعل في حالة نشوة، منغمسًا في تأمل الجمال الراقي، لقد وصلت إلى تلك الدرجة الفائقة من الإحساس حيث يندمج الفن مع الإحساس المليء بالعاطفة”.

أعراض الإصابة بمتلازمة ستندال

بشكل تقريبي، يمكن تعريف متلازمة ستندال على أنها الاستجابة النفسية الجسدية [العقلية والجسدية] التي يتم تجربتها أثناء مواجهة الجمال ولكن ليس الجمال الطبيعي، وإنما الجمال الذي يصنعه الإنسان.

حددت الدكتورة ماغيريني 3 أنواع رئيسية من الأعراض لدى الأشخاص الذين يبدو أنهم يعانون من متلازمة ستندال؛ وهي:

  • تغير في إدراك الأصوات أو الألوان، بالإضافة إلى الشعور المتزايد بالقلق أو الذنب أو الاضطهاد.
  • القلق الاكتئابي والشعور بعدم الكفاية، أو على العكس من ذلك، الشعور بالنشوة أو القدرة المطلقة.
  • نوبات الهلع والأعراض الفسيولوجية للقلق المتزايد، مثل ألم الصدر.

لماذا يصاب السياح بهذه الأعراض؟

في مقابلة أجرتها في عام 2019، أشارت الدكتورة ماغيريني إلى أن متلازمة Stend­hal كانت من واقع تجربتها، ظاهرة تنطبق حصريًا على السياح الأجانب.

وأوضحت في تصريحات وجهة نظرها قائلةً: “في مرحلة ما، بدأ بعض أعضاء مجموعتنا البحثية في ملاحظة الأشخاص الذين أتوا إلى فلورنسا بغرض السياحة الفنية، والذين تركوا منازلهم أو بلدانهم الأصلية في وقت ما، تظهر عليهم أعراض نفسية، وأحيانًا ما تكون جسدية، مثل مشاكل القلب، تزامنًا مع مشاهدتهم للأعمال الفنية التي تملأ شوارع فلورنسا الإيطالية”.

واستنتج فريق البحث، أن هذه النوبات من الهلع كانت ناجمة عن التأثير النفسي الواقع على الأجانب بعد مصادفتهم الأعمال الفنية الرائعة، خلال رحلاتهم السياحية.

وتقترح الدكتورة ماغيريني أن هذه المتلازمة تؤثر بشكل أساسي على “الأفراد الحساسين” الذين يتأثرون بسهولة أكبر بالأعمال الفنية التي يواجهونها أثناء تواجدهم في خارج بلادهم.

هل أخبرنا فرويد عن هذه الظاهرة؟

متلازمة ستندال

للمفارقة، يرتبط مفهوم متلازمة ستندال بشكل وثيق بعدّة مفاهيم منتشرة في أوروبا قبل عقود، لعل أبرزها تلك الخاصة بالنمساوي سيجموند فرويد، رائد التحليل النفسي.

عرّف فرويد مفهومه عن “الغريب” في مقال نشر عام 1919 يحمل نفس الاسم، حيث وصفه بأنه تجربة للسياقات والأفكار التي تبدو مألوفة وغير مألوفة في نفس الوقت، مما يخلق شعورًا بالاضطراب.

بشكل ما، يعتقد أن الاضطراب الذي يصيب السياح فور مشاهدتهم للأعمال الفنية الرائعة ما هو إلا أحد أوجه التشابه مع مفهوم الغرابة الخاص بفرويد. حيث تظهر الأعراض على الأشخاص بسبب الصدمة التي يتعرضون لها عند مشاهدة الأعمال عن قرب، حتى وإن كانوا على دراية كاملة بتفاصيلها من قبل، إلا أن وقع المشاهدة المباشرة يختلف جذريًا عن التعاطي الأعلامي مع هذه الأعمال.

اضطراب عقلي؟

على الرغم من إيمان البعض أنّ متلازمة ستندال ظاهرة نفسية حقيقية، يرى المتخصصون أنّه لا توجد أدلة قاطعة كافية تشير إلى وجود مثل هذا الاضطراب. بالتالي، طبقًا للإصدار الحالي من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM‑5)، لا تعد متلازمة ستندال ظاهرة أو حالة متعلقة بالصحة العقلية.

علاج متلازمة ستندال

لا يوجد الكثير من المعلومات العلمية حول علاج متلازمة ستندال، نظرًا لأنها تحدث لعدد قليل جدًا من البشر وأيضًا في أماكن محددة جدًا. ونظرًا لانتشاره المنخفض والآثار القليلة المترتبة عليه، فإن العلاج غير محدد حتى الآن.

ومع ذلك، وطبقًا للأطباء المختصين في علاج حالات شبيهة لمتلازمة ستندال، يجب العمل على تهدئة المريض حتى تستقر حالته، لأن المرضى عادة ما يعانون عدم انتظام ضربات القلب أو الدوخة، وهي أعراض قد يتم علاجها بالوقت وحسب.

مصدر 1مصدر 2