منوعات

ماذا تعرف عن البيدوفيليا: التحرش الجنسي بالأطفال؟

ما هي البيدوفيليا؟

تُعَدُّ البيدوفيليا نوعاً من الاضطراب النفسي الذي يُصيب من بلغ 16 سنة وما فوق؛ حيث يعاني هؤلاء الأشخاص من انجذاب وميل جنسي نحو الأطفال من كلا الجنسين أو من جنس واحد، ويكون هذا الانجذاب تجاه الأطفال من 7 إلى 13 عاماً؛ أي إنَّ الفرق العمري بين المضطرب والطفل الضحية لا يقل عن خمس سنوات.

البيدوفيليا هو اضطراب يمكن علاجه للتخفيف من السلوكات المصاحبة له، لكنَّ التحرش الجنسي أو الاعتداء الجنسي على الأطفال جريمة؛ بل جريمة شنيعة جداً، ويجب أن ينال مرتكبها العقوبة المناسبة.

يصيب هذا الاضطراب بين 3 و5% من الرجال، أمَّا عند النساء فتكون نسبة ظهور هذا الاضطراب أقل بكثير، وعلى عكس ما نتمناه، فإنَّ هذا الاضطراب مُنتشر انتشاراً كبيراً في العالم حسب الكثير من الدراسات.

يعاني المصابون بهذا الاضطراب من استثارة جنسية قوية تجاه الطفل وهذا ما يدفعهم إلى إيذائه، بينما يصل الأمر عند القلة النادرة منهم إلى درجة الاعتداء الجنسي والاغتصاب، في حين يقوم بعضهم الآخر بالتحرش بالطفل من خلال مداعبته ولمسه وتعريته وتقبيله لإشباع الغريزة الجنسية القوية تجاه الطفل.

من الهام أن نعرف أنَّ مشاعر القلق والخوف والخجل، تدفع الكثير من المصابين إلى زيارة العيادات النفسية لمحاولة التخفيف من العذاب الذي يرافقهم، وتصل نسبة من يرتاد العيادات النفسية إلى حوالي 45% منهم، في حين أنَّ 5% فقط يقومون بالتحرش فعلياً.

وبهذا يظهر الفرق بين الميل والاضطراب؛ إذ ليس كل شخص مصاب باشتهاء الأطفال سيتحول حتماً إلى متحرش؛ أي إنَّ الفكرة لا تتحول إلى سلوك بالضرورة، وأيضاً، هناك نقطةٌ هامةٌ، فليس كل متحرش بالأطفال مصاباً بالبيدوفيليا.

ثم إنَّ من المحزن جداً أن نعرف أنَّ أكثر حالات التحرش بالطفل والاعتداء عليه تتم ضمن نطاق أسرته، من قِبل أحد أقربائه أو المعارف المقربين من العائلة الذين يستغلون ثقة الطفل بهم.

وهذا بالطبع ما يزيد الوضع تعقيداً وصعوبةً، سواءً من ناحية معاقبة الجاني الذي غالباً ما يتم التستر عليه، أم من ناحية ما سيكابده الطفل الضحية من حزن شديد سيرافقه بقية حياته، ويسبب له بالتأكيد الكثير من المشكلات النفسية والسلوكية الخطيرة؛ إذ إنَّ من 10 إلى 20% من الأطفال حول العالم يتعرضون للتحرش قبل بلوغ سن الثامن عشرة.

من المؤسف في الحقيقة وجود بعض الأصوات التي تنادي بتقبُّل المصابين بهذا الاضطراب، واحترام رغباتهم وميولهم وفهم اشتهائهم الأطفال، وإدراج هذا تحت خانة ترسيخ الحريات وتقبُّل الاختلاف، والمثير للسخرية في الأمر، تجاهل حق الطفل وتجاهل الأذى الكبير الذي سيتعرض له نفسياً وجسدياً؛ حيث ظهرت في العالم اليوم حركة تُسمِّي نفسها حركة البيدوفيليا، وهدفها السعي إلى تطبيع البيدوفيليا معتمدةً على الخطوات الآتية:

  1. جعل أمر الحديث عن البيدوفيليا، سواءً بشكل إيجابي أم سلبي، أمراً عادياً ومفتوحاً دائماً في وسائل الإعلام، لتعويد الناس على هذا المصطلح وعلى وجود هؤلاء الأشخاص في المجتمع وتقبُّلهم كفئة مختلفة فحسب؛ أي أن نتقبلها حتى لو رفضنا سلوكها.
  2. تحويل المتحرش من مجرم إلى ضحية وتبرئته أخلاقياً.
  3. محاولة إثبات أنَّ الأشخاص المصابين بالبيدوفيليا هم أناس كغيرهم من البشر، ويجب احترام ميولهم غير الطبيعي.
  4. الخطوة الأخيرة، والتي تأتي مكملةً للخطوات السابقة، حمايتهم قانونياً تحت بند احترام الحريات الشخصية.

تشخيص البيدوفيليا وأسباب الإصابة بهذا الاضطراب:

المعياران الأساسيان لتشخيص الإصابة هما شعور الشخص بعدم الراحة بسبب خيالاته وميوله الجنسية القوية والملحَّة تجاه الأطفال، أو بسبب قيامه بأفعال جنسية مع أطفال دون 13 عاماً مدةً لا تقل عن ستة أشهر.

أمَّا المعيار الثاني، فهو سلوك الشخص الناتج عن رغباته الجنسية غير الطبيعية التي تظهر على شكل اعتداءات أو انتهاكات للأطفال، كما تظهر على شكل قلق وخوف وعدم راحة في حياته العادية وخلل في أداء وظائفه الاجتماعية.

خارج هذين المعيارين، قد يمتلك بعض الأشخاص المصابين بالوسواس القهري توجهات بيدوفيلية، ويعني هذا عدم ظهور مظاهر الاستثارة الفسيولوجية كالانتصاب وزيادة حجم القضيب التي تُعَدُّ من أدوات التشخيص السهلة.

بمعنى آخر، يجب على المصاب بالبيدوفيليا أن يتصرف على أساس رغباته، أو يشعر بالقلق وعدم الراحة تجاه هذه الرغبات، وإلا كانت لديه توجهات بيدوفيلية وليس اضطراباً، وكما ذكرنا آنفاً، ليس كل متحرش بالأطفال هو مصاب بالبيدوفيليا بالضرورة، فالمتحرش يتم التعرف إليه من خلال سلوكه، في حين يتم التعرف على المصاب بالاضطراب من خلال رغباته وميوله.

وطبعاً يجب أن يكون عمر الشخص 16 سنة على الأقل، فهذا الكلام لا يشمل ولا ينطبق على المراهقين إذا جمعَتهم علاقة جنسية مع أطفال بالغين أعمارهم 12 أو 13 عاماً، وهناك بعض المشكلات التي تواجه عملية التشخيص، ومنها أنَّه من النادر أن يقوم هؤلاء الأشخاص بطلب المساعدة، وغالباً ما يكون العلاج والاستشارة بأمر من المحكمة بعد الإدانة.

يمكن الاستفادة من الاستبيانات والمقابلات في عملية التشخيص، كما يمكن استخدام الأفلام الإباحية للأطفال كأداة تشخيص، إضافةً إلى مقدار الاستثارة الجنسية للأعضاء إذا ما تعرضوا لتحفيز جنسي من هذا النوع.

شاهد بالفديو: 6 نصائح لحماية طفلك من التعرض للتحرش الجنسي

 

أسباب الإصابة بالبيدوفيليا:

لا توجد أسباب واضحة أو معروفة حتى الآن، لكنَّ الكثير من المختصين يرجحون الإصابة بهذا الانحراف للأسباب الآتية:

  • التجارب المبكرة من الطفولة: تعرُّض الطفل لهذا النوع من المثيرات الشاذة، ينشِّط لديه مثل هذه الخيالات، وهذا ما يدفعه إلى محاكاتها وتقليدها.
  • العامل الوراثي: يظهر هذا الاضطراب غالباً ضمن الأسرة الواحدة، لكن لا يوجد حتى الآن ما يثبت أنَّ هذا الاضطراب ناتج عن خلل جيني أو عن سلوك مكتسب.
  • التجربة الجنسية الأولى: تُختَزن التجربة الجنسية الأولى في الذاكرة بشكل قوي؛ ذلك لأنَّها ترتبط بالعواطف بشكل كبير، سواءً أكانت عواطف سلبية أم إيجابية، وهذا ما سيكوِّن الخبرة لاحقاً، ويحدد نوع الاستحسانات الجنسية، فإمَّا أن يقبل الشخص مشاعر الإساءة، وإمَّا أن يصبح مسيئاً لغيره.
  • تعرُّض الطفل للاغتصاب قد يكون سبباً للإصابة بالبيدوفيليا لاحقاً.
  • تعزيز الأفكار: تبدأ الاهتمامات الجنسية لدى الإنسان بالظهور في سن مبكرة، وما دامت هذه الاهتمامات تدخل في نطاق الأمور الشخصية، فإنَّ تدخُّل أحد ما لمنعها أو إيقافها سيكون أمراً صعباً.

ونتيجةً للمدة الزمنية الطويلة التي تتكرر فيها هذه الخيالات والأفكار والاهتمامات، ستصبح متأصلة لدى الإنسان، وهذا ما يجعل أمر التخلص منها شديد الصعوبة والتعقيد في حال كانت منحرفة، خاصةً لمَّا تأتي المثيرات الخارجية وتعززها أيضاً، وهذا ما يجعل الأفكار والسلوكات المرتبطة بهذا النوع من الأفكار هي المثير الوحيد.

  • وفي السياق نفسه، تقوم خمسة مواقع في ألمانيا بدراسة مشتركة للبحث والكشف عن الأسباب وراء الاعتداء الجنسي على الأطفال؛ حيث يتم الاعتماد في هذه الدراسات على تقنية التصوير المغناطيسي، والتي أثبتت وجود تشوهات عصبية لدى المصابين، كما أنَّ نسبة الذكاء عندهم تقل بحوالي 8% تقريباً عن المتوسط.

والأمر المثير للاستغراب في الدراسة وجود ارتباط بين غباء الجاني وصغر سن الضحية؛ إذ كلما زاد غباء الجاني، صَغُر سن الضحية، ويُضاف إلى ذلك ما أثبته باحثون كنديون أيضاً، من أنَّ المولعين بالأطفال تعرضوا لإصابات في الرأس تعادل ضعف ما تعرض له الأشخاص الطبيعيون.

علاج البيدوفيليا:

لا يمكن علاج البيدوفيليا نهائياً، ولكن هناك بعض العلاجات التي تساعد على التخفيف من الرغبة، والسيطرة عليها، والفصل بينها وبين التصرفات، فيمكن استخدام ثلاثة أنواع من العلاجات هي:

  • العلاج الدوائي: يعتمد على استخدام مضادات الأندروجين التي تهدف إلى خفض مستوى هرمون الذكورة التستوستيرون إلى أقل تركيز؛ ممَّا يؤدي إلى إضعاف شهوة المصاب، وهذا ما يجعله أقل عدوانية، ومن الجدير بالذكر أنَّه يجب أيضاً علاج الاضطرابات المصاحبة للمصاب كالاكتئاب؛ حيث يتم استخدام بعض أنواع الأدوية لسنا في صدد ذكر أسمائها.
  • العلاج السلوكي المعرفي: يتبع هذا النوع من العلاج العديد من الأساليب، نذكر منها الآتي:
    • تمرينات التعاطف مع الضحية: تتم هذه التمرينات من خلال مساعدة الجاني على التفكير في الضحية، ومعرفة الضرر الكبير الذي يسببه لها، والأذى النفسي الشديد الذي يُعَدُّ مسؤولاً عنه؛ وذلك من خلال عرض مقاطع فيديو لإظهار هذه الآثار.
    • إعادة الهيكلة المعرفية: تهدف إلى تعديل أفكار الشخص المصاب، والذي قد يربط أفعال الطفل برغبته في الانخراط بالفعل الجنسي، فقد يربط مثلاً بين ملابس الطفلة ويَعدُّها دليلاً على رغبتها في القيام بسلوك جنسي.
    • التشريط المنفِّر: يقوم على ربط السلوك المنحرف بحدث سلبي ليقوم بالتوقف عن القيام بهذا السلوك؛ حيث يُعرَض مقطع لسلوك منحرف، وبعدها مباشرةً يتم عرض مقطع سلبي يُظهِر مثلاً كيف علق القضيب بسحاب السروال.
  • تطبيق القانون والسجن: يُستخدَم هذا النوع من العلاج في الحالات التي يتحوَّل فيها المصاب إلى مجرم مغتصب؛ حيث يتم سجنه وإبعاده عن المجتمع، ثم إخضاعه للعلاج المناسب.

من أكثر الأسئلة التي تراودنا عندما نقرأ أو نكتب عن مثل هذا الموضوع، أو عندما نسمع عن قصص حدثت بالفعل، كيف يتعامل مشتهو الأطفال مع مشاعرهم، وكيف يتجاوزون تأنيب الضمير؟

في الحقيقة، يحاول الكثير منهم تبرير توجهاته الجنسية، في حين يعتقد بعضهم الآخر أنَّ الاقتراب من الأطفال هو سلوك شنيع وغير مبرر، وهذا ما يسبب لهم الانعزال والاكتئاب والإحباط، حتى قد يذهب الأمر بالبعض إلى حد عدم الاختلاط بأيِّ طفل طوال حياتهم، وقد يتمكن بعضهم من عيش حياة ناجحة، ولكن ستبقى الناحية الجنسية مُحبطة بالنسبة إليهم.

في الختام:

وفي النهاية، يجب التأكيد على عدم وجود أيِّ مبرر لخلط المفاهيم وقلب الحقائق، فمتى حوَّل الشخص المصاب بالبيدوفيليا رغبته وميوله إلى سلوك وتصرف فيه أيُّ شكل من أشكال الاعتداء على الطفل، فهو مجرم يجب أن ينال العقوبة المناسبة له، والتي من الضروري أن تترافق مع جلسات علاجية لحالته.

تتوقف حرية أي شخص في العالم عندما ينتهك حريات الآخرين، فكيف سيكون الحال إذا كان هؤلاء الآخرون أطفالاً صغاراً لم يعرفوا بَعْد شيئاً عن قسوة هذا العالم.

المصادر: 1، 2، 3، 4