المزيد من المشاركات
من منطلقات العلاقات الشرق والغرب
(الاستشراق- الاستشراق والتنصير)
إذا كان من محددات العلاقة بين الغرب والشرق المسلمين هنا قيام ظاهرة الاستشراق واستمرار ظاهرة التنصير، فإن هناك رابطًا قويًّا بين الاستشراق والتنصير من حيث التقاء الأهداف، وإن اختلفت الوسائل،وإذا كانت هذه العلاقة القوية تخفِتُ مع الزمن، فإن ذلك عائد إلى وضوح فكرة الاستشراق لدى المسلمين، والحد من قبولها بعدما تبين ارتباطها بالتنصير من جهة، وبالتيارات الأخرى الموجهة إلى المسلمين من جهة أخرى، تلك التيارات مثل الاحتلال المنقشع، والتغريب المستعر، والصِّهْيونية، والماسونية.
يمكن القول: إن كل منصر موجه إلى المسلمين يُعَد مستشرقًا، وليس بالضرورة العكس، فليس كل مستشرق منصرًا،وحيث كتب نجيب العقيقي موسوعته العلمية حول المستشرقين، أدرج معهم المنصرين، أمثال السموءل (صموئيل) زويمر ولو شاتليه، بل إن طلائع المستشرقين بحسب تصنيف نجيب العقيقي قد انطلقوا من الكنائس والأديرة[1].
من المستشرقين الأوائل والمتأخرين من هم ذوو مراتب دينية؛ كالأب لويس شيخو، والأب لوي ماسينيون وغيرهما،وهكذا تتضح العلاقة بين التنصير والاستشراق في تحديد العلاقة بين الغرب والشرق الإسلامي[2]،ولا تتضح العلاقة بمجرد إيراد هذه النماذج من الأسماء، ولكنها تتضح أكثر من ذلك بمتابعة الموسوعة المذكورة[3].
وقد استفاد المنصرون من المستشرقين كثيرًا، واستفاد المستشرقون من المنصرين قليلًا؛ ذلك أن فائدة المستشرقين جاءت من خلال الجهود “العلمية” التي قاموا بها، لا سيما الدراسات التي قاموا بها حول الإسلام وتراث المسلمين وواقعهم المعاصر،وينبغي وضع كلمة (العلمية) باعتبارها وصفًا للجهد بين معقوفتين؛ قصدًا إلى التنبيه إلى أن جهود المستشرقين ليست كلها علمية بالمفهوم الذي يراد من هذه الكلمة.
واستفاد المستشرقون من المنصرين الميدانيين من خلال انطباعاتهم التي سجلوها وتصيدوها عن المجتمع المسلم الذي عايشوه، فخرجوا منه بهذه الصور التي لا تعبر عن الإسلام بقدر ما هي تعبر عن الخرافات عن الإسلام في المجتمع المسلم، فعَدُّوها من الإسلام، وجعلوا الناس حجةً على الدين، أخذًا بالنظرية الاجتماعية التي تقول: إن الدين يؤخذ بقدر ما يأخذ الناس منه، الأمر الذي أدى إلى تصنيف الدين إلى جملة من الأديان، فالإسلام عندهم وعند من تأثر بهم إسلامات، وليس إسلامًا واحدًا؛ إذ إن هناك عندهم الإسلام الشعبي، والإسلام التقليدي، والإسلام السياسي، والإسلام اليساري، والإسلام اليميني، والإسلام الوسط، والإسلام المتطرف، والإسلام العلماني[4].
وأخذ بعض المفكرين العرب بهذه التقسيمات، وأشاعوها بين الناس، ودعوهم إلى تصنيف إسلام الأشخاص بحسب ما يظهر عليهم من قرب أو بعد عن هذا الإسلام أو ذاك،وقد تبنى الأستاذ عبدالجليل الشرفي من دار الجنوب بتونس نشر أعمال عدة حول الإسلام المصنف إلى إسلامات في سلسلة سماها: “الإسلام واحدًا ومتعددًا”، وتبنت رابطة العقلانيين العرب ودار الطليعة ببيروت نشر هذه الأعمال وما يأتي بعدها”[5].
ولم يقف هذا التأثير على المفكرين العرب الذين أخذوا هذا التصنيف أيضًا محددًا في العلاقة بين الشرق والغرب، بل إن المؤسسات الغربية الأخرى قد أخذت هذا التصنيف مأخذ الجد، وبنت عليه قراراتها، لا سيما المؤسسات السياسية التي تتضح فيها وجهة العلاقة وضوحًا قويًّا.
ولم تقتصر تأثيرات التنصير والاستشراق على الشرق، وعلى النظرة العامة إليه، بل إنها تعدت إلى أنها أصبحت محددًا في العلاقة تقوم عليها قرارات مصيرية تؤثر في حياة الغرب وحياة الشرق معًا،وتأثيرها في حياة الغرب جاء من العمل على الحد من انتشار الدعوة الإسلامية، وتأثيرها على حياة الشرق جاء من عدم ثقة الغرب في الشرق والخوف منه، أخذًا في الحسبان أن الحديث الآن يدور حول العدو الجديد للغرب وللحضارة الغربية، المتمثل في الإسلام[6]
[1] انظر: نجيب العقيقي،المستشرقون – مرجع سابق – 110: 1 – 125.
[2] انظر: علي بن إبراهيم الحمد النملة،المستشرقون والتنصير: دراسة للعلاقة بين ظاهرتين، مع نماذج من المستشرقين المنصرين – الرياض: مكتبة التوبة، 1418هـ/ 1998م – ص 178.
[3] انظر: نجيب العقيقي،المستشرقون – مرجع سابق.
[4] انظر: علي بن إبراهيم الحمد النملة،الاستشراق والدراسات الإسلامية: مصادر المستشرقين ومصدريتهم – الرياض: مكتبة التوبة، 1418هـ/ 1998م – ص 262.
[5] انظر قائمة بهذه الإسلامات في: محمد حمزة،إسلام المجددين – بيروت: دار الطليعة، 2007م – ص 175 – 176.
[6] انظر: ألان غريش،الإسلاموفوبيا/ ترجمة وتعليق إدريس هاني – الكلمة – ع 40، مج 10 (صيف 2003م/ 1424هـ) – ص 104 – 120.
رابط المصدر