التخطي إلى المحتوى

كيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع المسجد الأقصى؟

 

الحمد لله الذي خلق فسوى، والذي قدَّر فهدى، والذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده وصفيه من خلقه وخليله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ولبى نداء ربه حتى أجاب مناديه.

 

أما بعد:

فإن أرض بيت المقدس أرض مباركة باركها الله تعالى؛ حيث قال: ﴿ وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 71]، وبارك ما حولها؛ قال الله تعالى: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء: 1]، أرض وطِئتْها أقدام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فهي مهجر إبراهيم عليه السلام، وديار أيوب، ومملكة سليمان، ومهد المسيح، منتهى الإسراء، ومبتدأ المعراج، وهي أرض وطئتها أقدام الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، وأقدام التابعين، وأقدام العلماء الميامين.

 

وهي الأرض التي ستكون عليها خلافة المسلمين في آخر الزمان؛ كما وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا ابن حوالة، إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة …))؛ [رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني].

 

كانت الأرض المقدسة محطَّ اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم، فلم تكن علاقته بها علاقة عابرة، دلَّ على ذلك جملة من الأدلة؛ ومنها الآتي:

1- فقد كانت القدس قبلته صلى الله عليه وسلم الأولى، التي يستقبلها في صلاته ودعائه ورجائه في الفترة المكية، وكانت قبلته في الفترة المدنية الأولى؛ فلقد استقبل بيت المقدس في المدينة مدة من الزمن؛ عن البراء رضي الله عنه قال: ((صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس ستة عشر شهرًا، أو سبعة عشر شهرًا، ثم صرفنا نحو الكعبة))؛ [الصحيحين].

 

2- كان النبي عليه الصلاة والسلام يكثر من ذكر فضائلها – الأرض المقدسة – لأصحابه رضوان الله عليهم؛ ومما يثبت ذلك، عنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، قَالَ: ((قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى، قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً))؛ [الصحيحين]، وعن أبي ذر رضي الله عنه؛ قال عليه الصلاة والسلام: ((صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فِيهِ، وَلَنِعْمَ الْمُصَلَّى هُوَ …))؛ [صححه الألباني]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى))؛ [البخاري، ومسلم].

 

3- زيارتها، فقد كتب الله تعالى له أن يزورها في رحلة الإسراء والمعراج؛ قال الله تعالى: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء: 1].

 

4- بشر النبي صلى الله عليه وسلم بفتحه: ((اُعْدد ستًّا بين يدي السَّاعَة: … ثم فتْح بيتِ المقدس …))؛ [البخاري].

 

5- توجيه النبي صلى الله عليه وسلم الجيوش لفتحه: فلقد كانت وجهة الغزوات في آخر عهده باتجاه الشام، غزوة تبوك في 9ه، وقام عليه الصلاة والسلام بتجهيز جيش أسامة بن زيد رضي الله عنهما موجهًا إياه نحو الشام، لكنه مات قبل أن ينفذ البعث.

 

يظهر أن بيت المقدس والمسجد الأقصى كان حاضرًا في ذهن النبي صلى الله عليه وسلم، فهنيئًا لمن اقتدى بنبيه، وكان للأقصى وللأرض المقدسة المباركة التي حوته مكانة في قلبه، دافع عنها بكل ما يستطيع.

والحمد لله رب العالمين.