منوعات

تجربة حب عنيفة، كيف أخرج منها؟

السؤال:

الملخص:

فتًى ذو شخصية مرحة محبة للحياة، دخل في علاقة حبٍّ مع فتاة، ثم افترقا، فلم يبقَ على إثر فراقها له إلا الحزن والكآبة، وهو يريد أن يعود كما كان، ويسأل: كيف السبيل إلى ذلك؟

 

تفاصيل السؤال:

السلام عليكم.

دخلتُ مدرسة جديدة وأنا في الخامسة عشرة من عمري، ولم يكن من الصعب عليَّ أن أُشكِّل صداقاتٍ ومعارفَ كثيرة؛ إذ إن شخصيتي مرِحَةٌ تحب النشاط، وتكره الهدوء والتعاسة، وكأي شخص كنت أمرح وأشاكس، وكوني في سن المراهقة كنت أود أن أجرِّب كل شيء أمامي (حرفيًّا كل شيء)، وظننت أنه من الصحيح أن أكلِّمَ البنات في نفس سني، فتكلمت مع إحدى البنات، وأحببتها حبًّا إلى الآن أظنُّهُ حبًّا حقيقيًّا بحتًا، لكن المشكلة أنها كانت سلبية جدًّا وكئيبة، كانت مشاعر الحزن تطغى عليها، بعد فترة من كلامي معها، تعلقتُ بها تعلقًا عجيبًا، فكنت أكلمها وأطمئن عليها كل يوم، حتى مع تعاستها المستمرة كنت في أوْجِ سعادتي معها، وفي يومٍ أدركت أن هذه علاقة سلبية، ويجب إنهاؤها، لكن عندما قررتُ وداعَها وعدم التكلم معها مرة أخرى، اختفت فجأة بحجة أن والديها لا يسمحان لها بإمساك الهاتف كثيرًا، وتخشى أن يكتشفا الأمر، وفي يوم أرسلتُ لأختها أننا يجب ألَّا يُحدِّثَ أحدنا الآخر مرة أخرى، ولا أدري إن كانت أختها رأتها في ذلك اليوم أم لا، وفي اليوم التالي عدتُ لتعلقي بها، ومسحت الرسائل، ثم إنها بعد ذلك أرسلت لي أنها لا تَوَدُّ معرفتي مرة أخرى، ولا تريدني أن أتذكرها، ومن ثَمَّ أصبحت في حالة نفسية أنا شخَّصتُها بالإحباط؛ فقد شعرت وكأن ثقتي انهارت واهتزت؛ فاعتزلت أصدقائي، وحاولت اعتزال أهلي أيضًا، كانت هذه إلى الآن أكبر مشكلة نفسية مررتُ بها، شعرت أنني لستُ أنا، شعرت بالحزن والإحباط والكآبة والتعاسة (أثناء علاقتي معها كنت تعِسًا لتعاستها فقط)، ولم أجد حلًّا لها، تداخلت أفكاري كثيرًا حتى إنني وصلت لمرحلةٍ أنتظر الموت فيها، ورغم أنني غيرتُ نمط حياتي، وأدركت أنني على خطأ وخرجت من ذلك الجوِّ نسبيًّا، لكني لم أعُدْ ذلك الشاب الذي ينظر للحياة بأملٍ، تمر عليَّ لحظات أشعر أني سأموت كمدًا، ولكني بدأتُ في التحسن لاحقًا، أريد أن أرجع إلى ما كنتُ عليه؛ كنت ألعب وأمرح وألهو بكل سعادة، وليست سعادة مزيفة، إذا قدمتم لي المساعدة في ذلك، فسأكون شاكرًا لكم، وسأدعو لكم في كل صلاة، وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فيبدو من مشكلتك أنك لستَ مريضًا نفسيًّا، ولا تحتاج لطبٍّ نفسيٍّ أبدًا.

 

إذًا ما مشكلتك؟

مشكلتك باختصار هي طبيعة عمرك – عمر المراهقة – وما فيه من عواطفَ حادة بالتعلق الزائد بالعشق، وما يُبنى عليه من أحلام تتبخر سريعًا كما ذكرت.

 

هي لم تُبادلْكَ المشاعر؛ لأنها تؤمن بمبدأ شرعي صحيح؛ وهو عدم جواز العلاقة بين الجنسين قبل الزواج، بينما أنت متساهل في هذا الأمر، أما وصفك لها بأنها مكتئبة، فلا أظنه صحيحًا، ولكنه تعبير مراهقة بسبب صدمتها لك بعدم التجاوب معك.

 

إذا علمت بما سبق أيقنت يقينًا جازمًا بخطئك، وبأن ما أصابك من تغير نفسيتك ومرحك إنما هو تعبير عن صدمة مراهقة لا داعيَ لها أبدًا، ولعلك تسأل: ما العلاج لحالتك؟ فأقول مستعينًا بالله سبحانه:

أولًا: أنصحك حاليًّا أن تنصرف نهائيًّا عن تعليق قلبك بها وبغيرها، فما هو إلا سراب خادع ومُشتِّتٌ لذهنك عن معالي الأمور؛ لأن العشق إذا تغلغل في القلب، عصف به وزلزله أشدَّ من الزلازل الحقيقية.

 

ثانيًا: اعلم يقينًا أن ما بُنيَ على باطل، فهو باطل، ومآله للزوال؛ فإطلاق النظر للبنات والخَلوة بهن بزعم الحب والرغبة في الزواج – ما هو في الحقيقة إلا خداعٌ للنفس وتسويغ للحرام؛ والله سبحانه حرَّم ذلك فقال: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [النور: 30].

 

ثالثًا: من كمال العقل والحكمة والرجولة أن تقول لنفسك بجدٍّ: فتاةٌ لا تريدني زوجًا لماذا أتعلق بها؟ أين كرامتي وعزة نفسي؟ ثم تُخرجها من قلبك نهائيًّا، وكأنها غير موجودة.

 

رابعًا: مما يُسليك أن تعلم يقينًا بأن هذه الفتاة لم تُكتب لك زوجة، ولا تصلح لك زوجة؛ ولذلك صرفها الله عنك؛ قال سبحانه: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]. خامسًا: وأيضًا مما يُسليك أن تعلم أن الزوجة التي كتبها الله لك ستتزوجها حتمًا، ولن يردَّك عنها أحدٌ أبدًا؛ لقوله سبحانه: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49]، وقوله عز وجل: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 51].

 

خامسًا: أنصحك بأن تقوِّيَ إيمانك بالله سبحانه بالانشغال بطاعته عز وجل، بالمحافظة على الصلاة، وتلاوة القرآن، والعلم النافع، خاصة أن عمرك عمر مراهقة يُخشى عليك فيه أن تتخاطفك فيه الأحلام والشهوة، ومكائد شياطين الجن والإنس؛ ولذا من اللازم إلجام النفس بالتقوى وما يقرب لها من أعمال صالحة؛ وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((تُعْرَضُ الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأيُّ قلبٍ أُشْرِبَها نُكِتَ فيه نكتةٌ سوداءُ، وأيُّ قلب أنكرها نُكت فيه نكتة بيضاءُ، حتى تصير على قلبين: على أبيضَ مثلِ الصفا، فلا تضرُّه فتنةٌ ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مُرْبَادًّا كالكوز مُجَخِّيًا، لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا، إلا ما أُشْرِبَ من هواه، قال حذيفة: وحدَّثته أنَّ بينك وبينها بابًا مغلقًا يُوشِكُ أن يُكسر، قال عمر: أكسرًا لا أبا لك؟ فلو فُتح لعله كان يُعاد، قلت: لا، بل يكسر، وحدثته أن ذلك الباب رجلٌ يُقتل أو يموت، حديثًا ليس بالأغاليط))؛ [أخرجه مسلم].

 

وقوله صلى الله عليه وسلم في بيان فضل الشاب الذي يُلجم نفسه عن الشهوات المحرمة، ويلزمها بطاعة الله عز وجل عن أبي هريرة رضي الله عنه – قال: ((سبعةٌ يُظلُّهم الله تعالى في ظلِّه، يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه: إمامٌ عَدْلٌ، وشابٌّ نَشَأَ في عبادة الله، ورجلٌ معلَّقٌ قلبُه في المساجد، ورجلان تحابَّا في الله، اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه، ورجلٌ دَعَتْهُ امرأةٌ ذات منصبٍ وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجلٌ تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلمَ شِماله ما تُنفِقَ يمينُه، ورجلٌ ذَكَرَ الله خاليًا ففاضَتْ عيناه)).

 

سابعًا: وإذا كنت محتاجًا للزواج حاليًّا وقادرًا على متطلباته، فاترك عنك أحلامك والاغترار بمجرد جمال البنات؛ لأن بعضهن جميلةٌ مظهرًا، قبيحة مخبرًا وأخلاقًا، فاحذرهن، واستعِنْ – بعد الاستعانة بالله سبحانه – بوالديك ليساعدوك في البحث عن زوجة صالحة مناسبة لك.

 

حفِظك الله، وأعاذك من مضلات الفتن.

 

وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.