منوعات

زوجي يريد أن يرد طليقته

السؤال:

الملخص:

امرأة مطلقة تزوَّجت من رجل مطلق، كان قد طلق زوجته الأولى ثلاث مرات، ولديه منها بنتان، أصابتها الغيرة عندما علمت أنها تنوي العودة إليه، وتخشى أن يطلِّقها، وتريد طلب الطلاق، وتسأل: ما النصيحة؟

 

تفاصيل السؤال:

السلام عليكم.

أنا مطلقة منذ سنتين، وليس لديَّ أولاد، حاول طليقي إرجاعي بكل الطرق، لكني رفضت بسبب مشاكل كبيرة، منذ مدة تزوجت من رجلٍ مُطلِّقٍ عاش مع زوجته عشر سنوات، ولديه طفلتان، في أول الأمر كنت طبيعية، أما الآن فأنا أجد في نفسي غَيرة شديدة، سيما بعد معرفتي أن طليقته تنوي العودة له، مع أنه أكد لي غير مرةٍ عدم رغبته في العودة إليها، أنا متعبة من غَيرتي الزائدة، من إحساسي بعدم الأمان دائمًا، رغم أن الواقع على العكس من ذلك، كلما طلب مني شيئًا، أُغيِّر لون شَعْري، وكلما فكَّرت كيف كان يحبها ويهتم بها، وكيف أنجب منها، تشتعل نار الغيرة بداخلي، أنا حقًّا متعبة، رغم أنه طلقها ثلاث مرات، فقد تزوجت غيره لتعود إليه، هي أجنبية الجنسية، ولكنها مسلمة، وتحبه كثيرًا، وهي في بلد آخر، ونحن نذهب لرؤية بناته، ويتواصل معها ويمسح المحادثات بينه وبينها، ماذا أفعل؟ هل أطلب الطلاق للمرة الثانية؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

سيدتي، يبدو أن مشكلتكِ الأساسية هي عدم إدراككِ للواقع جيدًا، فعودة زوجكِ لزوجته الأولى محتملَة بشكل ما، مهما أكد لكِ أنه لا يرغب في العودة لها؛ لأن بينهما أولادًا.

 

زوجكِ طلقها ثلاث مرات، وانصرف عنها وتزوجكِ أنتِ، الرجل يبدو بالفعل أنه لم يكن عازمًا على العودة إليها مرة أخرى، ولكن يبقى احتمال العودة قائمًا، أتعرفين لماذا؟ ببساطة لأن بينهما أولادًا، بينهما بنتان، قد لا يرغب في العودة لتلك المرأة، ولكنه بالتأكيد يرغب في العودة لبناته، متى سمحت الظروف، خاصة وأنكما لم تُرْزقا بالأولاد بعدُ، وحتى بعد أن يمُنَّ الله عليكما بالذرية الصالحة إن شاء الله، فسوف يظل مرتبطًا ببناته، ويرغب في ضمِّهما لحضنه كل يوم، هذا سلوك طبيعي ومتوقَّع.

 

تقولين: إنه كان يحب زوجته الأولى ويهتم بها، وهذا في حد ذاته شيءٌ جيد، زوج مُحبٌّ وحنون، ولو وجد في كنفكِ الحب والحنان والاهتمام، فلا بد أن يردَّ هذا بمثله، وربما بأكثر منه، وهذه علامات من المفروض أن تزرع الثقة والطمأنينة في القلب، ولكن ليس من العدل أن تبخلي عليه بفرصة يضم فيها بناته إلى صدره، حتى ولو كان ثمن هذا هو عودته لزوجته الأولى، من أجل القرب والأنس ببناته.

 

حبُّ الرجل لزوجته مختلف تمامًا عن حبِّه لأولاده وبناته، فلا مجالَ للتنازع بينهم، وربما ينصلح حال زوجته الأولى، إذا عادت إليه بعدما جربت الطلاق والبعد، فيكون أكثر هدوءًا وطمأنينة، أنتِ قلِقَةٌ إذا عاد لزوجته الأولى، لكن قد يكون هذا أفضل لكِ ولها وللبنات، فيطمئن قلبه ويسكن ويهدأ، وتنتظم حياته، ويكون أسعد، وبالضرورة سوف ينعكس هذا عليكِ بالخير إن شاء الله، وحبكِ لزوجكِ يُوجب عليكِ أن تكوني مُحِبَّةً للخير له ولبناته مثل محبتكِ للخير لنفسكِ؛ وفي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))؛ [رواه البخاري ومسلم]، فما بالكِ بحبِّ الزوجة للخير لزوجها؟ ضعي نفسكِ مكان زوجكِ، لو كان عندكِ أولادٌ من زوجكِ الأول، وسمح لهم بالعيش معكِ، كيف ستكون سعادتكِ؟ وكيف ستكونين شاكرة له؟ أو لو أنه تعنَّتَ ورَفَضَ بقاءهم معكِ، كيف سيكون حزنكِ؟

 

والرجل عندما يطلب منكِ حسن التَّبعُّل، فلا داعي للغيرة أبدًا، حسِّني مظهركِ وغيِّري لون شعركِ، وأحسني اختيار ملابسكِ، واهتمامكِ بقِوامكِ وجمالكِ، هذا لا يجب أن يكون سببًا أبدًا للغَيرة، فهو لا يطلب منكِ أن تكوني مثل زوجته التي كرهها حتى إنه طلقها ثلاثًا، ولكن هذا هو طبع الرجال، يحبون أن تبدوَ زوجاتهم لهم في زينة مختلفة بين الحين والآخر، ثم إن حُسْنُ التَّبَعُّلِ وإشباع عواطف زوجكِ وغرائزه يقربكِ من قلبه، ويزيد حبَّه لكِ.

 

يبدو أنكِ تدركين جيدًا أن غيرتكِ هذه مبالَغ فيها، ولكن عندكِ مشكلة في السيطرة عليها، ويمكن أن تبدأ السيطرة على هذه الغَيرة بفهمكِ أن لبناته عليه حقًّا، ولهن في قلبه مكانًا يملؤه الحزن بسبب بُعدِهما عنه، وأنه حتى ولو عاد لزوجته الأولى، فإن هذا لا يعني أنه سوف يتخلى عنكِ، أو يهجرك، على الإطلاق، فسَكِينته واتِّزانه مرتبط ببقائكِ معه، فهو يحتاج لامرأة عاقلة تحتويه، وليس لامرأة حمقاءَ تدَّعِي حبَّه، ولكنها تسمح للخلافات بينها وبينه للوصول للطلاق ثلاث مرات، أي حب هذا؟ وأي عقل هذا؟

 

افهمي جيدًا أن هذا الرجل سيكون ملكًا للمرأة العاقلة التي تفيض عليه حبًّا وحنانًا، ملكًا لتلك المرأة العاقلة التي تحتويه، وتشبع عواطفه، وتفرض نفسها في قلبه بحُسن خُلُقِها وتبعُّلِها، وتفهُّمِها لمشاعره كأبٍ لبنتين يريد أن يتربيا في كنفه، وتحت عينه.

 

وتقولين: إنكِ تشعرين بعدم الأمان، رغم أن الواقع على العكس من ذلك، والجميل في هذا أنكِ تدركين أنه شعور زائف، سببه الغَيرة التي قلبكِ، وبالمناسبة هذه الغَيرة لا تُلامين عليها، فهي غيرة فِطْرِيَّةٌ ومحمودة، لأنها السبب الذي يدفعكِ لبذل الجهد والطاقة في الاستحواذ على قلب زوجكِ، ولكن للأسف بعض النساء لا تحسن استغلال تلك المشاعر، فتفسد حياتها بدلًا من أن تصلحها، وقد تصل تلك الغيرة في بعض المواقف لسلوكٍ سلبي، هذا شيء متوقَّع؛ فالمرأة قد تفقد القدرة على السيطرة على أفعالها أحيانًا، ولكن الأمور سرعان ما تعود لمجاريها في حالة وجود الزوج العاقل المتفهِّم، وليس أدل على هذا من موقف النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: ((غارت أمُّكم)).

 

فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصَحْفَةٍ – إناء – فيها طعام، فَضَرَبَتِ التي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِم، فسقطت الصَّحْفَة فانفلقت، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فِلَقَ الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة، ويقول: غارت أمُّكم، ثم حبس الخادم حتى أُتِيَ بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كُسِرَت صحفتها، وأمسكَ المكسورة في بيت التي كَسَرت))؛ [رواه البخاري].

 

ثم ما هي أسوأ الاحتمالات التي يمكن أن تحدث إذا ردَّ زوجته الأولى إلى عصمته؟ هل تتوقعين أن يطلقكِ؟ لا أظن هذا، ولكن سوف أفترض إمكانية حدوثه، فما هو الحل الذي تفكرين فيه، طلب الطلاق؟! فهل الخوف من الطلاق يدفعكِ للسعي إليه؟! تفكير غير سليم بالمرة، فليس من العقل أن تقودكِ بعض الأفكار السلبية التي لا دليل عليها من قريب ولا بعيد إلى أن تفسدي حياتكِ، وتخربي بيتكِ، وتكوني مطلقة للمرة الثانية.

 

نصيحتي لكِ أن تُوكِلي أمركِ لله وتصبري، وثِقِي أن الله يخلف عليكِ، ويعوضكِ سعادة وراحة قلب جزاء حبكِ الخيرَ لزوجكِ ولبناته، دَعِي زوجكِ يقدر الأمور حق تقديرها، فهو أدرى بصالحه، وصالحه سوف يحقق بلا ريب صالحَكِ.

 

اجعلي ما بينكِ وبين الله عامرًا، يجعل الله ما بينكِ وبين العالمين عامرًا، وأولهم زوجكِ، فأكثري من الصلاة والدعاء، وسائر الأعمال الصالحة؛ عسى الله أن ينزل على قلبكِ السكينة، ويرزقكِ الذرية الصالحة، ويُذهِب عنكِ كِيدَ الشيطان.