التخطي إلى المحتوى

السؤال:

الملخص:

فتاة تدعو الله بشيء معين منذ أربع سنوات، ولم يستجب لها، فأصبحت تشعر بغصة في قلبها، ووسوس إليها الشيطان بأن تترك الدعاء وتترك الأخذ بالأسباب، وتسأل: ما الحل؟

 

تفاصيل السؤال:

ثمة أمر كنت أرغب في حصوله بشدة، وكنت أدعو به لمدة أربع سنوات تقريبًا بلا كلل ولا ملل، ولكن بعد السنوات الأربع أصبح الدعاء يحرك جمرًا في صدري، ويثير أحزاني، فلا أعدو أن أقول: “اللهم ارحمني برحمتك يا أرحم الراحمين”، فهل يعتبر كفِّي عن طلب ما أريد قنوطًا من رحمة الله؟ أحيانًا أسأل نفسي: هل سبب منعي مرادي أنني كنت معتمدة على دعائي وجدي واجتهادي؟ فأقول لنفسي أن أكف عن الدعاء، وأتوكل على الله، وأثق برحمته، وسيحصل ما أتمنى بإحسان الظن بالله، دون جدٍّ أو اجتهاد، لا أفهم هل كثرة الدعاء والطريقة الجنونية التي كنت أدعو بها سوءُ ظنٍّ بالله، واعتماد على نفسي ودعائي، أو هي شيء محمود؟ أشعر بوجع شديد في صدري لبُعْدِ مرادي عني، أحاول أن أتقي الله، وأصلح نفسي، وأداوم على النوافل بعد الواجبات، أتمنى عمل أي شيء؛ ليُرفَع عني ما بي، ويحصل مرادي، ولكن لا أعلم ماذا أفعل، فالدرب طال، والظمأ يشتد، وأشعر بالإرهاق والوجع، أرجو توجيهي، وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أسأل الله أن يحقق لكِ الخير مما تتمنين، ويختار لكِ الخير، ويرضيكِ به.

 

أحيانًا يمنع الله عنا شيئًا نتمناه، رغم محاولاتنا المستمرة للوصول إليه؛ لأنه يعلم أن هذا الشيء سيكون وبالًا علينا، ونقمة تسبب لنا العناء، وربما لو حصلنا عليه لدعونا الله بكل ما أوتينا من قوة أن يبعده عنا.

 

وأحيانًا يؤخر الله عز وجل عنا إجابة الدعاء؛ لأن نفوسنا ما زالت بحاجة إلى تهذيب بمزيد من التضرع والخضوع لله عز وجل، والإقبال عليه، والتبرؤ من الحول والقوة والاعتماد على حول الله وقوته.

 

حين يدرك المؤمن ذلك، ويعيش بيقين أن الله قريب، وأنه عز وجل وعد بإجابة الدعاء وقتها، لن يكف عن الدعاء أبدًا، وسيدعو الله أن يرزقه الخير مما يدعو به، ويحجب عنه الشر مما يدعو به، وسيطمئن قلبه وتهدأ نفسه.

 

يقول الله عز وجل: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].

 

واعلمي – أيتها الأخت الفاضلة – أن استجابة الدعاء تتحقق بأشكال مختلفة؛ فقد يستجيب الله ويحقق للداعي ما دعا به، وقد تأتي الإجابة بشكل مختلف، وذلك بأن يحجب الله عنا بلاء كان سيقع علينا، وقد يدخر الله عز وجل لنا إجابة الدعاء للآخرة في وقت نكون في أشد الاحتياج فيه لكل ما يخفف عنا كربات ذلك اليوم؛ فاطمئني؛ فلا يضيع عند الله عز وجل دعاء دعوناه بصدق وإخلاص، وأتينا معه بكل أسباب استجابة الدعاء؛ من صدق اللجوء إلى الله عز وجل، والدعاء بقلب يقظ غير غافل ولا لاهٍ، والأخذ بأسباب استجابة الدعاء، وتحري الحلال في المطعم والمشرب والملبس، ومن كون الدعاء حلالًا لا إثم فيه ولا معصية ولا قطيعة رحم؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا، قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ))؛ [رواه أحمد وصححه الألباني].

 

لا تكُفِّي عن الدعاء، واعلمي أن الدعاء عبادة وأن الله عز وجل يحب من عبده المؤمن أن يدعوه دومًا بقلب مملوء بالثقة في الله؛ وتذكري حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي))؛ [رواه البخاري ومسلم].

 

أما بخصوص الأفكار التي تأتيكِ وتحرضكِ على تركِ الدعاء خوفًا من أن يكون شدة دعائكِ نوعًا من الاتكال على ذاتكِ، فهذا من تلبيس الشيطان وحيله الماكرة، وخداعه لنا، وحقيقة الأمر أن شدة الدعاء وشدة التضرع لله دليل كبير على تعلق القلب بربه، واعتماده عليه، وهذا ما يحبه الله عز وجل منا، والله عز وجل يحب منا، كذلك أن نأخذ بالأسباب ونحن ندعوه.

 

وسأضرب لكِ مثالًا على ذلك:

لو أن مريضًا يعاني من مرض شديد طال عليه واشتد، وظل يدعو الله عز وجل لسنوات طوال، ولكنه رفض أن يأخذ العلاج معتمدًا فقط على حسن ظنه بربه، هل ذلك يُرضي الله عز وجل؟

 

الذي يرضي الله أن يدعوه هذا المريض، ويعلق قلبه به وحده، ثم يسير في طريق الأخذ بالأسباب، ويتناول الأدوية التي تساعده على الشفاء، دون أن يعلق قلبه بهذه الأدوية أو بالطبيب الذي وصف له هذه الأدوية، وهذا هو معنى التوكل على الله عز وجل، أن يعتمد القلب على الله، ثم يسير في طريق الأخذ بالأسباب؛ كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: ((لو أنكم تتوكلون على الله حقَّ توكُّله؛ لرزقكم كما يرزق الطيرَ: تغدو خماصًا وتروح بطانًا))؛ [صحيح الترمذي].

 

أي: لرزقكم كما يرزق الطير التي تخرج من أعشاشها وهي خاوية البطون، ثم تعود إلى أعشاشها، وقد امتلأت بطونها من رزق الله عز وجل.

 

لقد خرجت هذه الطيور، وأخذت بالأسباب، فكيف لنا نحن أن نترك الأخذ بهذه الأسباب ظنًّا منا أن الأخذ بها يقدح في حسن توكلنا، واعتمادنا على الله عز وجل؟!

 

استمري في دعائكِ، وفي طريقكِ في الأخذ بالأسباب، وثقي في وعد ربكِ، وانتظري لحظات الفرج الجميلة، واملئي قلبكِ يقينًا في ربكِ، وأنصحكِ أن تقرئي كثيرًا عن اسم الله الحكيم؛ لعل قلبكِ بمعرفته لهذا الاسم العظيم يطمئن ويدرك أن وراء تأخير استجابة بعض دعواتنا حكمة من الله عز وجل، تحمل لنا بإذن الله كل الخير، وأوصيكِ بالتمسك بدعوة سيدنا يونس: ((لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين))، وبالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وكثرة الاستغفار.

 

أسأل الله أن يحقق لكِ الخير من كل ما تتمناه نفسكِ، ويرضيكِ باختيار الله لكِ.