منوعات

ما تأثير الموسيقى على الصحة العقلية للإنسان؟

يعد تأثير الموسيقى عنصرًا محوريًا بحياة البشر منذ زمن بعيد، حيث لعبت دورًا واضحًا في تشكيل ملامح العديد من الشعوب باختلاف ثقافاتهم، أعراقهم أو حتى أعمارهم، لذلك يجب أن نشير بدايةً إلى أنّ الموسيقى تتخطى مرحلة الترفيه.

ليست مجرد ترفيه

طبقًا لبحث علمي، نشر بواسطة «لافينيا ريبيتشيني»، عالمة الأعصاب بكلية لندن، يمكن للموسيقى التأثير على العمليات الفسيولوجية التي تعزز السلامة الجسدية والعقلية.

حيث أظهرت الدراسات التي أُجريت على مرضى مصابين باضطرابات عقلية، تحسنًا ملحوظًا في صحتهم العقلية بعد التدخلات باستخدام تأثير الموسيقى كأداة أساسية.

بينما أظهرت دراسات أخرى فوائدها، بما في ذلك تحسين معدل ضربات القلب والمهارات الحركية وتحفيز الدماغ وتقوية جهاز المناعة.

تأثير الموسيقى.. منذ لحظة الولادة

في الواقع، يظهر تأثير الموسيقى على الإنسان في وقت مبكر جدًا من حياته، أكثر مما قد نعتقد، فأحد أشكال هذا الارتباط، يبدأ مع ولادة الإنسان، حيث تتفاعل الأم مع طفلها الرضيع بالغناء.

وفقا للدراسات التي استخدمت أثناء البحث عن علاقة الغناء بالأطفال الرضع، اتضح أن التفاعلات الغنائية بين الأم وطفلها الرضيع تلعب دورا محوريا وأساسيا في زيادة مشاعر السرور لدى الطفل، بل وتزيد الرابط العاطفي وتدعم صحة العلاقة بين الأم والطفل.

وينتج عن هذا التفاعل ما يعرف بالـ«موسيقى التواصلية»، حيث يساعد هذا الرتم الراقص الطفل على إيجاد تبادل الإيماءات مع الأم بصورة أكثر انسيابية، بالتالي يساعد هذا التزامن على استثارة المشاعر العاطفية لدى الطفل، ما قد يؤدي إلى نمو علاقة الرضيع بأمه صحي.

تأثير الموسيقى على الصحة العقلية

تأثير الموسيقى
العلاج بالموسيقى.

في 2011، كشفت مجموعة بحثية نرويجية عن مدى تأثير الموسيقى على الصحة العقلية، حيث تم استخدام الموسيقى كعلاج لتخفيف أعراض بعض الأمراض العقلية مثل: القلق والاكتئاب والفصام.

العلاج المحترف

ويعود السبب في ذلك مبدئيًا لانزعاج أصحاب الأمراض العقلية أعلاه من التواصل اللفظي بشكل متكرر كوسيلة للعلاج، بالتالي يدعم التواصل الموسيقي علاج المرضى اليومي، لما تحمله بداخلها من صفات فريدة تساعد على التحفيز، بناء العلاقات والتعبير العاطفي.

خلصت العديد من الدراسات حول تأثير الموسيقى على بعض الحالات السريرية إلى إيجابية تعرُّض المرضى الصغار والبالغين للموسيقى، للحد من أعراض القلق والاكتئاب، حيث يساعد العلاج بالموسيقى الفرد على التعبير عن المشاعر أثناء حالة من الاسترخاء العقلي، وبالتالي يمكن أن يكون مفيدًا في تقليل أعراض الاكتئاب والقلق وتعزيز العلاقات الشخصية.

التدخُّل العشوائي

أثبتت بعض الدراسات أيضًا أن تأثير الموسيقى ممتد حتى ولو كان عشوائيا، بمعنى أن التدخلات الموسيقية الأخرى في العلاج، والتي لا يقودها معالج موسيقي محترف، مثل: قرع الطبول الجماعي فعالة للغاية، وتقلل من حدة أعراض الأمراض العقلية، كما تمنح المريض قدرة أكبر على الصمود الاجتماعي.

على سبيل المثال أظهرت دراسة أجريت على أمهات يعانين من اكتئاب ما بعد الولادة أن الأمهات اللواتي يعانين من أعراض اكتئاب معتدلة إلى شديدة اللواتي شاركن في دروس الموسيقى والغناء لمدة 10 أسابيع مع أطفالهن، تحسنوا بشكل أسرع من الأمهات اللواتي شاركن في مجموعات الرعاية المعتادة.

الموسيقى والمناعة

تأثير الموسيقى
الضغط العصبي.

يعد جهاز المناعة أحد أكثر أجهزة جسم الإنسان تعقيدًا، والذي يتطوّر لحماية الجسم من الأمراض، حيث يمثل الجهاز المناعي الفطري خط الدفاع الأول ضد العدوى، لكن ما علاقة الموسيقى بهذا؟

للتعرُّف على هذه العلاقة، يجب الإشارة إلى حقيقة أولى؛ وهي تأثير الضغط النفسي على استجابات الجهاز المناعي، مما يؤدي إلى إضعاف الدفاعات ضد مسببات الأمراض الجديدة، وبما أنّه لا يمكن القضاء على التوتر النفسي بشكلٍ كامل، يمكن استخدام الموسيقي كحل بديل للتكيُّف مع الضغوطات النفسية.

لهذا ينصب تأثير الموسيقى على هيئة عنصر لتقليل الإجهاد النفسي، ومن ثم تقليل استجابات الإجهاد في نظام القلب والأوعية الدموية والغدد الصماء.

أشارت دراسة نشرت عام 1999 إلى تأثير الموسيقى على تعديل معدل ضربات القلب، ومعدل التنفس والعرق والأنظمة اللاإرادية الأخرى. كما أوضحت تقارير داعمة أن الكثير من الناس يستخدمون الموسيقى لتحقيق التوازن الجسدي والنفسي.

بشكل عام، لوحظت تغييرات عبر العديد من المؤشرات الحيوية للاستجابة المناعية، بما في ذلك الغلوبولين المناعي، والهرمونات والناقلات العصبية المرتبطة بالاستجابة المناعية، بمجرّد التعرض للموسيقى. فطبقًا لدايسي فانكورت، بروفيسور علم نفس الأحياء، تقدّم الدراسات المتقدمة تأكيدات حول تأثير الموسيقى على تعزيز جهاز المناعة.

بناءً على ما سبق، تعد الأدلة المتزايدة على فوائد الأنشطة الموسيقية والعلاج بالموسيقى قوة دافعة لتطوير خدمات العلاج القائمة على الموسيقى في قطاع الرعاية الصحية.

من خلال تعزيز الصحة الجسدية والنفسية، يمكن أن يكون تأثير الموسيقى خيارًا علاجيًا فعالًا ومناسبًا لكل بيئة وكل شخص من كل الأعمار والأعراق والخلفيات العرقية، تمامًا مثلما استخدمت عبر سنوات بغرض الترفيه وحسب.

المصدر:
طالع الموضوع الأصلي من هنا