منوعات

لماذا ينجح كريم بنزيما في مغالطة الحراس دائما؟ | قل ودل

في الـ6 من أبريل عام 2022، ضَم كريم بنزيما (مهاجم ريال مدريد الإسباني)، إدوارد ميندي (حارس مرمى تشيلسي الإنجليزي) لقائمة ضحاياه الفريدة، هذه القائمة التي ضمَّت عديد الأسماء التي سطع نجمها في مواسم سابقة مثل: الإيطالي جيجي دوناروما (باريس سان جيرمان الفرنسي)، الألمانيين لوريس كاريوس (ليفربول الإنجليزي) وسفين أورلايخ (بايرن ميونخ الألماني).

ربما يكمُن تفرُّد هذه القائمة في الطريقة الساذجة التي سُجلت بها تلك الأهداف، والتي أصبحت بشكل ما علامة مسجلة خاصة بالمهاجم الفرنسي، والأهم؛ أنها جميعها جاءت بتوقيتات حاسمة من عمر اللقاءات، وهذا ما يجعلنا نتساءل؛ هل كان الأمر برمته صدفة؟ أم أن هذا التكرار يعني امتلاك كريم نمطا ما، يجعل حرّاسا، يفترض أنّهم كبار، يبدون كهواة؟

صديقي الحارس.. لست ميسي

مع كل خطأ ساذج من حارس مرمى، تنتشر المقاطع المصورة التي تحمل بطيّاتها سخرية حقيقية من الرجل الذي أخطأ في حق فريقه، أو بالأحرى أضاع مجهودات زملائه، وكلما زادت أهمية المباراة، زاد حجم السخرية. ومن هنا ربما حظيت أهداف كريم بنزيما الغريبة بهذا الصيت، حتى وإن سجّل أضعافها بطرق عادية، ربما لأن هذه الأخطاء هي ما يعلق بالأذهان، دونًا عن غيرها.

في 2011، نشر موقع «بليتشر ريبورت» تقريرا طريفا، ينصح من خلاله حرّاس المرمى من كل المستويات عدّة نصائح لتجنب الظهور بمظهر الساذج.

خلال التقرير، طلب الكاتب من أي حارس مبدئيا أن يتخلّى عن استخدام قدميه كثيرا، لأنه ليس ميسي، كما أشار إلى ضرورة تفقُّد الحارس محيطه فور الإمساك بالكرة، وقبل تمريرها، تجنبا لظهور مهاجم من حيث لا يدري، كما نصح الحارس أحيانًا بضرورة محاولة ترويض الكرة بلمسة على الأقل قبل تشتيتها، وأخيرا شدّد الكاتب أنّه أثناء المباريات الحاسمة، لا بُد وأن يتمسّك الحارس بالأساسيات، وألا ينساق إلى الاستعراض.

في الواقع، هذه النصائح بديهية جدا، تكررت على آذان الحراس آلاف المرات، ولهذا يبدو تكرار مثل هذه الأخطاء ساذجا، لكن الأهم بهذا الصدد؛ كان تاريخ كريم بنزيما مع اصطياد الحراس الذين يرتكبون مثل تلك الأخطاء، على اختلاف أسمائهم.

 «عندما جاءت التمريرة الخلفية نحوي، بدا الأمر للحظة أن بنزيما كان على وشك أن يستحوذ على الكرة، لذلك تأقلمت مع موقف واحد لواحد، بعد أن أدركت أنه لم يستحوذ عليها بعد، أردت أن أشتت الكرة بقدمي، لكنني لم أستطع التكيف مع الوضع الجديد، كانت لدي فكرتان، لم أختر بشكل صحيح، حدث كل شيء خلال جزء من الألف من الثانية».

سفين أورلايخ، حارس بايرن ميونخ الألماني، يشرح الهدف الذي استقبله ضد ريال مدريد عام 2018.

  ضريبة الكرة الحديثة

طبقًا لميجيل ديلاني، كاتب إندبندنت الإنجليزية، تطور كرة القدم هو المتهم الأول في أخطاء حرّاس المرمى الساذجة، خاصةً تلك المتعلقة باللعب بالأقدام، لأن أساليب اللعب الحالية تتطلب مشاركة الحرّاس في عملية بناء اللعب، لكن على عكس الـ10 لاعبين الآخرين، لا يمكن للحارس أن يخطئ في التمرير، لأنه إن فعل، سيغيّر مسار المباراة بلا شك.

حسب ديف هندرسون، مدرب حراس المرمى وأحد كشافي أندية الدوري الإنجليزي الممتاز، حاليًا أصبحت مهارات مثل التقاط العرضيات، التصدي للتسديدات، ما هي إلا أقل المتطلبات التي يجب أن تتوافر في حارس المرمى في العصر الحديث.

ففي الوقت الحالي، يتم قضاء الكثير من الوقت في التدريب على التمرير حساب رمي الكرة لـ30 أو 40 مترا، لأن هذه هي متطلبات اللعبة الحالية، والتي تتسبب في أخطاء كارثية، لأن هامش الخطأ لا يمكن إزالته. وهنا طرح ميجيل سؤالا منطقيا، هل يجب أن يعود الحرّاس للأساسيات؟ أم أن الوضع يجب أن يستمر على ما هو عليه؟ وبما أن تاريخ المقال أعلاه يعود لعام 2018، وبما أن هذه الأخطاء الكارثية لا تزال تتكرر، فالإجابة تبدو واضحة.

فن الترقُّب

كريم بنزيما

 «ليس من السهل تسجيل مثل هذا الهدف، كما قد يظهر على شاشات التلفزيون، قد يعتقد الكثير من الناس أن الأمر سهل ولكن الأمر يتطلب الكثير من الاهتمام والترقب، بالنسبة لي، يجب أن يكون المهاجم قادرًا على توقع مثل هذه المواقف.

كريم بنزيما عن هدفه في نهائي دوري أبطال أوروبا 2018.

في فبراير 2022، نشر موقع «Bar­ca Inno­va­tion Hub» تقريرا مطولا بعنوان «فن الترقُّب» شُرح خلاله ضرورة توقع حركة الخصم في لعبة مثل كرة القدم، أو بالأحرى في أي لعبة تعتمد على السرعة، حيث يجب أن يمتلك اللاعب ردود فعل سريعة، لأن انتظار رؤية مسار الكرة، يعني فوات الفرصة لإلحاق الضرر بالخصم، لذا، فإن فن التوقع يمكن تعريفه بأنه التنبؤ بمسار الكرة من إشارات وضعية الخصم وحركاته.

يرى يوهان كرويف، أسطورة برشلونة الإسباني، أن تفاصيل الجلسات التدريبية ما هي إلا محاكاة لما يمكن للاعب أن يواجهه على أرض الملعب من تفاعلات متعلقة بالترقب والسرعة، بالتالي يصبح من السهل على اللاعب التفاعل مع المباريات الرسمية بشكل تلقائي.

ربما هذا ما يمكن من خلاله إيضاح الفارق ما بين المهاجم المميز والأكثر امتيازًا، فبفرض أن كلا المهاجمين يمكنهما تسجيل الأهداف، تذهب الأفضلية بداهة للمهاجم الأكثر قدرة على توقُّع أخطاء الخصم، لأنها تمنحه حصة إضافية من الأهداف غير المتوقعة.

كريم بنزيما.. الرجل الذي انتظر كثيرا

كريم بنزيما

في الواقع، لا نمتلك معلومة مؤكدة حول ما إذا كانت موهبة كريم بنزيما في توقّع أخطاء الحرّاس ناتجة عن تدريبات مكثفة أم أنها مجرّد تصرفات فطرية، لكن الأكيد، أن مسيرة بنزيما نفسه، ما هي إلا تأكيد على كونه لاعبا ظل يترقب أي فرصة كي يغتنمها.

إذا ما نحينا قصة الأهداف الغريبة جانبا، عاش بنزيما نحو 10 سنوات من الانتقاد اللاذع، بدايةً من وصف البرتغالي جوزيه مورينهو له بالقطة التي لا تستطيع الصيد، وصولا لهتافات جماهير ريال مدريد ضده في ملعب سانتياجو برنابيو.

طبقا لناندو فيلا، صحفي «ذي أثليتيك»، الفرنسي هو حالة فريدة من نوعها؛ لأنه للوهلة الأولى، يبدو كشخص لا يتناسب مع بيئة العملاق الإسباني المتطلبة، ولأن أعداد منتقديه تساوي تقريبا أعداد المشيدين به، لكن الأهم حسب وجهة نظره، كان عدم اكتراث كريم بنزيما لرأي الطرفين.

يرى كريم أنه يلعب كرة القدم لمن يفهمونها، وهنا تحسست الجماهير المنتقدة أسلحتها، لأن في هذا تعاليا واضحا على آرائهم، التي دعمتها الأرقام في مواسم طويلة، على الجانب الآخر، يُصر كريم أن الرقم 9 على ظهر قميصه لا يعني أي شيء، ولا يجب أن يتحوّل لعدد معين من الأهداف.

شهدت السنوات الأخيرة تحولا واضحا في أرقام كريم بنزيما التهديفية، وهو ما يرجعه الفرنسي لتغيُّر حجم المسؤولية التي وضعت على كاهله، ومع ذلك يصر على أن أسلوب لعبه لم يتغير، لكن الحصيلة التهديفية ‑التي يراها الجمهور- هي ما جعلت الجماهير تأخذ هذا الانطباع.

للإجابة على السؤال الذي طرحناه في عنوان المقال، وهو لماذا ينجح كريم بنزيما في مغالطة الحرّاس دائمًا؟ (في حالة أنك نسيته)، يمكننا أن نفترض أنّ كل الاحتمالات التي ذكرناها أعلاه تتقاطع في لحظة ما، ينتج عنها هدف، حتى وإذا كان اللاعب يعاني من انخفاض في المستوى.

طبقا لقوانين الاحتمالات، من الوارد أن يحدث ذلك، قد يخطئ الحارس خطأ ساذجا في لحظة احتدام المباراة، لكن الأهم؛ هو ترقُّب كريم بنزيما لهذا الخطأ، تماما كما ترقّب لحظات عديدة، أثبت خلالها أنّه ليس مجرّد كسول داخل فريق مدجج بالنجوم.

المصدر: طالع الموضوع الأصلي من هنا