منوعات

التغير المناخي: ما هي عمليات التمويه الأخضر؟




بي بي سي

نشر في:
الخميس 5 مايو 2022 – 4:05 ص
| آخر تحديث:
الخميس 5 مايو 2022 – 4:05 ص

امتصاص الكربون من خلال زيادة غطاء الغابات محور أساسي في المعركة ضد التغير المناخي – لكن هناك مشكلة: في بعض الأحيان، هذه الغابات لا توجد إلا على الورق فقط، لأنه لا يتم الوفاء بالتعهدات، أو لأن الأشجار التي زُرعت ماتت أو اقتُلعت. وتبذل حاليا مجهودات جديدة من أجل تتبع النجاحات والإخفاقات في هذا الشأن.
تجلس الدكتورة يورغين بريمافيرا في زورق صغير يبحر قبالة ساحل إيلويلو في الفلبين. المشهد شاعري، ولكنها متجهمة. قبل ستة أعوام، زُرعت أشجار المنغروف في تلك المياه الضحلة في إطار “برنامج التخضير الوطني” الطموح للبلاد، ولكن لا يمكنك رؤية أي شيء هنا سوى المياه والسماء الزرقاوين.
تقول الدكتورة بريمافيرا إن تسعين في المئة من الفسائل ماتت لأن نوع أشجار المنغروف الذي زُرع كان ملائما للجداول الطينية وليس لهذه المنطقة الساحلية الرملية. وتضيف أن الحكومة فضلت هذا النوع لأنه متاح ويسهل زرعه.
“تمت التضحية بالعلم من أجل سهولة الزراعة”.

كان برنامج التخضير الوطني محاولة لزرع 1.5 مليون هكتار من الغابات وأشجار المنغروف بين عامي 2011 و 2019، ولكن تقريرا صادرا عن لجنة المحاسبة في البلاد وجد أن 88 في المئة من تلك المحاولات باءت بالفشل في الأعوام الخمسة الأولى.

في السنوات الأخيرة الماضية، دشن الكثير من البرامج الطموحة الرامية إلى زرع الأشجار وإحياء الغابات، بعضها عالمي والبعض الآخر محلي، في مسعى لامتصاص الكربون من الغلاف الجوي والحد من ارتفاع درجات حرارة كوكب الأرض.
كبرى تلك البرامج من المفترض أن تصل إلى أهدافها بحلول عام 2030، ولكن يبدو أن الطريق أمامها لا يزال طويلا. وفي بعض الحالات لا يعرف مدى التقدم الذي أحرزته تلك البرامج.
يقول تيم كريستوفرسن، الذي كان يشغل حتى هذا الشهر منصب رئيس قسم “الطبيعة من أجل المناخ” ببرنامج الأمم المتحدة البيئي، إن “غالبية” المليار هكتار من الأراضي التي تم التعهد باستصلاحها عالميا لا تزال مجرد تعهد وليست واقعا.

في بعض الحالات، بدأ العمل في برامج تشجير ضخمة، ولكنها لم تثمر سوى عن نتائج محدودة. أجرت بي بي سي تحقيقا استقصائيا حول اثني عشر مثالا لبرامج متعثرة، كما هو الحال في الفلبين، ووجدت أن السبب عادة ما يكون عدم الاهتمام بها بالشكل الكافي.
لم ترد الحكومة الفلبينية على طلب التعليق على تقييم لجنة المحاسبة الذي ذكر أن 88 في المائة من برنامج التخضير الوطني باء بالفشل.
أما السلطة المحلية التي زرعت ما تعتبره الدكتورة أنواعا من المنغروف غير مناسبة للمواقع الساحلية فتختلف معها في الرأي، إذ تقول إن 50 في المئة من الفسائل بقي على قيد الحياة في بعض المواقع.
ولكن على الأقل نشر تقرير للجنة المحاسبة في الفلبين، أما في العديد من البلدان الأخرى النتائج غير واضحة.
في ولاية أوتار برادش الهندية على سبيل المثال زُرع عشرات الملايين من الشجيرات في الأعوام الخمسة الماضية، ولكن عندما ذهبت بي بي سي لتفقد المزارع الجديدة بالقرب من مدينة باندا بالولاية، لم تجد سوى القليل منها على قيد الحياة.
ومع ذلك لا تزال اللافتات تعلن بفخر عن وجود تلك المزارع، ولكن النباتات الصغيرة بدأت في الانتشار في تلك الأراضي.

يقول البروفيسور أشويري تشاتري الأستاذ المشارك بكلية التجارة الهندية، والذي أجرى بحوثا حول استعادة النظم البيئية: “هذه المزارع غالبا ما يكون الغرض منها هو التقاط الصور الدعائية”.
“النموذج الحالي للمزارع يتطلب أن يكون لدينا أولا مشاتل، وهو ما يتطلب بدوره مواد بناء، ثم نحتاج إلى توفير أكياس لوضع الشجيرات فيها، كما نحتاج إلى أسلاك شائكة وغيرها من الأشياء الضرورية للمزرعة، ثم يجب توفير وسائل النقل لكافة هذه الأشياء.
“يتم منح عقود لشركات لتوفير تلك المواد، والتي قد لا تكون بالجودة المطلوبة. وهناك الكثير من الأشخاص المهتمين بإعادة التشجير، ولكنهم ليسوا مهتمين بنجاح مزرعة الأشجار”.
وقد صرحت مامتا دوبي مديرة الحراجة بولاية أوتار برادش لبي بي سي بأن كافة الإمدادات اللازمة لمشاتل الولاية تم شراؤها عبر القنوات الحكومية الرسمية وبأسعار تنافسية، وأنه تم الاحتكام إلى أطراف ثالثة رأت أن غالبية المزارع ناجحة.

يقول البروفيسور أشيش أغاروال من المعهد الهندي للإدارة في لاكنو إن الهند غطت مساحة تعادل مساحة الدنمارك بمزارع الأشجار منذ التسعينيات، لكن المعاينات الميدانية التي تمت على المستوى الوطني توضح أن غطاء الغابات ازداد بشكل تدريجي فقط.
يضيف أغاروال أنه حتى مع معدل بقاء 50 في المئة، كان يجب أن نرى 20 مليون هكتار من الأشجار والغابات، ولكن ذلك لم يحدث، فالبيانات لا تُظهر هذه الزيادة”.
وفقا لتينا فاهانين، نائبة مدير منظمة الغذاء والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، فإن هذه المشكلة منتشرة في بلدان أخرى ولا تقتصر فقط على الهند.
وتضيف: “الكثير من مزارع الأشجار كانت مجرد أنشطة ترويجية، ولم يتبعها العمل اللازم لزراعة الأشجار”.

اكتشفت بي بي سي مشكلة من نوع مختلف في موزمبيق، التي سمحت للشركات الخاصة بإنشاء مزارع ضخمة أحادية المحصول في إطار مشاركتها في مبادرة AFR100 لإعادة إحياء أراضي الغابات.
وفي حين أن الكثير من مزارع الأشجار نمت وازدهرت، يُزعم أنه في بعض الحالات يتم تقطيع الغابات الطبيعية لإفساح المجال لتلك المشروعات.
وقد استمعت بي بي سي لهذه الشكوى من القرويين في أقاليم لاغيلا وإيلي وناماروي في وسط البلاد. هذه الشكوى تكررها فانيسا كابانيلاس من منظمة Justica Ambiental غير الحكومية، والتي تقول إن الطبيعة الأصلية كانت تقوم بدور أفضل في امتصاص الكربون.
وتقول كابانيلاس إن “فكرة مزارع الأشجار تروَج لنا بوصفها إجراء لتخفيف آثار التغير المناخي، وهذا خطأ”.
ونفت الشركات التي تقف وراء مزارع الأشجار التي شاهدتها بي بي سي فكرة أن الأرض كانت في السابق غابة مزدهرة. وقالت شركة Mozambique Holdings إن مزرعة المطاط التي تمتلكها بالقرب من لوغيلا أقيمت على مزرعة شاي سابقة. وقالت شركة Portucel البرتغالية التي تمتلك مزرعة لأعشاب الأوكالبتوس بالقرب من ناماروي إن تدخل البشر كان بالفعل قد أدى إلى الإضرار بالأرض، وإنه لم يتبق سوى آثار قليلة جدا من الغابات الطبيعية.
كما شاهدت بي بي سي عملية حصد النباتات في مزرعة أوكالبتوس تابعة لشركة Portucel. تشير فانيسا كابانيلاس إلى أن تقطيع الأشجار ينتج عنه انبعاثات كربونية، كما تنتج انبعاثات جراء عملية شحن الأخشاب عند تصديرها، وإلى أن الأشجار الميتة لا تستطيع أن تعزل الكربون. وقال متحدث باسم Portucel إنه سيتم زرع أشجار جديدة، وإن العملية ستبدأ من جديد.
يشار إلى أن Portucel حصلت على اعتمادات مالية من مؤسسة التمويل الدولية، وهي أحد فروع البنك الدولي، ولم تستجب المؤسسة عندما طلبت منها بي بي سي التعليق.
كما أن حكومة موزمبيق لم ترد هي الأخرى.

وأمام هذه الخلفية، تدشن الفاو هذا الأسبوع إطارا جديدا لمراقبة مشروعات إعادة إحياء الغابات.
يقول جوليان فوكس مدير فريق مراقبة الغابات الوطنية بالفاو إنه تمت الموافقة على 20 مؤشرا مع الحكومات وغيرها من المنظمات الشريكة. تشمل تلك المؤشرات الأخذ في الاعتبار أي فوائد تعود بها الغابات على المجتمعات المحلية، حيث من الملاحظ أنها عادة ما تفشل بدون الدعم المحلي.
يضيف فوكس “الفكرة هي بناء قدرات الدول على قياس أي تقدم تحرزه وإخبارنا به بطريقة هادفة وواضحة”.
“الموضوع بالأساس يتعلق بجعل بيانات الرصد الجيدة [في تلك الدول] متاحة للمجتمع الدولي”.
ولا تزال مهمة جمع البيانات تقع على عاتق البلدان نفسها، وليس هناك ضمان لقيامها بذلك.
ولكن الخبراء يقولون إنه لحسن الحظ، هذا الإطار الجديد يتزامن مع تطورات شهدتها عملية الرصد بالأقمار الصناعية.
يقول تيم كريستوفرسون الرئيس المنتهية ولايته لفرع “الطبيعة من أجل المناخ” التابع لبرنامج الأمم المتحدة البيئي إنه “تحدث حاليا الكثير من عمليات التمويه الأخضر(أي الممارسات البيئية غير المستدامة التي تحاول أن تعطي انطباعا خاطئا بأنها مستدامة)، وعلينا أن نعمل جاهدين على كشف الغطاء عنها”.
ويضيف: “ثمة إغراء للقيام بعمليات التمويه الأخضر، لأنه يتكلف أقل من [اتخاذ إجراءات فعلية لمحاربة تغير المناخ] وبالشكل الصحيح”.

رابط المصدر