منوعات

٣٠ يونيو والخلاص من الكابوس

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أثبتت لنا حلقات مسلسل الاختيار ٣، حجم المخاطر التي تعرضت لها مؤسسات الدولة المصرية، وشعبها، ومُقدراتها، وثقافتها وهويتها في أعقاب ثورة ٢٥ يناير، التي ترتب عليها خروج جماعات الإسلام السياسي، والتيارات الدينية السلفية، والجماعات الإسلامية من طور الكمون والتقية، إلي طور السفور والإعلان عن حجم حضورهم ونفوذهم في الشارع والمجتمع المصري، وعن رغبتهم الاستيلاء على السلطة في مصر، وحكمها لخمسمائة عام مقبلة.

وقد عشنا جميعًا هذه الأيام السوداء، بداية من “جمعة قندهار” التي كانت نقطة البداية في سرقة ثورة ٢٥ يناير بواسطة جماعات الإسلام السياسي، وإلباسها لحية وجلباب وهُوية إسلامية متشدة. ثم تعاقبت بعد ذلك التطورات التي انتهت بوصول جماعة الإخوان المسلمين لمقعد الرئاسة في مصر.

والحمد لله فقد نجحنا في استرداد الدولة المصرية من مصير مأساوي بقيام ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وهي الثورة التي شهدت حالة مخاض عظيم، وما كان لها أن تقوم وتنجح دون إرادة الشعب المصري، ودون وطنية مؤسسات الدولة المصرية، وعلى رأسها المؤسسة العسكرية، التي أيدت وحمت إرادة الشعب في التغيير والخلاص من هذا الكابوس الذي عشنا فيه لمدة عام تحت حكم جماعة الإخوان، ونفوذ جماعات الإسلام السياسي والتيارات الدينية السلفية.

ولعل أهم مكتسبات ثورة 30 يونيو 3013 في يقيني الشخصي، أنها أعادت الروح والوعي لمصر والمصريين، وأنها كشفت عن تهافت وأكذوبة الحل الإسلامي، وأساطير جماعات الإسلام السياسي، التي اخترقت بشدة وعمق المجتمع المصري.

وهو الاختراق المُوجه الذي تم بداية من منتصف سبعينات القرن العشرين، ويُمكن أن نعده واحدًا من أكبر الجرائم التي اُرتكبت في حق الدولة المصرية وشعبها وتاريخها وثقافتها وميراثها الحضاري.
وقد ساعد على تنفيذ هذا الاختراق بعض الخيارات الخاطئة للرئيس محمد أنور السادات، الذي فتح لحسابات سياسية مغلوطة أبواب حضور وانتشار تلك الجماعات، وكذلك هشاشة رؤية وخيارات وأولويات الرئيس محمد حسني مبارك.
وقد حصدنا في العقود الأخيرة النتائج المُدمرة التي ترتبت على هذا الاختراق، ويُمكن إجمالها على النحو التالي:

– إعاقة تجديد الفكر الديني، والخطاب الديني، بما يناسب مستجدات ومشكلات الواقع، ومتغيرات العصر.
– تشوه وازدواجية الثقافة والشخصية المصرية، واهتمام قطاع عريض من المصريين بالناحية الشكلية للدين على حساب سمو الأخلاق وصدق المُعاملات، والفهم الصحيح لجوهر الدين.
– وجود ثلاث أجيال من المصريين أصحاب التوجه السلفي الذي يتصف بجمود الفكر والدوافع والتفكير والسلوك، باختلاف مستويات تعليمهم، وباختلاف موقعهم في المجتمع والجهاز الإدراي للدولة المصرية.
– التوظيف السياسيي للدين لتحقيق مكاسب انتخابية في البرلمان والمحليات والنقابات، وأخيرا في الانتخابات الرئاسية عام 2012، التي أتت بجماعة الإخوان المسلمين، ورئيس إخواني على رأس الدولة المصرية.
– تهديد أمن واستقرار الوطن عبر انتماء بعض الشباب – المدفوعين بخرافات وأوهام سياسية ذات طابع ديني تم التسويق لها في العقود الأخيرة – لجماعات سياسية وجهادية، تُعادي مفهوم الدولة الوطنية المدنية، وتحمل السلاح – نصرة للدين وجماعات الإسلام السياسي- في وجه شعب مصر وجيشها وأجهزتها الأمنية.

وأظن في النهاية، أن بعض نتائج هذا الاختراق لا تزال لليوم تفعل فعلها في المجتمع المصري، ولا تزال تمثل خطرًا على الإنسان المصري والمجتمع والدولة، وهي تحتاج لمواجهة فكرية وثقافية، أكثر منها مواجهة أمنية، حتى لا نُعيد مرة أخرى إنتاج خيارات وأخطاء وكوارث الماضي.

رابط المصدر