منوعات

ديداكتيك الدرس النحوي ومحاولات تجديده

ديداكتيك الدرس النحوي ومحاولات تجديده

ملخص:

يتناول هذا البحث موضوعًا يتعلق بإشكالية تدريس النحو بالمدرسة المغربية، وتحديدًا في التعليم الثانوي والإعدادي؛ حيث أصبحت هذه الظاهرة مُعمَّمة بين سائر المتعلمين والمتعلمات، وأصبحنا نلمس آثارها الجانبية في مستوى المتعلمين وضعفهم اللغوي؛ ولذلك جاء هذا البحث ليسلط الضوء على هذه الظاهرة ليبين الأسباب والعوامل التي تجعل هؤلاء التلاميذ ينفرون من درس النحو، ويعتبرونه مادة صعبة ومستعصية على الفهم، وكذا بيان بعض محاولات التيسير والتجديد للنحو العربي التي جاء بها الباحثون والدارسون للغة العربية.

 

الكلمات المفاتيح: النحو، الديداكتيك، طرائق التدريس، المناهج الدراسية، التيسير، التجديد.

 

تقديم:

يعد علم النحو من أهم العلوم العربية؛ إذ إنه يحظى بمكانة عالية ومنزلة كبيرة بين مجمع علوم اللغة؛ فهو الحافظ للغة العربية من التحريف واللحن، والأداة التي يميز بها القارئ بين سلامة التركيب ورداءته، وهو العمود الفقري الذي لا تستقيم العربية دونه، ونظرًا لهذه الأهمية التي يكتسبها كان النحو ولا يزال الوسيلة الأهم التي لا يمكن لدارس العربية الاستغناء عنها في أبحاثه ودراساته أيًّا كان مجالها، بيد أن تدريسية النحو العربي ليست بالأمر الهين، ذلك أنه منذ نشأته أثيرت قضية تعليم النحو العربي التي اتسمت بأهمية بالغة، وطرحت إشكالات كبرى تتعلق بتيسير النحو وتبسيطه للناشئة، وهنا ينبغي الإشارة إلى مسألة مهمة في هذا الصدد؛ وهي التفريق بين جانبين من النحو: النحو العلمي والنحو التعليمي، ذلك أن لكل منهما خصائصه ومميزاته؛ فالنحو العلمي هو ذلك النحو الذي يدرس الظواهر اللغوية واللسانية ويعللها من خلال البحث والتعمق فيها؛ بينما النحو التعليمي هو الذي يُوجَّه للناشئة لتعليمهم أصول الكلام العربي وأسسه وكيفية إنشائه وبناء تراكيبه، كما يُوجَّه أيضًا للأجانب الوافدين على تعلم اللغة العربية؛ فالنحو إذن بهذا المعنى يمثل الهيكل والطريق نحو الوصول إلى الفصاحة، ولن نبالغ إن قلنا: إن التفريط في التفريق بين الجانبين العلمي والتعليمي كان من بين الانتقادات التي يمكن أن تُوجَّه للعرب القدامى؛ لأنهم قعدوا للنحو العربي بينما قصروا في الفصل بين ما هو علمي وما هو تعليمي.

 

ومن ثمة أصبحنا نشهد في الآونة الأخيرة ضعفًا كبيرًا في المستوى النحوي لدى المتعلمين، وكذا لدى الطلبة الجامعيين بقسم اللغة العربية؛ بحيث إنهم يعانون من صعوبات واضحة في إنتاج خطابات مكتوبة أو شفوية سليمة من الأخطاء النحوية؛ بل ويشتكون من صعوبة هذا الفرع من العلوم العربية، وعلى الرغم من الجهود المبذولة من لدن علماء العربية- خاصة المحدثين- من أجل تيسير هذا العلم وتقريبه للمتعلمين إلا أن هذه المشكلة– أي: صعوبة النحو- لا تزال تشكل عائقًا يحول دون تمكن الناشئة من ضبط اللغة العربية كتابةً ونطقًا.

 

1- طرق وأساليب تدريس النحو في المؤسسات التعليمية:

لقد انشغل التربويون والمعلمون قديمًا وحديثًا بالبحث عن الطرق والأساليب المناسبة التي تُيسِّر عليهم تدريس قواعد النحو، وتمكنهم من الوصول إلى الطريقة الأمثل لتبليغ هذه القواعد إلى المتعلمين بسهولة ويسر، وإذا ما عمدنا إلى استعراض الطرائق المتبعة في تدريس القواعد النحوية منذ القديم إلى وقتنا الحاضر لوجدنا أنه يمكن تقسيمها إلى نوعين:

الطريقة التقليدية: وهي طريقة “قديمة وتقليدية، تعتمد على أسلوب المحاضرة أو الإملاء… ومن أهم سمات هذه الطريقة: يدرس المعلم ويلقن الدارسين، يفكر المعلم بينما لا يفكر المتعلمون، يتحدث المعلم بينما يصغي الدارسون في خضوع” (عذاوري, كمال، 2008-2009، صفحة 13)، ونظرًا لكثرة الانتقادات التي وُجِّهت لهذه الطريقة، لكونها أهملت العلاقة التفاعلية بين المتعلم والمعلم، وقدمت المتعلم في صورة المتلقي السلبي الذي لا يساهم في بناء الدرس وإنجازه، كما أنها لم تعر الجانب الوظيفي والدلالي أهمية؛ لأن هدفها الأساس كان هو التعريف بالقواعد اللغوية بصفة عامة دون النظر إلى المعنى المراد منها، وهذا ما جعلها معقدة وصعبة الدراسة من قبل المتعلمين والمعلمين على السواء، ونظرًا لكل ذلك كان لا بد على المهتمين بالحقل التربوي إيجاد أساليب وطرائق حديثة تُيسِّر إيصال واستيعاب هذه القواعد النحوية واللغوية على الطرفين (المعلم والمتعلم).

 

الطريقة الحديثة: بعدما تبين أن الطريقة التقليدية في تدريس النحو هي طريقة غير ناجحة، أو بالمعنى الأصح لا تعطي النتائج المأمولة؛ لأنها تعتمد على الحفظ والتلقين للمادة، أصبح من الضروري إعادة النظر في هذه الطريقة وإحداث أساليب جديدة تُمكِّن المتعلمين من استيعاب الدرس النحوي والإقبال عليه عوضًا عن النفور منه، وقد لقي هذا المبحث اهتمامًا من ثُلّة من الدارسين والباحثين في العصر الحديث، وهنا تجدر الإشارة إلى مسألة مهمة وهي أن “التيسير لن يكون في النحو العربي نفسه، فهذا أمر ليس بمستطاع؛ إذ استقرت أحكامه، ووضعت ركائز النحو على نحو أسسه نحاةُ العرب، ولكن إذا كان هناك تيسير فهو تيسير في تعلم النحو” (سعد علي زاير، سماء تركي داخل، 2015، الصفحات 66-67)، وعمومًا فقد تمخض عن هذا البحث جملة من الطرائق أهمها ما يلي:

ا) الطريقة الاستقرائية:

وهي طريقة ظهرت خلال القرن العشرين، نُسبت إلى “الفيلسوف الألماني “يوحنا فريدريك هربارت” (مدكور، 1991، صفحة 339)، وتقوم على فكرة أساسية مفادها أن الاستقراء هو الطريق الأمثل الذي يصل العقل من خلاله إلى المعرفة الكلية. وتعرف بأنها تقوم “على الأمثلة التي يشرحها المعلم ويناقشها، ثم يستنبط منها القاعدة، وهذا يعني أنه يبدأ من الجزء إلى الكل، والاستقراء أسلوب يشجع التفكير، ويبدأ بفحص الجزئيات- أي: الأمثلة- ثم الخروج من دراستها بقاعدة عامة مستنبطة منها”. (سعدون الساموك وهدى الشمري، 2005، صفحة 228).

 

ب) الطريقة المتكاملة:

ظهرت هذه الطريقة خلال الأربعينيات من القرن الماضي “بظهور موجة الدعوة إلى التيسير؛ ككتاب “النحو الجديد” لعبد المتعال الصعيدي” (بزاوية، 2016-2017، صفحة 236)، متأثرة بالنظرية الجشطلتية في علم النفس التي تقوم على أن القواعد الكلية تُدرك قبل الأجزاء، ووجهت انتقادات كثيرة للطريقة الاستقرائية، فاعتبرت أن القواعد النحوية لا تُستنبط من الأمثلة والشواهد المتفرقة؛ وإنما انطلاقًا من نص متكامل يتضمن الظاهرة اللغوية المراد دراستها. فيعود ذلك بالفائدة على المتعلم الذي يصبح قادرًا على تحصيل القاعدة من خلال دراستها ضمن سياقها العام الذي وردت فيه.

 

وفضلًا عن ذلك تكمن أهمية هذه الطريقة أيضًا في كونها تقوم على ثلاثة أسس مهمة: أس لغوي، وأس نفسي، وأس تربوي؛

 

أما الأساس النفسي فيؤكد على “أن العقل وحدة متكاملة، أما الأسس التربوبة فتتضمن أن المادة التعليمية وحدة متكاملة؛ إذ تكمل المواد الدراسية بعضها بعضًا لتحقيق هدف موحد، وهو أن يبلغ الطفل مستوًى مطلوبًا من النمو، أما بالنسبة للأسس اللغوية للأسلوب التكاملي فهذا الأسلوب يساير الاستعمال اللغوي؛ لأن استعمالنا اللغةَ في التعبير الشفوي والكتابي يصدر من خلال كلامنا وكتاباتنا على شكل وحدة متكاملة مترابطة” (نعيمة غازلي، د ت، صفحة 7).

 

وعمومًا فمهما اختلفت الطرائق التعليمية تبقى مقومات الطريقة الناجحة هي:

أن تحفز التلاميذ على التفكير والبحث، وتتجنب التلقين والإلقاء.

 

أن توصل الظاهرة النحوية إلى المتعلم، وأن يكون قادرًا على استيعابها بسهولة.

 

2- أسباب وعوامل ضعف التلاميذ في درس النحو:

إن مما لا شك فيه أن القواعد النحوية أصبحت من أعقد المشكلات وأصعبها عند المتعلم، الأمر الذي جعله ينفر منها، ويتحاشى دراستها رغم ما لها من أهمية في تقويم لغته وتحسينها، علمًا أن مادة النحو في المؤسسات التعليمية يتم تدريسها للمتعلمين ابتداءً من المرحلة الابتدائية، ومع ذلك يستطيع المدرسون في مختلف المستويات أن يلمسوا ضعف التلاميذ في تحصيل القواعد النحوية، ولعل هذا العزوف والنفور من مادة النحو يرجع إلى عوامل كثيرة، حيث حدد التربويون “أسباب هذا الضعف في عدة أسباب؛ منها ما يرجع إلى المعلم، ومنها ما يرجع إلى المتعلم، ومنها ما يرجع إلى القواعد نفسها، ومنها ما يرجع إلى القواعد التي تدرس بها هذه القواعد” (السليطي ظبية سعيد، 2018، صفحة 399)، وعليه سنحاول فيما يلي تبين هذه الأسباب والجهود المبذولة لمحاولة تيسير النحو وتجديده للمتعلمين.

 

أ- أسباب ضعف التلاميذ في المكون النحوي:

يكاد يجمع أغلب المدرسين والمعلمين لمادة النحو العربي على أن جُلَّ تلامذتهم وطلابهم ينفرون من هذه المادة ويعزفون عنها ويشتكون منها؛ بسبب صعوبتها أولًا، ولعدم قدرتهم على استيعاب قواعدها المتعددة، ولربما هذه الظاهرة ليست حديثة العصر؛ وإنما كانت منذ بدأ التقعيد للنحو، وفي هذا السياق يقول الخليل بن أحمد الفراهيدي مبينًا مشقة تعلم النحو: “لا يصل أحد من علم النحو إلى ما يحتاج إليه حتى يتعلم ما لا يحتاج إليه” (الجاحظ، 1965، الصفحات 37-38).

 

يبين لنا هذا أن الشكوى من صعوبة النحو بدأت منذ القديم، واستمرت إلى عصرنا هذا، الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل عن مكمن الصعوبة في هذا العلم بالتحديد.

 

وللإجابة عن هذا السؤال سنقف في هذا المحور عند ثلاثة أسباب نفترض أنها مكمن هذه الصعوبة، وهذه الأسباب هي: أسباب تتعلق بالمادة النحوية، وأسباب تتعلق بالمعلم، وأسباب تتعلق بالمتعلم، وأسباب تتعلق بطرق تدريس النحو، وسنفصل فيما سيأتي في كل سبب على حدة.

 

أسباب تتعلق بالمادة النحوية:

لعل من الأسباب والعوامل التي تساهم بشدة في صعوبة النحو، المادة النحوية بذاتها، ذلك أن الغالبية الساحقة من التلاميذ يشتكون من جمود القواعد النحوية وتعقيدها وتجردها، فتتحول بذلك إلى عمل ذهني مرهق، يجد المتعلم صعوبة في تقبله وتلقيه بدل المتعة في اكتسابه وتعلمه، هذا فضلًا عن الخلط بين القواعد النحوية التعليمية والقواعد النحوية العلمية، بالإضافة إلى “كثرة الأراء المتباينة والأوجه المختلفة للنَّحْويين ومدارسهم، وكثرة التأويلات الافتراضية” (السليطي ظبية سعيد، 2018، صفحة 399)، كل ذلك ساهم في نفور المتعلمين من الدرس النحوي.

 

وعليه، فلا بد من إمعان النظر في القواعد النحوية المقررة في الكتب والمناهج الدراسية، ومن الضروري أيضًا التمييز بين القواعد التعليمية والقواعد العلمية؛ “وذلك لأن القواعد التربوية تقوم على اختيار مادة تعليمية من ضمن القواعد العلمية” (ميشال زكريا، 1986، صفحة 21)، وتبسيط هذه القواعد وتقريبها من المتمدرس لتقليص الهوة بين المتعلمين والدرس النحوي.

 

أسباب تتعلق بالمدرس:

إن الأستاذ هو الحلقة التي تصل المتعلم بالمادة؛ لذلك فهو الذي بإمكانه أن يرغب التلميذ في تعلم النحو، ويحببه في هذا المكون، أو ينفره ويبعده عنه، وهذا تحديدًا ما نلمسه في وقتنا الراهن، إذ نجد بعض المدرسين يفتقرون إلى الدراية والإلمام الكافيين بهذا العلم، والبعض الآخر يقلل من التطبيقات التي ترسخ قواعد النحو، بسبب أن الأستاذ يكتفي بإلقاء مجموعة من المعارف النظرية دون أن يدرب المتعلم على تطبيقها شفويًّا أو كتابيًّا، وكذا بسبب قلة إلمامه “بطرائق التدريس الحديثة، والاعتماد على الطرق القديمة التي تعتمد على التلقين” (زيتوني، 2020، صفحة 132)، وهذا قد يكون أحد الأسباب المهمة التي أدت إلى ابتعاد المتعلمين عن المكون النحوي.

 

أسباب تتعلق بالمتعلم:

من المؤكد أن الضعف اللغوي في مادة النحو لا يعود فقط لأسباب ترتبط بطبيعة المادة النحوية أو بالمدرس فقط، فالمتعلم في كثير من الأحيان يكون له دور في هذا الضعف، ويمكن أن نرجع أسباب هذا النفور إلى:

الازدواجية اللغوية داخل المجتمع؛ فعلى سبيل المثال: نجد أن المتعلمين المغاربة يتعاملون مع عوالم لغوية كثيرة: اللغة الأم في المدرسة، اللغة المتداولة في الحديث اليومي، لغة الإعلام والتواصل؛ مما يؤثر سلبيًّا في كفايات المتعلمين وقدراتهم اللغوية.

العامل الاجتماعي والمحيط الخارجي المرتبط بالمتعلم، ذلك أن المتعلمين العرب بصفة عامة لا يتعلمون لغتهم كما يتعلم المتعلمون في أمم لغتهم، “هم لا يسمعونها في البيت، وهم لا يسمعونها في البيئة التي تحيط بهم، ثم هم لا يسمعونها في المدرسة إلا أثناء درس اللغة العربية” (أمين الخولي، 1961، صفحة 32).

 

ب- الجهود المبذولة لتيسير النحو وتجديده للمتعلمين:

أصبحت الدعوة إلى تيسير النحو التعليمي وتقريبه للمتعلمين ضرورة مُلِحّة، خاصة خلال السنوات الأخيرة، حيث أصبح المتعلمون في مختلف المستويات التعليمية يشتكون من صعوبة هذا الفرع اللغوي وتعقيد موضوعاته، فلم تعد هذه الصعوبات مقصورة على تلامذة السلك الثانوي؛ وإنما انتقلت إلى السلك الجامعي أيضًا؛ إذ يصرح عدد من الطلبة الجامعيين في قسم اللغة العربية بصعوبة مادة النحو، وعدم قدرتهم على مسايرة الأستاذ المحاضر؛ وذلك لافتقارهم إلى اللبنات الأساسية في علم النحو، والتي كان من المفروض عليهم تعلمها، والتمكن منها في مستويات سابقة، الأمر الذي بات يستدعي إعادة التفكير في مسائل النحو العربي وطرق تدريسه، وأن “نجعل للقواعد النحوية شأنًا غير الشأن من حيث المناهج والكتب والتمرينات وطرق التدريس” (عبد الحميد حسن، 1952، صفحة 5)، وفي إطار ذلك برز عدد من الباحثين واللغوين المجددين للدرس النحوي، والذين سعوا إلى إزالة هذا الحاجز بين المتعلمين وبين الدرس النحوي، يقول في هذا الصدد إبراهيم مصطفى- أحد المجددين-: “أطمع أن أغير منهج البحث النحوي، وأن أرفع عن المتعلمين إصر هذا النحو، وأبدلهم منه أصولًا سهلة يسيرة، تقربهم من العربية، وتهديهم إلى حظ من الفقه بأساليبها” (إبراهيم مصطفى، 2014، صفحة 13).

 

وعمومًا فإن محاولات إحياء النحو العربي وتقريبه للمتعلمين يمكن تقسيمها إلى فئتين: فئة يسرت قواعد النحو وبسطتها للمتعلم، وفئة جددت القواعد النحوية وقدمت إضافات أغنت البحث النحوي.

 

وسنمثل لكل فئة بنماذج من الباحثين والدارسين الذين يعود لهم الفضل في تقريب الدرس النحوي من المتعلمين.

 

القسم الأول: لقد برزت العديد من الدراسات والمحاولات التيسيرية التي هدفت جميعها إلى تخفيف شكاوى المتعلمين، فوضعت كتبًا ومختصرات تضم الموضوعات والقواعد الأساسية في النحو التي تلبي حاجاتهم، وبحثت عن أيسر الطرق لتحصيل المتعلمين لهذا الفرع اللغوي، ولعل من أهم الأسماء التي يمكن أن نذكرها في هذا السياق الكاتب والدكتور عبده الراجحي من خلال كتابه “التطبيق النحوي”، والذي صرح في مقدمته أن الدرس النحوي أساسي في اللغة العربية، وأن هناك العديد من الطلبة الذين يشتكون من صعوبته وكدهم في سبيل إتقانه، مؤكدًا أيضًا أن الدراسات الحديثة تسعى إلى القضاء على العربية من خلال القضاء على نحوها، منتقدًا لطريقة تدريس هذا العلم في المدارس التعليمية؛ حيث يقول: “لا ينبغي أن ننكر أن طريقة تدريس النحو في مدارسنا وفي جامعاتنا غير صالحة في نقل ما وضعه النحاة للناشئة والدارسين” (عبده الراجحي، 1998، صفحة 8).

 

والمطلع على كتاب “التطبيق النحوي” يرى أن عبده الراجحي سار في محاولته لتيسير النحو العربي على منهج حرص من خلاله على الإيجاز والتطبيق، مع التركيز على الجانب العملي بشكل أساسي، فهو يعتبر أن تدريس النحو في المدارس والجامعات ينبغي أن يحتفظ على مظانه القديمة، لكن مع الحرص على وضعه موضع التطبيق الذي يرسخ القاعدة في الذهن؛ ولذلك يمكن القول: إن منهج عبده الراجحي اتسم بالوضوح وسهولة التناول، والإيجاز والتطبيق.

 

الفئة الثانية: أشرنا سابقًا إلى أن هذه الفئة اتخذت منحًا تجديديًّا، وسعت إلى تقديم النحو في صورة جديدة من خلال ربطه بمكونات وعناصر لغوية مختلفة، من أجل تحفيز المتعلمين والطلبة وإحساسهم بالمتعة أثناء تعلمه، والفكرة التي انطلقت منها هذه الفئة هي أن النحو لا ينبغي أن يقدم للمتعلمين كما لو أنه مجرد قواعد رياضية جافة تلزم المتعلم بحفظها ثم استظهارها؛ وإنما ينبغي ربطه بعنصر لغوي آخر هو الدلالة الذي من شأنه أن يجعل الدرس النحوي درسًا حيويًّا يقبل عليه الطلبة والمتعلمون عوض أن ينفروا منه، ومن الأسماء التي مثلت هذه الفئة نذكر: الدكتور محمد حماسة عبد اللطيف الذي سلط الضوء على ثنائية النحو والدلالة، وألف كتابًا كاملًا بعنوان “النحو والدلالة: مدخل لدراسة المعنى النحوي الدلالي”، سعى من خلاله إلى إظهار الجانب المعنوي والدلالي في التراث النحوي العربي، يقول مبينًا مقصده من تأليف الكتاب: “قصدت منه إلى أمرين: أولهما: الكشف عن هذا الجانب المهم في تراثنا النحوي، ومدى اهتمام علمائنا القدماء به، وثانيهما: أن يكون هذا البحث– وهذا هو الغرض الأهم- مدخلًا لدراسة المعنى النحوي الدلالي حتى يعود للنحو العربي دوره الفعَّال في فهم النص وكشفه” (محمد حماسة عبد اللطيف، 2000، صفحة 19).

 

وقبله صار في نفس المنحى أستاذه الدكتور تمام حسان الذي سعى أيضًا إلى منح المكون النحوي رؤية جديدة، فقال في سياق حديثه عن مميزات بحثه في النحو: “وما زلت أعتقد أن الهيكل الذي بنيته للنحو يمتاز عمَّا جاء به النحاة بعدة أمور:… وثالثها: الكشف عن قيمة تضافر القرائن لبيان المعنى النحوي”. (تمام حسان، 2000، صفحة 9).

 

والأكيد أن هناك العديد من الباحثين الذين لا يمكن نكران فضلهم في محاولات جادة لإحياء النحو العربي “كمحاولة إبراهيم مصطفى الذي اعتمد منهجه على الإيجاز، وكذلك الحال في محاولة إبراهيم السامرائي في دراسته “النحو العربي نقد وبناء”؛ إذ كان وكده أن يعرض للنحو مصلحًا ناقدًا؛ فاتخذ منهجًا يقوم على وصف الظواهر اللغوية” (سعد عبد الله مقداد، 2017، صفحة 11).

 

خاتمة:

يتبين من خلال ما سبق أن النحو هو العمود الفقري والهيكل الأساس الذي تستقيم به اللغة العربية، ذلك أن النحو ليس مجرد قواعد لغوية جافة؛ وإنما به نفهم هذه اللغة، وبه نقف على اللحن والتحريف الذي يشوبها، وقد تنبه الدارسون والمتعلمون إلى أهميته قديمًا وحديثًا، فسعوا إلى تعميمه، بحيث لا يبق مقتصرًا على نخبة من العلماء؛ وإنما تم نقله إلى المدارس باعتماد النقل الديداكتيكي، وميزوا بين النحو العلمي والنحو التعليمي، وعملوا على تيسير هذا العلم، ومحاولة تقريبه للمتعلمين، فألَّفوا في ذلك مؤلفات عديدة، كان الهدف منها جميعها تيسير النحو العربي، وتقديمه للناشئة في صورة جديدة.

 

وقد خلصنا في هذا البحث إلى النتائج التالية:

تعدد الأسباب والعوامل المساهمة في نفور المتعلمين من الدرس النحوي (أسباب مرتبطة بالمعلم وبالمتعلم، وأخرى بطرائق تدريس النحو…).

طرائق التدريس غير المجدية، واتباع الطريقة الإلقائية القديمة من طرف المدرس تعد عاملًا مهمًّا في ابتعاد المتمدرسين عن درس النحو.

ضرورة التفكير في مناهج جديدة وطرائق مبتكرة لتقريب النحو من المتعلمين، وإزالة تلك الصورة النمطية التي ارتبطت به كونه مجموعة من القواعد الجافة التي لا تحفز المتمدرس، ولا ترغبه في الإقبال عليها.

 

قائمة المصادر والمراجع

إبراهيم مصطفى، إحياء النحو، مؤسسة هنداوي للثقافة، القاهرة، 2014م.

أمين الخولي، مناهج تجديد في النحو والبلاغة والتفسير والأدب، دار المعرفة، ط1، 1961م.

تمام حسان، الأصول دراسة إبستيمولوجية للفكر اللغوي عند العرب: النحو- فقه اللغة- البلاغة، عالم الكتب، القاهرة، 2000م.

الجاحظ، الحيوان، ج1، تح عبد السلام محمد هارون، الناشر مصطفى البابي الحلبي، ط2، 1965م.

سعد عبد الله مقداد، نظرات في تجديد النحو العربي على يد علماء التجديد العرب في النصف الثاني من القرن العشرين، المجلة الأردنية للعلوم التطبيقية، جامعة العلوم التطبيقية الخاصة، عمان، الأردن، 2017م.

سعد علي زاير، سماء تركي داخل، اتجاهات حديثة في تدريس اللغة العربية، كلية التربية ابن رشد، جامعة بغداد، الدار المنهجية، ط1، 2015م.

سعدون محمود الساموك، وهدى علي جواد الشمري، مناهج اللغة العربية وطرق تدريسها، عمان، دار وائل، ط 1، 2005م.

السليطي ظبية سعيد، صعوبات تعليم القواعد النحوية وتعلمها في المرحلة الابتدائية بقطر (تشخيصها وعلاجها)، مجلة كلية التربية، جامعة الأزهر، العدد 180/ 2، أكتوبر 2018م.

عبد الحميد حسن، القواعد النحوية مادتها وطريقتها، مكتبة الأنجلو المصرية، ط2، 1952م

عبده الراجحي، التطبيق النحوي، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، ط2، 1998م.

علي أحمد مدكور، تدريس فنون اللغة العربية، دار الشواف، القاهرة، 1991م.

غازلي نعيمة، أساليب تدريس قواعد اللغة العربية، جامعة مولود معمري، تيزي وزو، مكتبة لسان العرب، (د ت).

كمال عذاوري، دراسة وصفية ومقارنة لتدريس القواعد في الكتاب المدرسي المقرر للسنة الأولى متوسط، رسالة ماجستير، جامعة بن يوسف بن خدة، الجزائر، 2008-2009م.

محمد حماسة عبد اللطيف، النحو والدلالة: مدخل لدراسة المعنى النحوي الدلالي، دار الشروق، القاهرة، ط1، 2000م.

مختار بزاوية، النحو العربي ومحاولات تيسيره، دراسة وصفية تحليلية، أطروحة دكتوراة، جامعة وهران1 أحمد بن بلة، الجزائر، 2016-2017م.

ميشال زكريا، الألسنية التوليدية التحويلية وقواعد اللغة العربية (الجملة البسيطة)، المؤسسة الجامعية للدراسات، بيروت، ط2، 1986م.

نصيرة بونوة زيتوني، أسباب ضعف طلبة اللغة العربية في النحو من وجهة أساتذتها في جامعة حائل، المجلة الأكاديمية للأبحاث والنشر العلمي، الإصدار 18، 05-10-2020م.