التخطي إلى المحتوى


المزيد من المشاركات

ترجمة نوف العنزي
مراجعة وتحرير علي ال زايد

لعلّه يصحُ القولَ بأنّ أولَ ما تستفتحُ به عند تصفحكِ لكتابٍ مدرسيّ معنيّ بتدريسِ لغةٍ أجنبيةٍ هو رؤيةُ تلك الحروف الأبجدية، و التي تتعددُ حروفها، سواءً أكانت تلك المستخدمة في نظامِ الكتابةِ، أو تلك الأصوات التي تتمثّلها في مدارج الكلام. يبدو منْ الواضحِ هنا أنّ اجتراحَ هذا الصنيع هو أمرٌ بالغُ الأهميةِ، و تتأكدُ هذه الأهمية عند الحديثِ عن تلك الأنظمةِ اللغويةِ التي تحوي في تلافيفها على أبجديةٍ غير مألوفةٍ، و هذا على ما يشهدُ به النظامُ الأبجدي في اللغةِ اليونانية و الروسية؛ بل إنّ تلك الأهميةَ تتعدى ذلكَ لتشمل تلك اللغات و التي تعتمدُ في بنائها الأبجديّ على اللغةِ اللاتينيةِ. و على سبيلِ التعيينِ، فإنّ الدليلَ الذي عادةً ما تحويه الكتبُ المدرسيةُ يتوافرُ برسمِ العادةِ على شرح يعلي من قدرِ علاماتِ التشكيلِ، و كيفَ أنّ لهذه العلامات تلك القدرة على إحداثِ ذلك التغييرِ الهام في كيفيةِ نطقِ المفردات، بل و لها القدرةُ  على التعاطي مع غرائبَ أبجديةٍ من قبيل-ch– في الألمانية أو –gl– في الإيطالية (حيث يستحيل الصوتُ الأول نطقًا إلى صوتٍ هو أشبه ” بالخاء”  كما هو معلوم في الإسكتلندية  (و هو شبيه بكيفية  نطق الصوت الأخير في مفردة إسكتلندية من قبيل loch؛ أما نطق الصوت الثاني فهو شبيه بكيفية نطق متوالية صوتية من قبيل -ll-  في المفردة الإنجليزية million ( .

و رغمًا عن هذه الأهميةِ التي أزجيناها للمداراتِ الصوتيةِ، إلا أنّها في واقع الأمر لمْ تلقى الاهتمامَ اللازمَ، مع استحضارِ حقيقةِ أنّ مدارَ الاهتمامِ الدائم يكونُ منصبًا على مداراتٍ لغويةٍ من قبيلِ إتقانِ المفردات و  عبارات التحية. يصحُ القولَ بأننا هنا إزاءَ وضعٍ مخجلٍ، حيث أن هناك الكثير من القضايا التي ينبغي التطرق لها، و هي قضايا تتجاوز مجرد الأصوات التي تجدها منثورة على صفحات الكتب. و على التعيين، تبرز هنا تلك المتماثلات الصوتية التي يصح دمغها بالتقارب في كيفية الأداء؛ و هي أصوات متقاربة يقينا. خذ على سبيل المثال صوتا من قبيل p  في الفرنسية في مفردة Paris ، حيث أن أولَ خاطرةٍ تتبادرُ للذهنِ هو القول بأنّ هذا الحرف يختلفُ اختلافًا كبيرًا عن نظيره الإنجليزي، و هو اختلافُ عادةً ما يُضرب عنه صفحًا في الكتبِ المدرسيةِ. و على وجهِ التعيينِ، فإن الصوت p   في الفرنسية يتميزُ بميزةٍ تخرجهُ عنْ فرصِ التماهي مع نظيرهِ الإنجليزيّ، و ذلك لافتقاده لذلك التيارِ الهوائيّ القوي، و الذي عادةً ما يدمغُ هذا الصوت في نسخته الإنجليزية. و لمزيدِ تحققٍ، كل ما عليك القيامُ به هو أنْ تضعَ راحةَ يدك قبالةَ فمكِ، و قل Paris، و ذلك بالتساوق  مع إصدار ذلك التيار الهوائي، و ستكون النتيجة نطق صوت P على مقتضى صوتيات الإنجليزية؛ ومن ثم أعد الكرة دون تكلّف عناء إصدار تيارٍ هوائيّ، و ستحصلُ عندئذٍ على هذا الصوتِ في نسختهِ الفرنسيةِ.

حتى لو افترضنا جدلاً بأنّ الكتبَ المدرسيةَ تبذلُ جهدَها لإيرادِ هذه الفروق الدقيقة، فإنَّ الاعتراضَ ما زالَ قائمًا؛ و هو اعتراضٌ ينصرفُ إلى  وجودِ ضبابيةٍ في التعاملِ مع ما يستتبعه من إيرادٍ لمثلِ هذه الفروقات. و كما هو الحالُ مع الدرسِ الكيمائيّ، فليسَ من المهمِ بالنسبةِ للدراسِ أن يعرف الكيفية  التي تمكن العناصر الكيمائية من أن تتصرفَ بمعزلٍ عنْ بعضها البعض، بل إنّ الفعلَ القمينَ بالمدارسةِ ينصرف إلى سؤال الاندماج: كيف يتأتى لهذه العناصر أن تضمّ بعضها لبعضٍ لإحداثِ ذلك الأثرِ الملموسِ؟؛ مما يستتبعُ القولَ بأنّ لكلِ لغةٍ طرائقها المخصوصة في ضم العناصر الصوتية بعضها لبعض؛ و هو الأمرُ الذي يدركه المتحدثون الأصليون أصالة و جمهرةٌ من الدراسين، و لكنهم رغمًا عن هذا، فهم لا يقاربون هذه المسألةَ، بل و لا يمحضونها الاهتمامَ اللازمَ.  

لعلنا هنا نستحضرُ بالتمثيلِ مثالاً مبسّطًا، و هو مثالٌ يصحُ بسطه على الفرنسية. و على وجه التحديد، فإن كلَّ المفردات التي تتوافرُ عليها هذه اللغة تتميزُ بسمةِ التشديدِ المقطعيّ، و هو تشديدٌ صوتيٌ يستهدفُ المقطعَ الأخيرَ من المفردةِ، كما تشهد بذلك القاعدة التي عادة ما ترد في الكتب المدرسية ذات العلاقة. و على الرغم من أهمية هذا القاعدة المطردة، إلا أنها قاعدة لا تلقى الاهتمام اللازم. و على وجه التعيين، فإنّ الأمرَ الذي عادةً ما يلقى تجاهلاً هو حقيقةُ أنّ هذه القاعدةَ لا تنطبقُ حصرًا على كلِ مفردةٍ فرنسيةٍ، بل أنّ المتحدثَ الفرنسيّ يوسّع من إعماله لهذه القاعدة، لتشملَ كلّ مفردةٍ أجنبيةٍ لا تتوافرُ عليها اللغةُ الفرنسيةُ. و عليه فإنّ المتحدثَ بالفرنسيةِ لا ينطقُ مفردةً من قبيلِ Houston  (و هي مدينة في ولاية تكساس الامريكية) على مقتضى النطق الإنجليزي بتشديدِ المقطعِ الأولِ: HYOO-ston، بل أنه يُعمل القاعدة الفرنسية في النطق، فتستحيل اللفظة نطقا عند المتحدث الفرنسي إلى Hyoos-TON عبر تشديد المقطع الأخير، و ذلك اتساقا مع القاعدة  الصوتية المطردة في الفرنسية و التي تلزم المتحدث بتشديد المقطع الأخير. فتشديد المقطع الأخير يأتي في إيهاب تأكيدي، و الذي يتضمن برسم العادة إعمال طبقة صوت أعلى، و ذلك بالتساوق مع ارتفاع كبير في الصوت. على الجانب الآخر، تتميزُ الإنجليزيةُ بتوافرها على مناطاتٍ متعددةٍ في إعمالِ الشدةِ ، فقد تأتي الشدةُ بارزةً في موضعٍ، و ثانويةً في موضعٍ آخر. و على سبيلِ التوضيحِ، فإنّ وضعيةَ الشدة البارزة في مفردةٍ من قبيلِ  civilization  يصحُ وضعها على المقطعِ الرابعِ، في حينِ أنّ إعمالَ الشدةِ الثانويةِ -و التي تتميز بعدمِ قوةِ نبرتها بالمقارنةِ مع مثيلتها البارزة- يكون على المقطعِ الأولِ من المفردةِ.  يختلفُ الأمرَ عندَ الحديثِ عن الفرنسيةِ، حيث أنَّ إعمالَ الشدةِ كما ذكرنا آنفًا يكونُ بالضرورةِ على المقطعِ الأخيرِ في كلّ مفردةٍ، مما يجعلُ إعمالِ الشدةِ في موضع غيرَ الأخيرِ أمرًا متعذرًا.

أمرٌ آخر يصحُ إبرازهُ هنا كما تواترَ عند اللسانيين، و هو ينصرفُ إلى تلك القواعدِ، و التي في مكنها أنْ تقيّدَ عملية تشكّل المقاطعِ الصوتية؛ و على التعيينِ، فإنَّ السؤالَ الذي يؤطرُ هذه القواعدَ ينصرفُ إلى ماهيةِ المقاطعِ الممكنةِ، و ماهي تلك المقاطع التي يمتنعُ حصولها،  وذلك على مقتضى علم الأصوات؟ و على سبيل التمثيل، فإن الحرف P في مفردة من قبيل psychology  و pterodacty لا ينطق في مدراج الكلام، و ما ذاك إلا لأن قواعد تشكيل المقاطع في الإنجليزية لا تسمح للمفردات لأن تبدأ بمتوالية صوتية من قبيل pt أو ps. ليست هذه كل الحكاية، حيث أنه في وسع هذه الصوامت أن تتوسط المفردات، و هذا على ما تشهد به مفردات من قبيل

uptown وupside، و التي يستطيع يقينا المتحدث بالإنجليزية أن ينطقها في مدارج الكلام. لعلنا هنا نتخيل وضعا مغايرا يختص بالبادئات الصوتية، بالقول: ماذا لو قلنا بأن حرفا من قبيل P  في المفردة psychotic يمكن نطقه في بادئ اللفظة خلافا لزعمنا آنفا؟ و الجواب هو القول  بأنه  ليس للمتحدث الإنجليزي مندوحة إلا أن يدخل حرف صائتًا و ذلك لمناسبته للقالب الصوتي الإنجليزي، فتستحيل اللفظة نطقا عنده إلى puh-sychotic. هذه الوضعية المغايرة في طريقة التشكيل الصوتي تجد رواجها أيضًا عند التعاطي مع المفردات الفرنسية من لدن المعلقين الناطقين بالإنجليزية ، فتجدهم عند بالمرور باسم Kylian Mbappe – وهو لاعب كرة قدم فرنسي-  مجبرين على إضافة مقطع صوتيّ ثالث، فيستحيلُ الاسم نطقًا إلى Em-bap-ay.

هناك وضعٌ مربكٌ مشابهٌ لما ذُكر يصحُ استحضارهُ هنا؛ و هو همٌّ ينصرفُ إلى حالِ جمهرةٍ من المتعلمين الذين يتعلمون الإنجليزيةَ بوصفها لغةً أجنبيةً. و على التعيين، فإنَّ المتعلمَ الاسبانيّ عند حديثهِ باللغةِ الإنجليزية يجنحُ لأنْ يلفظَ لفظةً من قبيلِ Spain  فيصيرها نطقًا إلى Espain، و ما ذاك إلا بسببِ أنَّ اللغةَ الاسبانيةَ تمنعُ ورودَ متواليةٍ صوتيةٍ في بادئ الألفاظِ من قبيلِ sp-  و st- ، و هذا على ما يشهدُ به كيفية نطقِ مفردةٍ منْ قبيلِ Estocolmo ( و اللفظةُ تنصرفُ إلى استوكولهوم  عاصمة السويد). هذا مجرد مثال بسيط إذا استصحبنا حقيقة أنّ اللغة الإنجليزية تتمتع بوجود غنى غير اعتيادي للمتواليات الصوتية و التي لا تتوافر عليها اللغات الأخرى. و على وجه إبراز حالة مخصوصة في هذا المقام، فكل ما عليك القيام به هو البحث عبر محركات البحث عن متعلمين يحاولون جهدهم لنطق مفردة من قبيل  squirrel  و ستدرك حينها تلك الصعوبة التي يعانونها في النطق، و ما ذاك إلا لأن هذه المفردة تبدأ على غير العادة بمتواليةٍ من قبيل

 -skw ، وقد توسط المفردة حرف صائت غريب لا تتوافر عليه الكثير من اللغات، مؤذنًا بانتهاء المفردة بمتوالية مخاتلة من قبيل -rl . 

سبب آخر يعطي اللكنة المحلية ذلك التوغل في ألسنة المتحدثين بلغة أجنبية -وإن اظهروا براعتهم فيه- هو حقيقة أن إجادة الإيقاع اللغوي للغة أجنبية أمرٌ فيه شيء من الصعوبة، فتجد المتحدثين بلغة أجنبية يذهبون مذاهب مختلفة حول كيفية تقسيم المقاطع في جملة بعينها. أحدُ الأمثلةِ الشافّةِ على هذا الصنيع يمكن أنْ نتلمّسه في كلٍ من اللغتين الكانتونية و الإيطالية،  حيث أنها لغاتٌ تتميزُ بتشابهِ مقاطعها الصوتية من حيث توقيت النطق إطالةً و قصرًا، فتجد أن كل مقطعٍ صوتيّ يمتلك قدرًا مساويًا في مدةِ الإخراج الصوتيّ. و لمزيد تدقيقٍ، كل ما عليك القيام به  هو قراءة هذه الجملة و التي أنا بصددها الآن، عبر رفع صوتك بها، محاولا أن تعطيَ كلّ مقطعٍ قدره المساوي من حيث الإطالة الزمنية، و ستجدُ نفسكَ بأنك قد أبحرت على مرافئ الإيطالية. خلافا لهذه اللغات، فإنّ اللغة الإنجليزية تبز مثيلاتها من اللغات الأخرى، حيث أنها لغةٌ و إنْ كانت كالإيطالية في مستوى تقطيع المقاطع الصوتية، إلا أنّ المقاطعَ الصوتيةَ فيها تتميزُ بعلوها و هبوطها على فترات منتظمة، فتجد بعض المقاطع الصوتية قد طواها النسيان على مستوى النطق من فرط خفوتها. لعل هذه أقرب طريقة للتفريق بين كل من الإيطالية و الإنجليزية، حيث تستحيل الإنجليزية في هكذا مقاربة إلى أشبه بالحديث عبر حائط مسوّر، دون أن تنبس ببنت شفة، تستوي في ذلك الأصوات و المفردات.    

و ختاما يمكننا القول بأن السائحين -عند سفرهم للخارج-  يجدون أنفسهم يتحدثون الإنجليزية و قد تلبسوا بلهجة هجينة فيها شيء من الغرابة، مما يستتبع القول بأن الإيقاع اللغوي لابد و أن يحدث أثره على المتحدث من فرط سرعة انتقاله ؛ و كما هو الحال مع فنون الطبل و الرقص، فإنه يصح القول بأن قليلا من التدريس الموجّه لمثل هذا القضايا لا يضر أبدًا.

المصدر

رابط المصدر