منوعات

أشعر بالقبول تجاهه لكن به علة مرضية

السؤال:

الملخص:

فتاة يتقدم إليها الكثير، وقد كانت رافضة فكرة الزواج حتى لا تفقد حريتها واستقلالها، ثم تقدم إليه من شعرت بالارتياح تُجاهه، لكنَّ به مشكلة مرضية في إحدى رجليه، وتسأل: ما النصيحة؟

 

تفاصيل السؤال:

السلام عليكم.

أنا مريم في منتصف العشرينيات من العمر، جذَّابة وجميلة، وأمتلك شخصية مميزة، مع معاناتي من مشكلة التفكير الكثير، والتقلب في المزاج، وتصيبني في السنة حالة أو حالتا اكتئابٍ، تستمر من ١٠ أيام إلى عشرين يومًا، مشكلتي هي أنه تقدم إليَّ الكثير من الخُطَّاب، وكنت أرفض لأنني كنت أدرس، وأنهيت دراستي ولا يزال يتقدم إليَّ، أنا مترددة في فكرة الزواج حاليًّا؛ لذا فأنا أقف في المنتصف؛ إذ إنني أرغب بالزواج ومشاركة الحياة مع شخص آخر، وفي نفس الوقت أشعر أن الزواج سيُفقدني استقلالي وحريتي، في الوقت الحالي حدث أن تقدم إليَّ شخص شكله جيد، وعائلته محترمة وجيدة ماديًّا، لكنه يعاني مشكلة في إحدى رجليه؛ حيث إنه لا يستطيع المشي مسافاتٍ كبيرة، ويتعب ويأخذ الدواء، وعند أخذه الدواءَ يستطيع المشيَ، لكن ليس لمسافات بعيدة، ويضطر أحيانًا إلى استعمال عصًا تساعده، وهي مشكلة وُلد بها، وقد أخبره الأطباء أنها لن تتطور إلى الأسوأ في المستقبل، لقد رفضتُهُ عندما تقدَّم للمرة الأولى دون الجلوس معه، لكنهم عاودوا المحاولة ثانيةً حتى أجلس معه، وأنا لم أجلس معه حتى الآن؛ لأنني لم أهتدِ للإجابة الواضحة من ناحية مشكلة رجله، أنا في حيرة كبيرة؛ إذ إنني أشعر بالقَبول تُجاهه من جهة، لكن أنا مترددة من ناحية وضْع رجله، ولستُ مهتدية إلى قرار حاسم، أرجو توجيهكم وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فملخص مشكلتكِ هو:

1- تقدم لكِ عدد من الخُطَّاب كنتِ في البداية ترفضينهم بسبب الدراسة، وبعد الانتهاء من الدراسة رفضتِهم؛ لأنكِ لا تريدين رجلًا يقيد حريتكِ.

 

2- تقدم لكِ رجل به مشكلة بقدمه؛ أي: يتعب أثناء المشي ولا يمشي مسافات طويلة، وأنتِ مرتاحة له ومترددة فيه بسبب مشكلة قدمه.

 

3- تعانين من حالة اكتئاب تأتيكِ في السنة مرة أو مرتين.

 

4- وتقولين: إنكِ محتارة جدًّا في الخاطب الأخير، ومترددة ما بين ارتياحكِ له، وما بين تخوفكِ من المشكلة التي في رجله، وتسألين عن حلٍّ يُريحكِ، فأقول مستعينًا بالله سبحانه:

أولًا: الأصل الشرعي هو قبول الخاطب الكفْءِ، ولكن نظرًا لوجود مشكلة صحية لدى خطيبكِ، فادرسي وضعكِ جيدًا، ولا تُقدمي على الموافقة عليه إلا بقناعة تامة بعد الدراسة والاستخارة؛ لأني أخشى أن تندمي بعد الزواج، وبعد المعاناة من عدم قدرته على المشي، أو تعانين من انتقاص الناس لزوجكِ بسبب هذه المشكلة.

 

ثانيًا: لا بد من التأكد بأنها ليست وراثية فيه؛ حتى لا يُعانيَ منها أولادكِ.

 

ثالثًا: ذكرتِ أنكِ ترغبين في الزواج، ولا ترغبين في زوجٍ يقيد حريتكِ.

 

وهذا تناقض عجيب، ولعلكِ متأثرة جدًّا بما يسمى بالنسويات، وهذا خطأ عظيم؛ لأن الأصل الشرعي هو قرار المرأة في بيتها، لا أن تكون خرَّاجة ولَّاجة، والأصل أيضًا هو خضوع الزوجة لزوجها في المعروف، وأفكار النسويات تتعارض تمامًا مع أوامر الشريعة؛ وتأملي في ذلك قول الله سبحانه: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾ [النساء: 34]، فيه إثبات قوامة الرجل على المرأة، وولايته على تأديبها إذا خاف نشوزها.

 

وقد ذكر الله تعالى لهذه القوامة سببين؛ أحدهما: هِبَة من الله تعالى، وهو تفضيل الله الرجال على النساء، والآخر يناله الرجل بكسبه، وهو إنفاقه المال على زوجته؛ قال تعالى: ﴿ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ [النساء: 34]، وذكر سبحانه في موضع آخر هذه القوامة فقال: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 228]؛ قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (1/ 363): “وقوله: ﴿ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ﴾؛ أي: في الفضيلة في الخَلق والخُلق، والمنزلة وطاعة الأمر، والإنفاق والقيام بالمصالح، والفضل في الدنيا والآخرة؛ كما قال تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ [النساء: 34]”.

 

وقال أيضًا (1/ 653): “يقول تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ﴾؛ أي: الرجل قيِّمٌ على المرأة؛ أي: هو رئيسها وكبيرها، والحاكم عليها، ومؤدبها إذا اعوجَّت: ﴿ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾؛ أي: لأن الرجال أفضل من النساء، والرجل خير من المرأة، ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال، وكذلك المُلك الأعظم لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة))؛ [رواه البخاري من حديث عبدالرحمن بن أبي بكرة عن أبيه]، وكذا منصب القضاء وغير ذلك”.

 

رابعًا: الزواج سكن ومودة ورحمة، ولا تحصل هذه النعم والهدوء مع معارضة الشريعة بأفكار غربية مستوردة، بل تحصل فقط مع خضوع المرأة لزوجها وحسن خلقها معه؛ قال سبحانه: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].

 

خامسًا: أعتقد أن حالة الاكتئاب التي تصيبك أحيانًا لها علاقة بتردداتكِ في الزواج؛ ولذا لا بد أن يعلم بها الخاطب؛ حتى لا يُفاجأَ بها ولا يتحملها.

 

حفظكِ الله، وأبعدكِ عن الأفكار الدخيلة، ورزقكِ زوجًا صالحًا تقرُّ به عينكِ.

 

وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.