منوعات

فن تربية الأبناء بالدعاء – مكساوي –


المزيد من المشاركات

فن تربية الأبناء بالدعاء

إن التربية بالدعاء من أجلِّ السبل التي يربط الوالد بها طفله بخالقه ورازقه، ومحييه ومميته؛ فهي مما يَغرس اليقين والثقة في الطفل منذ صغره؛ فيعلمه عمليًّا بأن يرفع يديه إلى السماء، ويطلُب من ربه ما يريده، فينبغي للوالدين أن يعودا أطفالهم على رفع اليدين بالدعاء، إذا أخفق في النتيجة الدراسية أو مرض…

 

ومما يثلج الصدر أن بعض الصالحين من كبار السن – في زماننا – يجمعون أبناءهم عند ختَم القرآن ويؤمنون خلفه، ناهيك عن الأم التي توجه طفلها إذا مرض، بأن يرفع يديه ويقول: يا رب، اشفني.

 

ولهذا كان من وسائل تربية النبي صلى الله عليه وسلم التربية بالدعاء؛ فقد دعا لابن عباس وهو طفل صغير، فتحققت له دعوته صلى الله عليه وسلم فيه، فيقول ابن عباس رضي الله عنه عن نفسه: ((وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على كتفي أو على منكبي، ثم قال: اللهم فقِّهه في الدين، وعلِّمه التأويل))[1]، فلنقتدِ برسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، ومن المعلوم أن قلب الوالدين أشد حنانًا على أطفالهم، فينبغي أن يُكثرا من الدعاء لهم؛ إذ منحهما الله منحة استجابة الدعاء لأولادهم، إذا حققوا ضوابط استجابته، فالنبي صلى الله عليه وسلم بين أن دعوة الوالدين لولدهما مستجابة يقينًا، وذلك فيما رواه أبو هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث دعوات يستجاب لهن … ودعوة الوالد لولده))[2]، فهذه نعمة عظيمة ينبغي على الآباء ألا يُضيعوها تجاه أبنائهم، خاصة أيام امتحاناتهم أو مرضهم … فليحرص الأبناء على بر والديهم والإحسان إليهم؛ لينالوا دعواتهما الخالصة التي ليس بينها وبين الله حجاب، فإذا اعتاد الطفل أن يرى أمه أو أباه يرفعان يدهما بالدعاء، فسيقلدهما، ويتعلم أن يلجأ إلى الله عز وجل في قضاء حوائجهم، فالطبيبُ سببٌ لشفائه، والشافي حقيقة هو الله.

 

وعلى الجانب الآخر، يحذر الوالدان ألَّا يدعوا على ولدهما؛ فدعوتهما مستجابة، كما في رواية أخرى للحديث المذكور أعلاه: ((ثلاث دعوات مستجابات … ودعوة الوالد على ولده))[3]، فليصبر الآباء على أبنائهم، ولا يتعجلوا بدعائهم عليهم؛ فكثير من الآباء اليوم يدعون على أولادهم بالفشل والتأخر في مناحي الحياة، ناهيك عن الدعاء عليهم بالموت بأقبح طرقه، تحت سيارة، قاطرة، قطار، “فإياك إياك أن تدعو عليهم، ففي يوم من الأيام دعت أم على ابنها أن يُخرس الله لسانه، فما تكلم بعد ذلك، وظلت تعض أمه أناملَ الغيظ من الندم”[4]، وهذا كلام الذي لا ينطق عن الهوى؛ ففي الحديث: ((لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعةً يسأل فيها عطاءٌ، فيستجيب لكم))[5]، فليحرص الجميع على أداء حقوق الآخر، الوالد يدعو بصلاحهم ويأخذ بالأسباب في ذلك، ويعودهما في النائبات على التضرع إلى الله عز وجل والولد يبرهما ويُحسن إليهما، ولا يُغضبهما لتناله دعواتهما الحانية الخالصة.

 

ومما يدمي القلب من القصص الواقعية: أن بعض الأمهات دعت على طفلها، حينما خرج إلى الشارع ليلعب مع أصحابه، فغضبت، ودعت عليه قائلة: اللهم ادعسه بسيارة، وكانت المفاجأة لتلك الأم، بعد ربع ساعة من خروج ابنها، ليخبرها الناس بأن سيارة دعسته فمات؛ فلننتبه بألا ندعو على أبنائنا، وأن نتلمس لهم أعذار طبيعة سنهم، التي تحتاج إلى فهم التعامل معها بطرق تربوية ناجحة.

 

ومما سبق نستنتج بعض اللمسات العملية للتربية بالدعاء؛ وهي:

1- من صفات المربي الناجح الدعاء لمن يربيهم ويوجِّههم.

2- الدعاء عمليًّا أمام الأولاد، ورفع الصوت بما نطلب؛ ليعلموا أن الذي يجيب المضطر هو الله وحده.

3- توعية الطفل برفع يده بالدعاء إذا أتته نعمة أو نقمة.

4- الدعاء للأولاد بالتوفيق والصلاح والتيسير.

5- الاحتراز من الدعاء عليهم، حتى لا نندم حالًا ومآلًا.

6- ألا نكتفي بالأسباب الدنيوية، ونغفل الدعاء، لا سيما الأذكار والأدعية الواردة.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


[1] حديث إسناده قوي على شرط مسلم، مسند الإمام أحمد: رقم (2397)، 4/ 225.

[2] حديث حسن: سنن ابن ماجه، فؤاد عبدالباقي، باب دعوة الوالد ودعوة المظلوم (3862).

[3] حسن لغيره: مسند الإمام أحمد بن حنبل، تحيقيق الأرنؤوط وغيره، رقم 10771، ج16/ 450.

[4] فن تربية الأبناء (كيف نربي أبناءنا تربية نفسية سليمة؟)، د/ صالح عبدالكريم، دار الراية للنشر والتوزيع، المهندسين، مصر، ط أولى، 2011م، ص: 35.

[5] صحيح مسلم، كتاب الآداب، (3009).

رابط المصدر