منوعات

القصة أكبر من جولة للمفتي !

عاد الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، من زيارة قام بها إلى بريطانيا دامت ستة أيام، وكان ختامها يوم الجمعة ٢٠ من مايو !

وقد أفاضت وسائل الإعلام في نشر تفاصيل الزيارة، وقالت إن المفتي زار البرلمان الإنجليزي بمجلسيه على مستوى العموم واللوردات، وأنه زار المكتب الثقافي المصري في العاصمة البريطانية لندن، والتقى فيه بعدد من أبناء الجالية المصرية هناك، وأنه ذهب إلى جامعة أوكسفورد، التي لا تزال أعرق الجامعات الإنجليزية، وخاطب العالم من فوق منصة تحمل اسم الجامعة ويراها ١٥ مليون متابع على قناتها في يوتيوب !

هذه جولة غير مسبوقة للرجل الذي يتولى مسؤولية دار الإفتاء في القاهرة، وهي لم تكن مجرد جولة في الحقيقة، ولكنها كانت فرصة لم يسبق أن سنحت للرجل بمثل ما حدث خلال هذه الزيارات كلها، التي تتابعت من موقع انجليزي مهم إلى موقع إنجليزي آخر أهم !

ورغم ذلك كله، فإن ما هو أهم وأهم، قد جاء بعد الانتهاء من الجولة، لا قبلها، ولا حتى في أثنائها، ولا من خلال ما قيل فيها من كلام، ولا كذلك من ملامح الخطاب الديني الذي كان مشتركاً أعظم في محطات الجولة، والذي كان لا بد أن يقال من فوق منصة من نوع منصة أوكسفورد، بكل ما لها من تاريخ، وبكل ما لديها من متابعين !

الأهم قيل بعد أن وصل الدكتور علام إلى القاهرة، فقيل إن ما لوحظ من نجاح الجولة في الوصول لأهدافها، سوف يشجع دار الإفتاء على أن تكررها في بلاد أخرى، فلا تتوقف عند حدود بريطانيا، ولا حتى عند حدود أوربا التي تنتمي إليها بريطانيا !

وهذا في الحقيقة هو أهم ما في الموضوع؛ لأن الفكرة ليست في أن يقوم المفتي بجولة ممتدة كهذه إلى بلاد الانجليز، ولكن الفكرة هي في ألا تكون جولة واحدة، والفكرة هي في أن تتعدد وتتنوع الجولات في المستقبل، والفكرة هي في أن تصل أفكارنا عن ديننا المنفتح إلى أرجاء الدنيا، وإلى مختلف العواصم ومختلف البشر، ولا ننتظر حتى يجيئوا هُم إلينا، ولا نكتفي بأن نخاطب أنفسنا هنا في أماكننا !

الفكرة ليست في أن نسمع من المفتي خطابه المعتدل هنا، ولا حتى في أي عاصمة عربية، ولكن الفكرة في أن نصل بما يقوله إلى الذين لا يرون من الإسلام سوى ما يقوم بعض المتطرفين المنتمين إليه من أفعال عنف تستند إلى فكر متطرف !

مهم أن يكون خطابنا الديني معتدلاً، ومهم أن نعيد مثل هذا الخطاب إلى نصوص صحيحة في ديننا، ولكن الأهم أن نتوجه بهذا الخطاب إلى الطرف الآخر، وأن نخاطب هذا الآخر بلغته التي يفهمها، وبالمنطق الذي يقتنع به ولا يجادل فيه !

الأهم أن يفهم الآخر منا أن ديننا يقوم على أساس الاختيار لا الجبر في العقيدة نفسها، وأن الآية في القرآن الكريم تقول: ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين. هذا هو الحال في شأن العقيدة التي تظل عنواناً لما بعدها من أمور !

هذا هو الأصل في أمر العقيدة، وهو أصل يقول إن التطرف ليس من الإسلام، ولا الإسلام منه في شيء، فضلاً بالطبع عن أن يكون للعنف صلة بالإسلام !