عربي ودولي

الحق في البحر أم الحق في التفاوض؟

كتب طوني فرنسيس في “نداء الوطن”:

ليست الخلافات الحدودية بين بلدين شيئاً جديداً أو مستغرباً في العلاقات الدولية. لكن الخلافات بين لبنان واسرائيل تفوق في تعقيداتها مثيلاتها الأخرى. فاسرائيل دولة توسعية وما تفعله في فلسطين يفوق الوصف، واستغلالها الجولان لا يحتاج الى أدلة، ورغبتها في ثروات الساحل الشرقي للمتوسط من النفط والغاز لا تفوقها رغبة.

وللبنان حقوقه. هو لا يمد يده الى نفط غزة، ورغبة بعض مسؤوليه بالصلاة في القدس لا تفوق رغبة مسلمي اندونيسيا في زيارة الأقصى. وفي بلد طبيعي تأخذ مسائل الخلافات الحدودية طريقها الى الحل عبر التفاوض واللجوء الى القوانين والمؤسسات الدولية. وهذه المؤسسات والمجتمع الدولي عموماً لم يتخلَّ عن لبنان في المبدأ. والدليل إرساله الوف الجنود الى حدوده الجنوبية ورعايته سلاماً واقعياً بمقتضى القرار 1701، ورسمه خطاً ازرق هو بمثابة حدود موقتة بانتظار الترسيم النهائي للحدود واستعادة مزارع شبعا ونواحيها من الجولان!

والمجتمع الدولي يواكب لبنان في مآسيه المتناسلة. من أجله قامت مجموعات الدعم المانحة، وتحرك مجلس الأمن متابعاً انتخاباته وتشكيل حكوماته، وبسببه نشط الاتحاد الاوروبي وخصصت فرنسا جانباً من جهود رئيسها لبلورة مسيرته المقبلة خروجاً من ازمات يتخبط فيها، واهتماماً به حرصت موسكو على التواصل مع قياداته بمن فيهم الأعلى والأقل شأنا!

يتمتع لبنان بكل ذلك الحضور والإهتمامين العربي والدولي، لكن مشكلته انه لا يتمتع بسلطة مسؤولة ولنقل قيادة شرعية رشيدة. ومثلما ادى غياب المؤسسات الدستورية ودورها في المراقبة وممارسة السلطة الى الانهيار المالي والاقتصادي، يؤدي غيابها الى هذه البلبلة في معالجة ملف الترسيم البحري اليوم مع اسرائيل وغداً مع سوريا وقبرص.

ليس مفهوماً حتى الآن هذا التأخير في المراسيم وخرائط التفاوض على مستوى السلطة التنفيذية، وغير مفهوم الصمت الطويل وانتظار وصول باخرة التنقيب الاسرائيلية لتنطلق خطابات النق والشكوى، بما في ذلك العنعنات المحلية حول صواريخ «حزب الله» المنتظرة في المخازن، وكتلة الابطال النيابية التي لم تتخذ موقفاً.

كل ذلك لا يجدي، بل يعيد طرح اسئلة مشروعة حول عملية مفاوضات الترسيم من أساسها. هل كانت بهدف اعطاء شرعية للمفاوض أم بهدف استرداد وحفظ حق الشعب اللبناني ودولته؟

المفاوض السري للأميركيين والاسرائيليين لم يخبر بنتيجة مفاوضاته الا بعد عشر سنوات. ويشك كثيرون في ما اذا كانت الدولة تعرف بما يجري. كان على مايك بومبيو أن يعلن صحة المعلومة، وعلى الرئيس نبيه بري أن يذيع بيان الاطار وهو المستند الذي على اساسه ستوضع نقاط الاتفاق الأخير.

كان المفاوض اللبناني رئيساً لمجلس النواب ولحركة سياسية تنضوي في محور سياسي اسمه الممانعة والمقاومة، وارتضى الاسرائيليون والأميركيون ذلك، والدولة، كرئيس وسلطة تنفيذية، كان عليها ان تكمل ما تبقى استناداً لما يتيحه المفاوض الاصلي!

لبنان هو في هذه النقطة الآن. هل سيعمل من أجل حقوقه فيتحرك كدولة في كل الاتجاهات القانونية والسياسية والعسكرية، أم يترك الأمور على سيرورتها السابقة لتأكيد هوية المفاوض وإعلاء دوره في قضايا لا «كاريش» ولا ناقة للبنان فيها؟؟