منوعات

لا أجد نفسي في تخصصي العلمي

السؤال:

الملخص:

فتاة تدرُس في مجال التجارة والاقتصاد، وقد دخلت هذا المجال رغمًا عنها؛ لأن درجاتها لم تصل لمستوى الكليات التي كانت ترغب فيها، وهي تريد تغيير التخصص بعد سنتين من الدراسة في هذا المجال، لكنها تخشى عواقب هذا القرار، وتسأل: ما النصيحة؟

 

تفاصيل السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا في التاسعة عشرة من عمري، طالبة في مجال التجارة والتسيير، ومقبلة على العام الثالث بالمدرسة التي أدرس بها، وتلك المدرسة ذات مكانة مرموقة، وتمثل حلمًا للكثيرين ببلدنا، إلا أنني لم أستطع أن أحبها، أو أحب التخصصات التي بها، دخلتها لأن معدلي لم يسمح لي بالالتحاق بالكليات أو المدارس التي كنت أتمنى ولوجها؛ كالطب والهندسة المعمارية، كان تخصصي في الباكالوريا علوم الرياضيات، ثم فجأة وجدت نفسي داخل عالم الاقتصاد والشركات، وهو مجال أبغضه، وأنا الآن مقبلة على القيام بتربصات إجبارية داخل شركات أو بنوك، ولا أستطيع حتى تخيل الأمر، مجرد ذكره، أو ذكر المدرسة يشعرني بغُصَّة في قلبي، وحزن ورغبة في البكاء؛ لأنني لا أحب هذا التخصص نهائيًّا، فضلًا عن القيام بتربصات والقيام بأنشطة وما شابه ذلك، خلال السنتين الماضيتين، كنت أدرس تجنبًا للرسوب فقط، وإلى الآن لا أعلم ما فائدة ما درست، ولا أكاد أذكر شيئًا من المواد المدروسة؛ لأنني أضيق بها ذرعًا، ودرستها كرهًا؛ خوفًا من الرسوب، أفكر في تغيير تخصصي، ولكني حائرة وخائفة، فتغيير التخصص يعني إعادة الباكالوريا، ولا أريد أن أحمِّلَ أسرتي همِّي أو هم دراستي مجددًا، وهذا ما جعلني أصبر لعامين، لكنني أحس أني لم أعد أستطيع، فلا رغبة لي ولا قدرة على دراسة تلك المواد، ثم هَبْ أني قررت الإقدام على ذلك، أي تخصص أستطيع الآن اختياره؟ فالطب – مثلًا – يستلزم على الأقل سبع سنوات دراسة؛ ومن ثَمَّ فسوف أحس أن شبابي سيضيع في الدراسة، ولكني أرغب في تحمل مسؤولية البيت؛ لأن أمي وخالتي تحملان مصاريف البيت ومصاريف الدراسة، لم أتكلم مع أسرتي في الموضوع؛ لأني أخاف أن أحزنهم أو أحملهم همًّا، وأخاف أيضًا من نظرة الآخرين لي؛ فالجميع يسأل عني وعن دراستي، وكأنهم هم المعنيون بالأمر، ويتباهَون بمجال دراسة أبنائهم، أخاف أن أسبب لأسرتي حرجًا أو حزنًا، أرجو توجيهكم، وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فربما تبدو المشكلة بسيطة للبعض، ولكنها فعلًا محيرة، لكن دعيني أوضح لكِ أمرًا، وأضرب لكِ مثلًا بنفسي؛ فقد درست في الجامعة التخصص الذي كنتُ أحبه، وتخرجت فيه وعملت بمؤهلي الدراسي، ولكنني أسترجع معكِ الآن رحلتي الدراسية، فأتذكر أني في مرحلة قبل الجامعة درست بعض المواد التي لم أكن أحبها ولا أطيقها، بل أذكر أني في سنة من السنوات تفوقت في هذه المواد، وحصَّلت درجات أعلى مما حصلته في المواد الأخرى التي أحبها، نعم، كنت أخشى الرسوب فيها، فأعطيتُها مجهودًا مضاعفًا، والطريف أن نظرتي قد تغيرت كثيرًا نحو هذه المواد، وأصدقكِ القول بعدما عرفت أهميتها بدأت أقرأ فيها وأهتم بها، رغم أني لست مضطرة لهذا الآن، وفي المرحلة الجامعية لم نبدأ التخصص منذ السنة الأولى، فكنت أدرس موادَّ لا أحبها ولا أرغب فيها، ومع هذا اجتهدت فيها؛ لأن النجاح فيها هو الطريق نحو التخصص الذي أحبه، وحتى بعدما تخصصت في القسم الذي كنت أريده ظلت هناك مواد دراسية من الأقسام الأخرى تعترض طريقي، ورغم هذا ذاكرتها ونجحت فيها، كمٌّ كبير من المواد العلمية التي درستها لم أستفد منها بشيء، ومع هذا اجتهدت فيها ونجحت فيها.

 

لا شكَّ أن التعليم في بلادنا يشوبه شيءٌ من الحشو، وفيه من الخلل ما فيه، بل لا أخفيكِ سرًّا أنه حتى التعليم في البلاد المتقدمة علميًّا لا يخلو من هذا الحشو والخلل، وقد خَبُرْتُ هذا بنفسي عندما كنت أدرس في الخارج.

 

الإنسان لا يحصل على كل ما يتمناه في الحياة، والتعليم جزء من حياة الإنسان، وعلينا أن نتقبله ونتعايش معه، طالما كنا غير قادرين على تغييره الآن؛ لعل الله أن ييسر للأجيال القادمة من يصلح التعليم في بلادنا، ويرتقي به، وكما يقال: “ما لا يدرك كله لا يترك كله”.

 

في الحقيقة إن تخصصكِ تخصص رائع في نظر الكثيرين، وبعدما بدأت العمل وجدت أني في حاجة لدراسة الاقتصاد، فبدأت في ذلك دراسة حرة، واخترت بعض مواده في الدراسات العليا، لكن للأسف نحن غالبًا لا ندرك أهمية ما ندرس ونحن ندرسه، وهذه أحد أوجه القصور التي يعاني منها التعليم في بلادنا، أتذكر أنني في الجامعة درست موضوعًا في مادة الرياضيات في إحدى السنوات، وكان الموضوع غامضًا إلى حد ما، ثم درست تطبيقًا عمليًّا عليه في العام الذي يليه بعدما كنا نسينا الكثير من تفاصيله، أظن أنه كان من الأفضل أن يتم التنسيق بين المادتين ليتم دراستهما بالتزامن في نفس الوقت، أو على الأقل أن يُدرس التطبيق العملي بعد الدرس النظري مباشرةً.

 

نعود لمشكلتكِ فهي متشعبة، أو هي مجموعة من المشكلات.

1- تخصص دراسي لا تُحبينه.

 

2- ضياع سنوات من الدراسة والبدء من جديد ربما يهدر فرصكِ في الزواج.

 

3- الأعباء المالية المتوقعة من طول سنوات الدراسة، وخاصة أن الأم كما جاء في رسالتكِ هي من تتحمل الأعباء المالية، والوالد غير موجود، عسى الله أن يرحمه حيًّا وميتًا.

 

كما قلت لكِ في البداية: لقد مرت عليكِ مواد دراسية لم تكوني تحبينها في مرحلة ما قبل الجامعة، ومر عليكِ عامان في تلك الدراسة وبقي لكِ عامان، أنصحكِ بأن تتمي هذه الدراسة، وأن تجتهدي فيها وفي فهمها، وبعد الانتهاء منها انظري في أمرك، فقد يمنُّ الله عليكِ بفرصة جيدة للزواج لا تحتاجين معها للعمل، وتكونين أميرة مُكرمة في بيتكِ، وحتى يمن الله عليكِ بالزوج الصالح فسيكون أمامكِ فرصة للعمل والدراسة في نفس الوقت إن شئتِ، وكانت عندكِ الهمة والعزيمة لهذا، ووقتها سيكون من الأفضل البحث عن مجال دراسة نظرية؛ مثل: دراسة اللغات، أو العلوم الإنسانية، أو العلوم الشرعية؛ حتى لا يقطع عليكِ الزواج دراستكِ، وتضيع منكِ سنوات من الدراسة هباءً.

 

فكري جيدًا قبل اتخاذ أي خطوة، فمشروع الحياة مشروع واحد، وليس هناك فرصة كبيرة للإعادة، ثم استخيري الله على قراركِ هذا وتوكلي عليه؛ عسى أن ييسر لكِ الله من أمركِ رشدًا.