منوعات

محمد سيف يكتب: مثل سيزيف! | قل ودل


المزيد من المشاركات

في رواياته الرائعة «مثل إيكاروس»، عالج الأديب الراحل أحمد خالد توفيق أسطورة البطل الإغريقي إيكاروس، الذي دنا من الشمس فأحرقته، ولكن على الطريقتين العصرية والمصرية من خلال بطل روايته المصري.

ولمن لا يعلم أسطورة إيكاروس، فهي تتحدث عن بطل إغريقي كان مسجونا في إحدى الجزر اليونانية، وحاول الهرب مع والده من الجزيرة عن طريق تركيب أجنحة من الشمع تساعده على الطيران. وبالفعل نجح في التحليق بها، ولكن كلما علا وهرب، دنا أكثر من الشمس، التي أذابت أجنحته الشمعية، فسقط صريعا في البحر.

تحمل أسطورة إيكاروس الكثير من العبر والعظات، ربما أبرزها أن الإنسان كلما حلق إلى الأعلى، كان سقوطه مدويا، وأن بالطبع لكل ارتقاء ثمنا فادحا لا مفر من دفعه، مهما كانت النوايا والأسباب، بينما يرى آخرون أن العظة الكبرى من الأسطورة اليونانية أنه لا يجب الاقتراب بشدة من الحقيقة، فربما يكون ذلك وبالا على صاحبه كالفراشات التي يحرقها الضوء.

كل هذا جميل.. ربما إيكاروس أخطأ بالفعل وكان يستحق مصيره، ربما دنا أكثر مما يجب، ربما عرف أكثر مما ينبغي له، على الأقل هناك عدالة شعرية متوقعة من رحلة هروبه المجنونة.. لكن ماذا عن سيزيف؟

سيزيف ذلك الرجل في الأساطير الإغريقية، الذي عوقب من قبل زيوس بأن يدحرج الصخرة ذاتها كل مرة إلى قمة التل المنحدر، وهو أمر لو تعلمون عظيم، يواجه عقبات لا حصر لها ويجاهد مع صخرة هائلة الحجم والوزن، وما أن يكاد يصل إلى القمة، حتى تتدحرج الصخرة إلى سفح التل، ليبدأ من جديد.

مثل سيزيف، يجد الكثير منا نفسه في مثل هذا الموقف، يدحرج صخرة حياته، فيكد ويعمل حتى يصل إلى قمة التل، ولا يكاد يهنأ بوصوله، حتى يجد نفسها مجبرا على البدء من الصفر مجددا، ربما أكثر خبرة هذه المرة، لكن التحديات أيضا تكون مختلفة، ويستغرق الأمر كما يستغرق قبل أن يصل إلى القمة.. وهوب، يجد نفسه مضطرا للبدء من جديد.

سيزيف تلقى هذا العقاب لأنه تحدى زيوس كبير الآلهة في الأساطير الإغريقية، لكن ما الذي فعله المرء منا لكي ينال مثل هذا العقاب؟ نحن لا نؤمن إلا بالله، فهل تحدينا إرادته دون أن ندري؟ هل اخترنا الصخرة الخطأ؟ هل اخترنا التل الخطأ؟ لماذا تدور حياتنا في حلقات مغلقة لا نرى لها انفراجا حقيقيا، بل مجرد رحلة أخرى إلى قمة التل؟

إن أبشع عقاب ممكن هو رحلة مرهقة لا أمل في إنهائها ولا مفر من استكمالها، أو كما قيل: ليس هناك عقاب أفظع من عمل متعب لا أمل فيه ولا طائل منه.. تماما مثل سيزيف!

إخلاء مسؤولية: المحتوى في قسم الآراء والمساهمات لا يعبر عن وجهة نظر الموقع وإنما يمثل وجهة نظر صاحبه فقط، ولا يتحمل الموقع أي مسؤولية تجاه نشره.

 

رابط المصدر