منوعات

أبي يتحرش بأختي – مكساوي –

السؤال:

الملخص:

مدرس متقاعد يتحرش بابنته في أثناء تدريسه لها، فعلم إخوتها بالأمر، فمنعوه عن التدريس لها، ولما واجهه ابنُه، اتَّهم ابنته، فقاطَعه ابنه، فلا سلام ولا كلام بينهما، لكنه يطيع أوامره، وهو يسأل: هل يجوز ما فعَله من قطيعة أبيه خوفًا على أخته، أو لا؟

 

تفاصيل السؤال:

أبي مدرس متقاعَد، أخبرتنا أختي بأنه تحرَّش بها وقتَ شرحِ الدرس، وبعد أن أخبرتنا أختي، ذهبت مع إخوتي، وناقشتُه نقاشًا خاصًّا، وكان غرضي أن أخبرَه أنها لا تفهم منه؛ كي تتوقف هذه المهزلة كحلٍّ مؤقتٍ حتى نجد حلًّا نهائيًّا، واستَفْزَزْتُه، حتى أظهر جانبه السيئ المعتاد، وانفجر غاضبًا بالسِّباب واللعان، ومن هنا وجدت “حُجة”، حتى أنفَجِرَ فيه غاضبًا أيضًا، أصبحت المشكلة كبيرة، واستمرت أيامًا، ولكن استطعت بطريقة أو بأخرى إيصالَ المطلوب له؛ وهو ألَّا يشرح لها شيئًا، ثم بعد تفكيرٍ وتروٍّ، ذهبت واعتذرت بطريقة غير مباشرة، وكان الغرض أن أُمهِّدَ لليوم الذي يلي اعتذاري؛ فذهبت إليه وحدثته بطريقة غير مباشرة عن الأمر؛ حيث أخبرته بما حدث منه، عن طريق إخباره بأنه أمر وقع لصديقي، وأني أتيته لأستشيره، والغريب أنه مستعد لهذا الأمر؛ حيث اعترف في نهاية المطاف، وبرَّر فعله بطريقة أقبحَ من ذنبه؛ فقد قال: إنه فعل هذا ليختبر ردة فعلها، وبدأ يطعن في شخصية أختي، وقلب الطاولة عليها بطريقة قذرة، مبررًا أن شخصيتها ضعيفة، والذي علِمتُه أنه مشترك مع كل من فعل هذا الفعل الشنيع، ومن حينها لا سلام ولا كلام بيننا، إلا في القليل النادر، هذا بعد أن كنت أحادثه بالساعات يوميًّا، الآن لا أنظر إليه، والسبب وراء هذا الجفاء رغم تراجُعه عما فعل هو ألَّا يأتي في ذهنه ولو للحظة أن الأمر قد نُسيَ، وأننا قد تأقلمنا، ولأنه – كما هو معروف عنه – أنه سيعود للتمادي بكلامه المعتاد، الموهِن للعزيمة، وهناك العديد من التفاصيل عن شخصية أبي يصعُب سردها هنا، وهي التي أدت إلى اتخاذي هذا القرار، سؤالي هنا وآسف على الإطالة ولكن لدقة الأمر: هل قراري هذا الذي اتخذتُه بعدم الحديث معه والجفاء، مع العلم أنني أطيع أوامره وأنفِّذ ما يطلُب – هل يتعارض مع مراد الله؟ كل يوم يمر عليَّ أفكر في آية: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ﴾ [الأحقاف: 15]، وأخشى أن أُحسن إليه، فيعود لتماديه، ويظن أن ما فعله قد نُسي، وأخشى أن تكون خشيتي هذه سوءَ ظنٍّ بالله، ولكن ها أنا قد أخذت بأسبابي، وأطيعه امتثالًا لأمر الله، ولكن لا أرغب في الحديث معه؛ لِما وضحت من أسباب، دعك مما في قلبي، أخبرني: هل ما أفعله يتعارض مع ما أُمرت به من إحسان؟

الجواب:

 

رجل متقاعد، كان يعمل في التدريس، متَّهم بالتحرش بابنته أثناء تدريسها، أخبرت إخوتها، تفاجأت الأسرة من هذا السلوك الشائن، وقد تمت مواجهة الأب بذلك، واشتد غضبه، وسِبابه، وأخيرًا اعترف بحجة أنه اختبار لشخصية ابنته، مما جعل موقف الابن من أبيه موقفَ جفاءٍ وعدم احترام ولا تقدير، وصل به الحد إلى القطيعة في المحادثة، وعدم رد السلام، بحجة أن الأمر لم يُنْسَ، وخوفًا من تكرار ذلك الفعل، رغم تراجع الأب عن فعلته، مع العلم أن الابن يخدم أباه، ويطيعه، وينفذ أوامره، تقربًا إلى الله، ويسأل الابن: هل فعله لهذا الجفاء والهجر لأبيه يتعارض مع الإحسان للوالدين؟

 

مناقشة المشكلة واقتراح الحلول:

١- للأسف ظاهرة التحرش منتشرة في أوساط المجتمعات سواء في البلدان المتقدمة أو فيما دونها، ولم تقتصر على النساء فقط، بل وصل الأمر للتحرش بالأطفال ذكورًا وإناثًا، والأشد في ذلك أن يصل الحد إلى الشذوذ والانحراف؛ فيتحرش الأب بابنته، فهذا من انتكاس الفطرة، حمانا الله وإياكم من ذلك.

 

٢- هناك بعض الصفات التي لا تدل بالضرورة على الأب المتحرش، لكن اجتماعها معًا يشكل الصفات المشتركة لدى معظم الرجال الذين يتحرشون بأطفالهم:

أ- إدمان الكحول أو المخدرات: فالأب المتحرش وهو مدمنٌ على الكحول والمخدرات غير واعٍ ولا مدرك لأفعاله، أو على العكس قد يستخدمها كتبرير لانحرافه الجنسي.

 

ب- الإدمان على مشاهدة الأفلام الإباحية طوال الوقت، فهذا يصاب بالهوس الجنسي، فتجده دائم التحدث بالجنس، ويحاول تفريغ ذلك، فيما يجد له فرصة عليه ولو كان من محارمه.

 

ج- غالبًا ما يكون للمتحرش تاريخ من الانحرافات الجنسية والتحرش بالأطفال أو النساء، وممارسة أشكال منحرفة من العلاقة الجنسية أو الخيالات.

 

د- البرود الجنسي مع الزوجة: قد يكون غير قادر على ممارسة العلاقة الجنسية الطبيعية مع زوجته لعدم شعوره بالاستمتاع الجنسي؛ ما يجعله يتجنب العلاقة معها، واللجوء إلى السلوكيات المنحرفة؛ كالأفلام الإباحية، والعادة السرية أو التحرش.

 

٣- حماية العِرض من الضروريات الخمس في الإسلام، وخاصة على من استرعاه الله أمانته في الرعاية (أب، أخ، قريب…)؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “وقد اتفق العلماء على تحريم النظر إلى الأجنبية وذوات المحارم بشهوة”؛ [مجموع الفتاوى 15/ 415]، وقال ابن عبدالبر: “ولقد كرَّه الشعبي أن يديم الرجل النظر إلى ابنته أو أمِّه أو أخته، وزمنه خير من زمننا هذا، وحرام على الرجل أن ينظر إلى ذات محرم نظرَ شهوة يرددها”؛ [انتهى من الاستذكار (8/ 388)].

 

٤- ما دام الأب قد اعترف بفَعلته الشنيعة، وبررها بأنه اختبار لابنته، مواجهته وإبلاغه أن هذا التصرف أو الفعل يعتبر تحرشًا، لعل المواجهة بالحقيقة تكون له رادعًا، ويخجل من نفسه، ويرتَدع عن هذا الفعل.

 

٥- تخويفه بالله تعالى بأن يكفَّ عن فعله الشائن، وأن يحفظ عرضه لا أن ينتهكه، فإن استجاب واستقام وندم على ما فات، فهذا هو المطلوب، على ألَّا يوثَق به مباشرة، بل يكون هناك فترة يُراقَب فيها، ليُعرف صدقه، واستقامته.

 

٦- يُستر على فعل الأب، ولا يقال عن فعله لأحدٍ؛ حتى يُعطى فرصة للتوبة الصادقة، وحتى لا يتسبب للبنت بالطعن في عرضها، واتهامها بما ليس فيها.

 

٧- يُراقَب تصرف الأب بعد توبته وعدم العودة لهذا الفعل، فإذا لم يتُب ولم ينتهِ عن فعله القبيح ذاك، فلا تُمكَّن الابنة منه لتدريسها، ولا يخلو بها، وإذا لزم الأمر أن تغادر إلى مكان يكون آمنًا لعِرضها؛ كبيت أخيها، أو أختها، أو قريب لها من محارمها.

 

٨- على الزوجة مهمة كبيرة في قضية العلاقة الحميمة‏ (الفراش)، فلا بد أن يُشبَع هذا الجانب حتى يحد الأب من ثورة إطالة النظر بشهوة للآخرين.

 

٩- الوصية لجميع أفراد الأسرة بالقيام بشرع الله تعالى، واتباع أوامره، واجتناب نواهيه، وكثرة الطاعات، والبعد عن المنكرات، وكثرة الذكر والدعاء، فإن ذكر الله تعالى طارد للشياطين، جالب للبركة.

 

ملحوظة مهمة:

لتعلم أخي الكريم أن حق الأب والإحسان إليه بالمعروف أمر أوجبه الشرع عليك لحق الأبوة، ولا تسقط أبدًا مهما بلغ من العصيان؛ لأن الإسلام أوجب ذلك للأب الكافر على ابنه المسلم، فكيف بمن هو على الإسلام، والأصل في هذا ما في الصحيحين عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: ((قدمت أمي عليَّ وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: إن أمي قدمت وهي راغبة، أفأَصِلُ أمي؟ قال: نعم، صِلي أمكِ)).

 

فلا يجوز لك هجر والدك، وعدم السلام عليه، والعبوس في وجهه، مظنة أن يعود لذلك الفعل، أو تخوفًا أن يظن الأمر سهلًا من جانبه، بل الواجب عليك أن تكون قريبًا من أبيك بالتودد والإحسان، والرحمة والشفقة، وإقامة حقوق الإسلام في البر والصلة، ومن أعظمها إفشاء السلام، والكلمة الطيبة، والتعامل الحسن، لعل هذا يكون عونًا له على الاستقامة والتوبة من كل الذنوب والمعاصي، فلا تعين الشيطان عليك وعلى والدك، في التمادي في الهجر والقطيعة، وفي حالة رؤيتك للمنكر، فعليك أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، بالحكمة والموعظة الحسنة، وإقامة الحجة بالدليل والبيان من القرآن والسنة، وأقوال العلماء الربانيين.

 

أسأل الله تعالى أن يهديَ قلب أبيك، ويشرح صدره للحق، وأن يجنِّبه فعل المنكرات، ويوفقه للطاعات، وأن يستر أعراضكم وأعراض المسلمين.