منوعات

من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (التحفظ)


المزيد من المشاركات

من منطلقات العلاقات الشرق والغرب

(التحفظ)

 

هناك جملة من الكتَّاب العرب يتحفظون على فكرة الحوار مع الآخر ممن يختلفون عنا في الدين، بل إن أحد المؤلفين قد وصل به الرأي إلى تحريم التعامل مع فئة أولئك القوم، لا سيما المستشرقين منهم[1]،ويرى المؤلف أن التعاون معهم إنما هم من باب الموالاة لهم،ويورد نصوصًا شرعية تؤيد ما ذهب إليه في رأيه،ويظهر هذا على سبيل المثال في الطبعة الثانية من كتاب رؤية إسلامية للاستشراق للأستاذ الدكتور أحمد عبدالحميد غراب[2].

 

هل الحوار مع الآخر يعني بالضرورة التعاون معه؟ وهل التعاون على الأمور المشتركة مما يدخل في المحظور؟ وهل التعاون المطلوب معه يعني بالضرورة موالاته؟ يبدو أن مسألة الولاء والبراء في هذا الرأي غير واضحة ولا تنطلق من رؤية علمية بقدر ما تنطلق من موقف آنيٍّ أو نظرة عاطفية لا تكنُّ موقفًا إيجابيًّا مع الغرب، على غرار ما دعت إليه بعض الحركات الإسلامية، ويبدو كذلك أن على أهل العلم أن يركزوا على مسألة الولاء والبراء، من حيث حدودهما ومدلولاتهما، بله مفهومهما.

 

الحوار الذي يتحفظ عليه بعض المعنيين من المفكرين هو ذلك الحوار الذي يشعر فيه المحاور المسلم بالدونية أمام الآخر الذي يُشعِر مَن يحاورهم بأنه على قدر كبير من العلم والمعرفة والتفوق الحضاري،ومن ذلك أيضًا التحفظ على إطلاق هذا الحوار بأنه حوار الأديان، وإنما هو حوار أهل الأديان؛ لأن إطلاق حوار الأديان قد يقتضي الاعتراف الضمني بسلامتها،وهل حوار الأديان إلا حوار أهل الأديان من قبيل قوله تعالى: ﴿ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ ﴾ [يوسف: 82]؟

 

هذا ما يثيره الأستاذ الدكتور حسن بن فهد الهويمل في حديثه عن الاستشراق في مجلة المنهل في عدد يعود إلى سنة 1409هـ/ 1989م حينما يركز على مشكلة عدم التكافؤ بين المتحاورين، بسبب شعور طرف منهما بالفوقية على الطرف الآخر من دون شعور الطرف الآخر بالضرورة بالدونية تجاه المحاور[3]، الخطأ هنا ليس في الحوار ذاته، بل هو في المحاورين بفتح الواو وكسرها،والمحاور المسلم مطالب بعدم الهوان: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139]، والعلو هنا مربوط بالإيمان، لا العلو الموجه بالغطرسة والعرقية والجنس البشري، بل العالي هنا هو المؤمن أين يكون وكيف يكون ومتى يكون،وإذا تحقق الإيمان لدى الشخص تحقق لديه العلو الذي يفرض نفسه على الآخرين.

 

إمام المحاورين بعلو الأديان هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حينما وفدت عليه الوفود فحاورهم داخل المسجد، وكان بينهم أخذٌ وردٌّ وسؤال وجواب وحِجاج، انتهى في الأخير إلى أن يعلن بعض المحاورين إسلامهم مع بقاء بعض منهم على عنادهم – كما مر ذكره كثيرًا في هذه الوقفات – ويبقى أناس على عنادهم ومكابرتهم وتعاليهم على مر العصور،ثم إن وفود سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قد حاورت الآخر من عظماء الأمم في ذلك الوقت في عقر دارهم من دون أن يشعر الموفَد بذرة من الدونية أمام جبابرة الأرض.

 

تتعرض الجاليات المسلمة المتغربة في مجتمعات غير مسلمة والجاليات غير المسلمة في المجتمعات المسلمة دائمًا لنوع من أنواع الحوار وشكل من أشكال الحصول على المعلومات المباشرة من الأخلاص المخلصين في علمهم ونباهتهم وحملهم الهم، فهل يتصور أن يمتنع مسلم مسؤول عن قضية ما عن تبيان حقيقتها التي يعرفها هو، وذلك بحجة أن هناك موقفًا غير إيجابي من الحوار؟!

 

ليس هنا ادعاء بإثارة شيء جديد، ولكنه موضوع يتجدد دائمًا، ويتطلع إلى حسم الرأي فيه شرعًا أولًا، بحيث لا يشعر المحاور المسلم بأي حرج من محاورة الآخر، والحسم قد يعني إسقاط بعض الآراء المانعة للحوار إذا لم تستند على دليل قوي، أو ربما أخطأت في استخدام النصوص دليلًا على توجهها.

 

لقد تعرض الإسلام لحملات من التشويه على أيدي بعض المستشرقين والمنصرين والإعلاميين،وهو يتعرض لهذا في زمننا الحاضر، ولكن هذه الحملات لا تعني أن نتوقف عن الاتصال بالآخر بالتحاور معه وتبيان ما عُمِّي له عن الإسلام وعن دياناته التي ينتمي إليها[4].

 

موضوع الحوار يحتاج إلى مزيد من الوقفات، فقد تبين من رصد هذا الموضوع أن هناك كتابات كثيرةً من كتب ومقالات عن الحوار مع الآخر[5]، تحتاج إلى المزيد من التحليل.


[1]انظر: أحمد عبدالحميد غراب،رؤية إسلامية للاستشراق ط 2 لندن: المنتدى الإسلامي، 1411هـ ص 72 – 80.

[2]انظر: أحمد عبدالحميد غراب،رؤية إسلامية للاستشراق المرجع السابق ص 72 – 80.

[3]انظر: حسن بن فهد الهويمل،الفوقية الحضارية المنهل ع 471 (مج 50)، (رمضان وشوال 409هـ – إبريل ومايو 1989م)،ص 277 – 292.

[4]انظر: أحمد عبدالرحيم السايح،في الغزو الفكري الدوحة: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 1414هـ ص 157 (سلسلة: كتاب الأمة: 38).

[5]انظر: ناصر الدين الأسد،نحن والآخر: صراع وحوار بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1997م ص 131.

رابط المصدر