منوعات

3 انحيازات معرفية تغيِّر من تفكيرك

ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدون ستيفن أيتشيسون (Steven Aitchison)، ويُحدِّثنا فيها عن الانحيازات المعرفية.

يُعرَّف الانحياز المعرفي بأنَّه نمط من الانحراف في اتخاذ الأحكام؛ إذ يمكن ظهور التأثيرات على الأشخاص والمواقف بطريقة غير منطقية؛ فالانحياز المعرفي هو مصطلح عام يُستخدم لوصف معظم تأثيرات المراقب في العقل البشري، والتي يمكن أن يؤدي بعضها إلى تشويه الإدراك الحسي أو الحكم غير الدقيق أو التفسير غير المنطقي.

في المصطلحات العامة: هو فجوة بين الطريقة التي يجب أن نفكر فيها والطريقة التي نفكر فيها فعلاً؛ أي التفكير غير المنطقي مثل: الحكم على شخص أو مجموعة أو شيء معين أو تفضيله بطريقة غير عادلة.

قد لا تلاحظ هذا الأمر إلا أنَّ الانحيازات متأصلة في القرارات التي نتخذها منذ أن ولِدنا؛ فالانحيازات هي واحدة من أكثر الظواهر إثارة للاهتمام للعقلية المتطورة، فقد تطور الدماغ ليجعلنا نعتقد أنَّنا مميزون وقيِّمون وقادرون على كلِّ شيء؛ إذ تساعدك الانحيازات على الشعور بالتميز والتغلب على الضغوطات والصراعات والتحديات في حياتك، وكذلك تساعدك على تجنب التشكيك بنفسك أو الشعور بالحماقة؛ إنَّنا نتحيز في مجموعة متنوعة من المجالات من الانحياز للعيش في مناخات ودرجات حرارة معينة إلى البحث عن أنواع معينة من الأطعمة والمذاقات.

يمكنك تخيل ضغوطات الوقت المحتملة التي واجهها أسلافنا؛ وذلك لأنَّ القدرة على اتخاذ قرارات في جزء من الثانية ضرورية للنجاة، وكان التخمين بأنَّ الانحيازات قد تطورت جزئياً لمساعدتنا على اتخاذ القرارات بسرعة وفاعلية؛ وذلك للقيام باختبارات سريعة للمعلومات المتاحة لنا، والتركيز على الأجزاء المتعلقة بمهمتنا أو وضعنا الحالي؛ وباختصار تساعد الانحيازات على إرشادنا والحفاظ على سلامتنا.

أوجد البحث في خيارات البشر واتخاذ القرارات على مدى الستين عاماً الماضيين في العلوم الاستعرافية  (cognitive science) وعلم النفس الاجتماعي (social psychology) والاقتصاد السلوكي (behavioral economics) قائمة متزايدة ومتطورة من الانحياز المعرفي، وعلى الرَّغم من أنَّ الانحيازات المعرفية تساعدنا على الشعور بالدهشة تجاه قدراتنا وصورتنا الذاتية، إلا أنَّ لها مساوئها أيضاً وتؤدي إلى اختيارات وأحكام سيئة ورؤى خاطئة.

تأثير الانحيازات المعرفية:

يشمل تأثير الانحيازات المعرفية الذاكرة والتحفيز واتخاذ القرارات واحتمالية اتخاذ الأحكام والأسباب المتصورة للأحداث وتقييم المجموعة والاختيار وامتلاك موقف إيجابي تجاه الذات.

تظهر الانحيازات من مجموعة متنوعة من العمليات العقلية التي قد يكون من الصعب تحديدها بدقة؛ إذ تشمل هذه العمليات العقلية الاستدلال (الطرائق المختصرة التي يتبعها الذهن لحلِّ المشكلات)، والتأطير (التقديم)، والضوضاء العقلية، والدوافع الأخلاقية والعاطفية، والتأثيرات الاجتماعية.

إنَّ الهدف هو ليس إزالة انحيازاتك تماماً، لكن أن تكون مدركاً لها وأن تتكيف معها بإدراك أنَّ تفكيرك يخضع للتأثير؛ إذ يمكنك العمل بمستوى أعلى من التحكم، ويمكنك تصحيح نطاق وجهة نظرك وتوسيعها في آن واحد؛ لذا إنَّ البدء في ملاحظة انحيازاتك ومواجهتها وتفكيك تصوراتك هو أمر ممتع حقاً.

يكمن خطر عدم إدراك انحيازاتك في الاعتقاد بأنَّك محق دائماً، فمن الضروري ملاحظة أنَّ العالم يبدو مختلفاً بالنسبة إلى الآخرين؛ إذ يمكِّننا إسقاط انحيازاتنا من الاستماع والتواصل مع بعضنا بعضاً تواصلاً أكثر فاعلية.

شاهد بالفديو: 8 طرق تفكير ستضعك على طريق النجاح

 

3 انحيازات معرفية متوقعة:

في حين أنَّ هذه الانحيازات قد يكون مبالغ فيها قليلاً إلا أنَّها متطابقة بين معظم الناس إلى حدٍّ ما، فلا يستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى تكتشف بأنَّك تستخدم هذه الأشياء وتتكيف معها.

1. الانحياز التأكيدي (Confirmation bias):

“الميل للبحث عن المعلومات التي تؤكد تصوراتك المسبقة أو تفسيرها”.

إنَّك تريد أن تكون محقاً بشأن الطريقة التي ترى بها العالم؛ إذ إنَّ آراءك هي نتاج البحث المستمر عن معلومات تؤكد معتقداتك، بينما تتجاهل المعلومات المتناقضة التي لا تكون كذلك، فإنَّك تحب أن يخبرك أحدهم بما تعرفه بالفعل؛ لذلك تستخدم أداةً تُسمى الانحياز التأكيدي؛ إذ يساعدك دماغك على تأكيد أنَّك اتخذت القرار الصحيح ويمكن أن يساعدك التركيز على أشياء معينة على منعك من الضياع؛ فالانحياز التأكيدي هو أمر ضروري لتحقيق عالم مترابط.

إنَّ زيارة المواقع السياسية التي لها الآراء نفسها، ومشاهدة القنوات الإخبارية التي تخبرك بما تريد سماعه، والحفاظ على صحبة الأشخاص الذين لديهم معتقداتك نفسها؛ هذه كلُّها أمثلة على الانحياز التأكيدي.

تجعلك هذه السلوكات التفضيلية مرتاحاً وتساعدك على تجنب التنافر المعرفي والشيء الذي زاد من هذا السلوك هو الإنترنت، على سبيل المثال: إذا اشتريت سيارة من علامة تجارية معينة، فمن الممكن أن تبدأ في ملاحظة العلامة التجارية التي اخترتها أينما تنظر.

2. التهيئة (Priming):

“تؤثِّر الذاكرة الضمنية عند التعرض لحافز ما في الاستجابة لحافز آخر”.

التهيئة هي التعرض لشيء يؤثِّر في سلوكك اللاحق بطريقة ما دون إدراك التأثير السابق، ويمكن أن تكون تأثيرات التهيئة اللاواعية ملحوظة جداً، ويمكن أن تستمر لمدة طويلة بعد أن تكون قد نسيتها.

على سبيل المثال: اشتهاء طعام قد رأيته في فيلم ما، والمشي ببطء بعد التفكير في كبار السن، وتأثير برنامج تلفزيوني معين في سلوكك، والتحلي بالصبر بعد قراءة بضع كلمات لها علاقة بالتهذيب؛ هذه كلُّها أمثلة على التهيئة.

يمكن ببساطة قراءة كلمة معينة في وقت سابق من اليوم وإذا طُلب منك لاحقاً إكمال كلمة تبدأ بأحرف الكلمة نفسها التي قرأتها سابقاً فمن المرجح أن تكتب الكلمة نفسها؛ لأنَّك قد هُيئت لذلك سابقاً.

3. تأثير التأطير (Framing effect):

“التفاعل مع خيار معين بطرائق مختلفة اعتماداً على كيفية عرضه؛ أي إذا ما عُرِض بوصفه خسارة أو مكسباً”.

إنَّك تتوصل روتينياً إلى استنتاجات مختلفة عن المشكلة نفسها اعتماداً على كيفية عرضها؛ لذا إنَّ تصور الخسارة أو المكاسب له تأثير في عملية اتخاذ القرار في كلِّ جانب من جوانب وجودنا؛ فأنت تتجنب المخاطرة (النفور من المخاطرة) عندما يُعرض الشيء بإطار سلبي؛ ولكنَّك تسعى إلى المخاطرة (البحث عن المخاطر) عندما يُعرض الشيء بإطار إيجابي.

كذلك تؤدي الصياغة دوراً رئيساً في التأطير، ويمكن أن تثير ردود فعل مختلفة تماماً على شيء ما؛ إذ تُعدُّ الاستجابة المختلفة بعد سماع جملة “الاحتباس الحراري” مقابل “تغير المناخ” مثالاً على تأثير التأطير.

سأتحدث عن تجربة تتعلق بالتأطير أجراها أحد علماء النفس:

عُرض على المشاركين حلَّين بديلين للتعامل مع 600 شخص مصاب بمرض افتراضي مميت:

الخيار الأول: إنقاذ حياة 200 شخص.

الخيار الثاني: لديه فرصة قليلة في إنقاذ الأشخاص جميعهم البالغ عددهم 600 شخص وإمكانية أكبر في عدم إنقاذ أيِّ شخص.

72% من المشاركين اختاروا الخيار الأول.

ثم عُرض السيناريو نفسه على مجموعة أخرى من المشاركين، لكن كانت الصياغة مختلفة:

في خيارٍ ثالث: قد يموت 400 شخص.

في خيارٍ رابع: يوجد احتمال قليل ألا يموت أيُّ شخص واحتمال أكبر أن يموت 600 شخصاً.

في هذه المجموعة اختار 78% من المشاركين الخيار الرابع (أي ما يعادل الخيار الثاني).

توضح التجربة أعلاه طبيعة التأطير؛ إذ فضلت المجموعتان خيارات مختلفة بسبب طريقة عرض هذه الخيارات؛ فأعطت المجموعة الأولى من المشاركين إطاراً إيجابياً (التركيز على الأرواح التي سُتنقذ) بينما أعطت المجموعة الثانية إطاراً سلبياً (التركيز على الأرواح التي ستُفقد).

في الختام:

من المفيد أن ندرك العمليات التي تؤثِّر في أحكامنا؛ وذلك لأنَّ امتلاك معرفة أساسية عن كيفية عمل عقولنا فعلياً، هو أمر ضروري للمنطق والاستدلال والجدل والتفكير النقدي، كما أنَّه يتيح لنا إدراك تلاعب الآخرين وتأثيرهم في هذه الانحيازات (شركات التسويق والحملات السياسية).

ترتبط الانحيازات المعرفية أيضاً باستمرار الخرافات والقضايا الاجتماعية الكبيرة مثل التعصب، كما أنَّها تعمل أيضاً بوصفها عائقاً أمام قبول المعرفة العلمية غير البديهية من قبل الناس.

المصدر