منوعات

النفط: كيف يتم استخراجه؟ وما التأثير البيئي لاستخدام النفط كوقود؟

ففي أعماق قيعان هذه الأحواض، تم ضغط البقايا العضوية بين وشاح الأرض مع ارتفاع الضغط ودرجة الحرارة وملايين الأطنان من الرواسب أعلاها ومع عدم وجود أوكسجين، تتحول البقايا العضوية أولاً إلى مادة “الكيروجين” “مادة شمعية” ثم إلى “هيدروكربونات”، فالفحم أو الغاز الطبيعي أو البترول أو النفط الخام كلها هيدروكربونات تتشكل في ظل ظروف مماثلة.

في مقالنا الآتي سنتعرف إلى كيفية استخراج النفط، وإذا ما كان مورداً متجدداً أم لا، وما هي تأثيرات استخدامه بوصفه وقوداً أحفورياً في البيئة؛ لذا تابعوا معنا.

أين يمكن العثور على النفط؟

تُعَدُّ الأحواض الرسوبية؛ حيث كانت توجد البحار الضحلة القديمة من المصادر الرئيسة للنفط؛ إذ يحتوي حوض “دلتا النيجر” الرسوبي في إفريقيا على أكثر من 500 راسبٍ نفطيٍ، وهذا يجعله أحد أكثر حقول النفط إنتاجاً في القارة، وفي بعض الأماكن مثل (LaBrea Tar Pits) في “لوس أنجلوس كاليفورنيا”، يمكن العثور على النفط متدفقاً عبر الأرض، ويُعَدُّ النفط الرملي الكندي مثالاً آخر؛ إذ توجد رواسب النفط على بعد 70 متراً من السطح.

هل النفط مورد متجدد؟

النفط هو مصدرٌ غير متجددٍ من الطاقة، وهذا يعني أنَّه لا يمكن استبداله بشكلٍ طبيعي ومن المحتمل أن ينفد يوماً ما.

كيف يتم استخلاص النفط؟

الخطوة الأولى هي إيجاد المخازن النفطية والظروف الجيولوجية بالمنطقة، ثم يأتي التنقيب عنه، وقد يكون التنقيب كما يأتي:

  • تنموي: هو التنقيب في منطقةٍ تم فيها العثور على خزاناتٍ نفطيةٍ.
  • استكشافي: التنقيب في منطقةٍ لا توجد بها احتياطياتٌ نفطيةٌ معروفةٌ ولديها معدل فشلٍ مرتفع.
  • اتجاهي: الحفر عمودياً إلى مصدر نفطٍ معروفٍ، ثم الانحراف عن المسار للتحقق من وجود مواردَ إضافيةٍ.

تشمل عملية استخراج النفط الخام المراحل الثلاث الآتية: الابتدائية والثانوية والثالثية.

الاسترداد الأولي:

هو المرحلة الأولى؛ إذ تدفع الجاذبية جنباً إلى جنبٍ مع الضغط الطبيعي في خزانِ النفطِ النفطَ إلى جوف البئر، ومن هنا يتم إحضار النفط إلى السطح باستخدام مضخاتٍ؛ إذ إنَّ إمكانات الاستخراج لهذه الطريقة محدودةٌ، على سبيل المثال، يمكنها استخراج 10-15% فقط من إمداد الخزان.

الاسترداد الثانوي:

عندما تكون الطريقة الأساسية غير كافيةٍ، يتم استخدام الاسترداد الثانوي، وفي هذه الطريقة يتم حقن السوائل الخارجية أو الغاز لزيادة ضغط الخزان وإزاحة النفط نحو حفرة البئر، وعموماً يمكن أن يستخرج الاسترداد الثانوي 10-20% إضافيةً من النفط الموجود أصلاً في الخزان، كما يجب أن نتذكر “تختلف النسبة باختلاف النفط والصخور المحيطة بالخزان”.

الاسترداد الثلاثي:

المعروف أيضاً باسم الاسترداد المعزز للنفط (EOR)، وهذه هي المرحلة الثالثة التي يمكن أن تنتج 30-60% أو أكثر من النفط الموجود أصلاً، وينقسم الاستخلاص المعزز للنفط (EOR) إلى ثلاث فئات، وهي:

1. الاسترداد الحراري:

هو الاستخلاص المعزز للنفط (EOR) المفضل الذي يمثل أكثر من 40% في الولايات المتحدة، وينطوي على إدخال الحرارة مثل حقن البخار لتقليل لزوجة النفط، وهذا يسمح بتدفقٍ أسهل إلى السطح.

2. حقن الغاز:

يتم حقن الغاز الطبيعي أو النيتروجين أو ثنائي أوكسيد الكربون “الخيار الأكثر شيوعاً” في الخزان، ومن ثمَّ يتم دفع النفط الإضافي إلى حفرة البئر، كما يتم أيضاً استخدام الغازات التي تذوب في النفط لخفض لزوجته وزيادة معدل التدفق؛ إذ يمثل حقن الغاز ما يقرب من 60% من الاستخلاص المعزز للنفط في الولايات المتحدة الأمريكية.

3. الحقن الكيميائي:

هو طريقة الاستخلاص المعزز للنفط (EOR) الأقل شيوعاً، وتمثل 1% في الولايات المتحدة الأمريكية، وتتضمن استخدام بوليمرات طويلة السلسلة لتحسين تدفق النفط، كما تستخدم المنظفات مثل السورفاكتانت لخفض التوتر السطحي للنفط.

الاستخلاص من النفط الرملي:

النفط الرملي أو “الرمال النفطية” هي مزيجٌ من الطين والرمال والماء والقار، وهي شكلٌ لزجٌ للغاية من النفط الخام، ولهذا السبب يسمى النفط الرملي أيضاً باسم “رمال القطران”، وبسبب اللزوجة العالية، فإنَّ استخراج النفط من الرمال النفطية يختلف تماماً عن التنقيب والحفر، فالتنقيب في حفرة مكشوفة والتنقيب في الموقع هما طريقتان مختلفتان تُستخدَمان لاستخراج النفط من الرمال النفطية.

يتم استخراج البيتومين القريب من السطح “أقل من 75 متراً”، ونحو 20% من الرمال النفطية قابلةٌ للاستخراج من خلال التنقيب المكشوف، وتشبه هذه العملية عمليات تنقيب الفحم؛ إذ تُستخدم المجارف الكبيرة لغرف رمال النفط في الشاحنات، وبعد الانقسام إلى قطعٍ أصغر، يتم خلطه بالماء لتشكيل ملاطٍ ​​سميكٍ، ثم يمر بعملية الزبد بحيث يمكن فصل البيتومين لمزيدٍ من المعالجة، ويخضع البيتومين بعد ذلك لعمليةٍ تسمى الترقية لإعطاء زيت اصطناعيٍ يمكن تكريره.

بعد ذلك، يتم تكرير النفط الخام المستخرَج؛ وذلك لأنَّه يحتوي على الكثير من الشوائب، من الكبريت إلى الرمال، وعند التقطير يتكثف البروبان والكيروسين والمواد الكيميائية الأخرى على طبقاتٍ مختلفةٍ من برج التقطير ويمكن جمعها بشكلٍ منفصلٍ، وبعدها يتم نقلها عن طريق خطوط الأنابيب وسفن المحيط والشاحنات إلى مواقعَ مختلفةٍ لمزيدٍ من الاستخدام.

تأثيرات التنقيب واستخدام النفط في البيئة:

تؤكد الدراسات أنَّ الاستخدام المفرط للنفط بوصفه وقوداً أحفورياً له تأثيرٌ أسوأ بكثيرٍ في المناخ مما كان يُعتقد سابقاً، فدعنا نحلل هذا في القسم أدناه.

شاهد بالفديو: 8 حلول للحد من ظاهرة التلوث البيئي

 

1. من المعروف أنَّ الانسكابات النفطية من العوامل المميتة للحياة البحرية:

الصور المدمرة للسلاحف والبجع والدلافين المنقوعة بالنفط ليست شيئاً جديداً، وقد تصدرت الانسكابات النفطية الكبيرة والصغيرة عناوين الأخبار منذ أوائل القرن العشرين، وهي تتزايد باطرادٍ كل عامٍ، وهذا يقضي على النظام البيئي البحري.

كما تسببت كارثة (BP Deepwater Horizon 2010) في إغراق 200 مليون جالونٍ من النفط الخام في خليج المكسيك وتسبب في مقتل العديد من الأنواع البحرية، وعموماً، تعتمد تأثيرات الانسكاب النفطي على العديد من العوامل، ومن ذلك التكوين والخصائص والتوافر البيولوجي للنفط وطرائق التعرض وغير ذلك.

قد يغطي النفط أجساد الطيور وفراء الثدييات البحرية، وهذا يجعلها عرضةً لانخفاض درجة حرارة الجسم وارتفاع درجة الحرارة أيضاً، وتُدمِّر الانسكابات مناطق التعشيش وتُغيِّر أنماط الهجرة وتزيد من معدل الوفيات.

على الرغم من أنَّ لدينا تقنيةً متقدمةً في تنظيف هذه المخلفات، إلا أنَّ الحياة البحرية يمكن أن تتأثر أيضاً بعمليات التنظيف، فمشتتات النفط التي تُستخدم بعد الانسكاب هي أيضاً سامةٌ وتهدد كلاً من الحيوانات والنباتات البحرية، وانهيار المواطن هو الأثر غير المباشر لحملات التنظيف هذه.

إضافة إلى ذلك، تؤثر الانسكابات النفطية أيضاً في النشاطات الساحلية الاقتصادية والمجتمعات المحلية التي تعتمد على الموارد البحرية؛ وذلك لأنَّ عملية تنظيف الانسكاب النفطي الكبير قد تستغرق سنوات عدة.

2. تلوث الماء والهواء يضر بالمجتمعات المحلية:

ما يقرب من 100 دولةٍ تنتج النفط من آبار الإنتاج إلى مصانع المعالجة، تؤكد الأمم المتحدة أنَّ إنتاج النفط والغاز هما المساهمان الرئيسان في تلوث الهواء، ويبعث حرق النفط غازاتٍ سامةً قد تؤدي عند استنشاقها إلى مجموعةٍ من المشكلات الصحية، ومن ذلك اضطرابات الجهاز التنفسي واضطرابات النمو وحتى السرطان.

لا تقتصر المخاطر الصحية لاستخراج النفط على تلوث الهواء فقط؛ إنَّما يؤدي الحفر إلى تلوث مصادر المياه بمواد كيميائيةٍ سامةٍ تؤدي إلى الإصابة بالسرطان والأمراض المزمنة الأخرى، فإنَّ التهديد الصحي الذي يواجهه ملايين الأشخاص الذين يعيشون بالقرب من مناطق تنقيب النفط أمرٌ حقيقيٌ للغاية.

3. انبعاثات الوقود الأحفوري تساهم في الفوضى المناخية:

النفط وقودٌ أحفوري يؤدي حرقه إلى إطلاق غاز ثنائي أوكسيد الكربون – ما يقرب من ثلث انبعاثات الكربون العالمية في الغلاف الجوي – الأمر الذي يساهم في الاحتباس الحراري والعواقب في كل مكانٍ حولنا وعلى شكل أيامٍ أكثر سخونةً وحرائق غاباتٍ وارتفاع منسوب مياه البحر، وأكثر من ذلك بكثير.

لمنع الأرض من الاحتراق مثل الجحيم، يقترح العلماء ترك النفط في الأرض أو مجرد استخراج ما يحتاجه العالم فقط.

4. المناظر الطبيعية غير المفسدة والأصلية هي شيء من الماضي:

الحفر في الأرض الهشة – وهو أمرٌ يتوق عمالقة صناعة النفط إلى القيام به – هو فكرةٌ فوضويةٌ، فهو لا يدمِّر المراعي والنباتات فحسب؛ بل يخلف وراءه في كثيرٍ من الأحيان أضراراً لا يمكن إصلاحها.

فآبار النفط المهجورة ومواقع التنقيب اليتيمة تشكل أيضاً تهديداً للبيئة، ووفقاً للباحثين يوجد ما لا يقل عن مليون بئر نفطٍ غير موصولٍ حول العالم؛ إذ يتسرب النفط والغاز والماء المالح إلى التربة والمياه، وتهدد بخطر الانفجار.

5. ابتعاد الزوار:

يذهب المتجولون والسياح والعائلات في العطلات إلى البرية لتجربة الحياة البرية بمعناها الحقيقي، فمواقع الاستخراج الصاخبة والطرق المزدحمة ليست ما يفضلون رؤيته.

إذ تؤثر الآثار القبيحة لمحطات النفط والغاز في تجربة المسافرين، وقد تؤثر في المجتمعات المحلية التي تعتمد على السياحة، وإضافة إلى الوظائف الداعمة، يساهم الترفيه في الهواء الطلق في الأراضي العامة والمناطق النشطة والمتنزهات الوطنية بالمليارات في الاقتصاد المحلي.

6. التلوث الضوئي هو مصدر قلق آخر:

الوهج من مواقع استخراج النفط قويٌ جداً لدرجة أنَّه يمكن رؤيته من الفضاء، فصور حقول “باكن” النفطية في شمال “داكوتا” التي التقطتها الأقمار الصناعية لوكالة ناسا تحترق مثل سطوع “شيكاغو”، والكثير من هذا السطوع والوهج ناتجٌ عن احتراق النفط ومنصات الآبار ومناطق التخزين.

لقد وجد الباحثون أنَّ الكثير من الضوء يؤثر في الحشرات مثل النحل؛ نظراً لكونها واحدةً من أهم الملقِّحات التي تعمل على نقل حبوب الطلع وتلقيح النباتات، وهذا أمرٌ مثيرٌ للقلق؛ إذ يؤدي التلوث الضوئي إلى تعطيل ساعتها البيولوجية، وهذا يؤدي إلى انخفاض عدد النباتات.

كما يؤثر الكثير من التلوث الضوئي في المناظر الطبيعية مثل حديقة “تشاكو كالتشر” التاريخية الوطنية، وهي إحدى الأماكن الشهيرة في العالم لمشاهدة النجوم، لكن مع وجود الكثير من الوهج والضوء من المجمعات النفطية القريبة، لم تعد سماء المتنزه أثيريةً كما كانت من قبل.

في الختام:

بالنظر إلى معدل استهلاك النفط المثير للقلق، يعتقد العلماء أنَّ هذه الطاقة غير المتجددة ستختفي بحلول عام 2040، كما يجد العلماء طرائق أفضل لاستخراج النفط لمنع حدوث أزمة طاقةٍ عالميةٍ، ومع ذلك فإنَّ آخر ما يحتاجه كوكبنا هو المزيد من التنقيب والانسكاب، فالاعتماد المفرط على النفط الخام والوقود البترولي وأزمة المناخ والهواء والماء وتلوث التربة، قد يكلفنا وحياة العديد من الكائنات الأخرى غالياً، وباختصار نحن بحاجةٍ إلى استخدام الوقود الأحفوري بحكمةٍ لإنقاذ أنفسنا وكوكبنا.

المصدر