منوعات

تأثير التركيز على الحاضر على سعادتنا

ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب داريوس فوروكس (Darious Foroux)، ويتحدَّث فيه عن تأثير التركيز على الحاضر في سعادتنا.

لدينا جميعاً صوت داخلي نشعر وكأنَّه يقيِّم كلَّ شيء من حولنا، فما الانتقادات التي نوجهها لأنفسنا أو للأشياء من حولنا إلا عبارة عن أفكار نتحدث بها مع أنفسنا، والأمر نفسه بالنسبة إلى الشعور بالحماسة للحصول على أشياء نرغب فيها.

كنت أقول لنفسي بينما كنت أركض: “الجو بارد، ودرجة الحرارة 8 درجات مئوية، أتمنى لو أنَّني كنت الآن في جزر الكاريبي، فقد أمضيت وقتاً رائعاً في كوراساو (Curaçao) عندما سافرت إلى هناك آخر مرة.

كيف يمكنني الذهاب إلى هناك الآن؟ أتمنى ألا يكون لديَّ مواعيد الأسبوع المُقبل، لكن ماذا عن تكلفة التذاكر؟ ربما تكون رحلة باهظة الثمن، وهذا يعني أنَّه يجب أن أجد طرائق لكسب مزيد من المال”.

هذا ما كنت أحدِّث به نفسي، لقد كان من الممكن أن آخذ قراراً بالذهاب إلى جزر الكاريبي مع التفكير في طرائق لكسب مزيد من المال من أجل تغطية نفقات الرحلة.

لكن لحسن الحظ أنَّني من النوع الذي لا يصغي لأفكاره كثيراً، فأنا أدرك أنَّ أفكار الجميع متشابهة، جميعنا نريد منزلاً أكبر، وسيارة حديثة، ومزيداً من الاستجمام والذهاب إلى مطاعم فاخرة، والقيام بمزيد من الأشياء الممتعة؛ لذلك أجنِّب نفسي الوقوع في المشكلات التي تنتج عن هذه الأفكار من خلال تجاهل أغلبيتها.

أفكارك تحاول تشتيت انتباهك عن اللحظة الحالية:

هل حدث أن لاحظت أنَّه لم يسبق أن راودتك أفكار تتضمن إعجاباً بيوم من أيام الأسبوع المُعتادة، أو مثلاً عندما تصل إلى منزلك بعد يوم مُتعب وطويل بسبب الازدحام على الطريق، هل سبق أن قلت لنفسك: “سأستمتع بفنجان القهوة هذا، ولن أفكِّر فيما حدث معي اليوم”.

ما نريد قوله إنَّنا بوصفنا بشراً نميل إلى التفكير السلبي بطبيعتنا، أمَّا التفكير الإيجابي لا يحدث من تلقاء نفسه، والأشخاص الذين يقولون إنَّهم إيجابيون ومتفائلون طوال الوقت لا يقولون الحقيقة؛ بمعنى أنَّه ما من أحد مُتفائل وإيجابي بطبيعته؛ إنَّما ينبغي أن يدرِّب عقله على التفكير بإيجابية.

السبب أنَّه دون التدريب سنستمر في رفض الحاضر، وسنبقى نفكِّر في الماضي والمستقبل؛ فالعقل بطبيعته يميل إلى التفكير في أيِّ شيء عدا اللحظة الحالية؛ لأنَّ التفكير في الحاضر أمر يتطلب تركيزاً أكثر من التفكير في الماضي أو المستقبل.

شاهد: 7 نصائح للتخلص من التفكير في إخفاقات الماضي

 

من المفيد إذن أن نذكر أنَّ الأفكار وفقاً لهذا المفهوم لا تُعدُّ جزءاً من الشخص؛ بل هي مستقلة عنه، لكنَّ وعي الشخص يستطيع ملاحظتها؛ أي إنَّ أفكارك ليست أنت؛ لكنَّك تلاحظها بتجرد.

المشكلة هي أنَّ معظمنا يعتقد أنَّ أفكاره تحدد هويته، والحقيقة أنَّنا نصغي إلى أفكارنا بشدة، والنتيجة هي أنَّنا نواجه صعوبة شديدة في التركيز على اللحظة الحالية.

تقبَّل الحاضر واجعله صديقك:

يُقال في سوق الأسهم: “التوجه السائد صديقك”، وتأتي هذه الفكرة من استراتيجية تداول تُدعى تتبع التوجه السائد، وتنصُّ على أنَّ المتداول يجب أن يشتري أسهماً عندما تتجه هذه الأسهم إلى النمو ويبيع أسهماً عندما تتجه إلى الانخفاض.

يتوقع متداولو الأسهم أنَّ اتجاه سعر سهم معين نحو الانخفاض أو الارتفاع سيستمر؛ بمعنى أنَّه إذا اتجه سعر سهم معين نحو الانخفاض لمدة أسبوعين، فعلى الأرجح أنَّه سيستمر بالانخفاض لأسبوع آخر حتى يرتفع سعره من جديد، والتداول بعكس التوجه السائد في السوق يشبه الإبحار بعكس اتجاه الرياح التي تفوق السفينة قوةً بأضعاف، ومن غير المنطقي شراء أسهم تتجه نحو الانخفاض، إلا إذا كنت مستثمراً يثق بالشركة ويؤمن بقدرتها على النمو.

عندما كنت أمارس الجري ولاحظت تلك الأفكار استخدمت المهارات التي اكتسبتها من ممارسة التأمل لتحويل تركيزي إلى الحاضر، لكن في الوقت نفسه لاحظت أنَّ أفكاري تحاول مقاومة الحاضر.

انتبه لأفكارك في المرة القادمة التي تحاول فيها أفكارك تحويل انتباهك إلى الماضي أو المستقبل، وتحاول أفكارك دائماً تشتيت انتباهك بعيداً عن اللحظة الحالية؛ وبذلك تجعلك تسير بعكس تجاه الحياة نفسها، والذي دائماً ما يكون وفق الوقت الحاضر.

لذا بدلاً من التفكير دائماً في الماضي والمستقبل، عش بأفكارك حتى في اللحظة الحالية؛ لأنَّ هذه هي طبيعة الحياة، وإذا عشنا في الحاضر، فإنَّنا نتقبله بصدر رحب، وسنكون سعداء؛ إذ يقول الكاتب الألماني إيكهارت تول (Eckhart Tolle) في كتابه قوة الآن (The Power of Now): “أيَّاً كان ما يحدث معك الآن، تقبَّله كما لو كنت قد اخترته، واعمل على أساس ظروفك الحالية وليس بعكسها، اجعل الحاضر حليفك وليس عدوك”.

عندما تقاوم الحاضر، فإنَّك تصبح مشتتاً ومضطرباً وغير راضٍ، والأهم من ذلك أنَّك عندما تركِّز في أفكارك على وقت آخر غير الوقت الذي تعيشه، فإنَّك لن تحصد سوى المعاناة.

في الختام:

سِر مع الحاضر دوماً، وعش في اللحظة الحالية حتى في أفكارك واجعل الحاضر صديقك، وفي كلِّ مرة يحاول عقلك أن يأخذك إلى المستقبل أو الماضي، كن مدركاً لذلك، وتجاهل كلَّ فكرة تتعلق بالماضي أو المستقبل، وقل دائماً “الحاضر هو صديقي”.