منوعات

فتاة خود لا خود – مكساوي –

فتاةٌ خَودٌ لا خُودٌ

 

حظِيَ برنامجُ (شاعر المليون) التِّلفازي برعاية هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، بغير قليل من النجاح على مدار مواسمه المتتالية منذ عام 2006م، ولا يزال صدى البرنامج يتردَّد في آفاق وسائل التواصُل الاجتماعي، ولا سيَّما المواقفِ الطريفة فيه، وما كان بين الشعراء من مُساجَلات، وما بينهم وبين النقَّاد من مُماحَكات.

 

وانتشر بأخَرةٍ مقطعٌ مصوَّرٌ قديمًا من البرنامج في موسمه الأول، يبدو فيه الشاعرُ اليمانيُّ عبد الرحمن الأهدل وكأنَّه قد حَجَّ الناقدَ الأردُنِّيَّ د. غسان الحسن (غلبَه على حُجَّته)، فيما نقدَه به من مخالفته العربيةَ في بيت شعري. هذا ما بدا للناظر أوَّلَ وَهْلةٍ من ردِّ الأهدل الواثق، ومن تصفيق الجمهور وصفيرهم إعجابًا بجوابه!

 

والصوابُ على الحقيقة مع الناقد لا الشاعر، ولا أدري لمَ سكتَ الناقدُ عنه ولم يدمَغ حُجَّته! ولعلَّ الهَرْج والمَرْج اللذَين عَمَّا القاعةَ ممَّا أوهنَ عزمه على الردِّ!

 

وكان أخذَ الناقدُ على الشاعر قولَه في وصف فتاة: (الرَّداح الخُوْد) بضمِّ الخاء.

 

فإنه جمعَ في الوصف بين مفردٍ (رَداح) وجمعٍ (خُوْد).

 

ولكنَّ الشاعر احتجَّ بأن (الخُود) كذا بضمِّ الخاء: هي المرأة الشابَّة الناعمة. ونسبَ قوله إلى الحريري في مقاماته. ثم ذكر أن (الرَّداح) المرأة الطويلةُ الأوراك.

وقوله هذا خطأٌ صريح، ولو أنه فتحَ الخاء لاستقام كلامُه.

 

الخَوْدُ (بالفتح): الفتاةُ الشابَّة الناعمة الحسَنة الخَلْق.

 

والجمع خَوْداتٌ، وخُوْدٌ (بضمِّ الخاء)، مثل رُمْحٍ لَدْنٍ ورِماحٍ لُدْنٍ، ولا فعلَ له.

 

أي: فتاةٌ خَوْدٌ (بالفتح)، وفتياتٌ خُوْدٌ (بالضمِّ)[1].

 

ولم يقُل الحريريُّ ولا غيرُه ما ذكرَه الشاعر، وقد اختلط عليه الأمرُ فيما يبدو بين صيغتَي المفرد والجمع!

 

وكذلك قوله: (الرَّداح: طويلةُ الأوراك)، لا يصحُّ!

 

والصواب أن يقول: عظيمة الوَرِكَين أو ثقيلة الوَرِكَين (أو الأوراك) تامَّة الخَلْق[2].

 

قال ذو الرُّمَّة:

لَياليَ لا مَيٌّ خَروجٌ بَذِيَّةٌ

ولكِنْ رَداحٌ لم يَشِنها قَوامُها

 

أي: إن ميَّ ليست مُبتَذَلةً خرَّاجةً وَلَّاجة، ولا فاحشةً بذيئة، ولكنَّها ضخمةُ الوَرِكَين (صفة محبَّبة في المرأة يومئذ)، حسَنةُ القامة[3].

 

نقول إذن: فتاةٌ خَوْدٌ رَداحٌ، وفتياتٌ خُوْدٌ رُدُحٌ.

 

ولا نقول: فتاةٌ خُوْدٌ رَداحٌ، كما أننا لا نقول: فتاةٌ جميلاتٌ بدينةٌ!

 

وكثيرًا ما يجتمع هذان الوصفان (خَود رَداح) معًا، ومن ذلك اجتماعُهما في شعرٍ رائق لأبي نُواس (بضمِّ النون وتخفيف الواو) الحسن بن هانئ، غنَّاه المغنُّون وترنَّم به المنشدون، يقول فيه[4]:

 

ولا يكاد يسلَمُ المؤدُّون لهذه الأبيات غناءً، من الخطأ في ضبط ألفاظها الأولى؛ فيكسرون الطاء من (طَفْلة) ظنًّا منهم أنها الطِّفلة، أي: الجارية (الفتاة الصغيرة)، وليس بذاك، فالطَّفلةُ (بفتح الطاء): الفتاةُ الناعمة الرقيقة البشَرة. وكذلك يضمُّون الخاء من (خَوْد)، ويكسرون الراء من (رَداح)! والصواب ما بيَّنَّاه، والله تعالى أعلم.

 

ثم رأيتُ الشاعرَ الأهدل وفَّقه الله، في مقطع مصوَّر حديثًا، يذكر كثرةَ انتقاد المنتقدين لقوله في مسألة (الخَود)، وبدلَ أن يبوء بخطئه، ويفيءَ إلى رُشده، أبى إلا أن يخبِطَ خبطَ عشواءَ، وأن يزيدَ الطين بِلَّة؛ فشرَّق وغرَّب، وأتى بأقيسة فاسدة في الانتصار لقوله، خلط فيها الحابلَ بالنابل، غفر الله لنا وله! ولئن صفَّق لتخليطه هذا غيرُ متخصِّص، وطربَ له عاميٌّ وجاهل، إنه لا يُخدَع به ذو سَليقة، فضلًا عن عارف متخصِّص.

 

والحقُّ أحقُّ أن يُتَّبَع.


[1] انظر اللسان والقاموس (خ و د).

[2] انظر اللسان (ر د ح).

[3] انظر ديوان ذي الرُّمَّة غَيْلانَ بن عُقْبةَ العَدَوي، بشرح الإمام أبي نصر الباهلي، رواية الإمام أبي العبَّاس ثعلب، بتحقيق أستاذنا د. عبد القدُّوس أبو صالح رحمه الله، 2/ 1329.

[4] (التذكرة السَّعدية في الأشعار العربية) لمحمد بن عبد الرحمن العُبَيدي (ت بعد ٧٠٢هـ)، بتحقيق عبد الله الجبوري، ص576.