منوعات

البحث عن الزنا من خلال الدعوة

السؤال:

الملخص:

شاب كان ملتزمًا، ثم انتكس، لكن الله وفَّقه للتوبة إليه، وبدأ يعود للالتزام، ويمارس بعض الأنشطة الدعوية على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنه وجد من نفسه بحثًا عن المنحرفين جنسيًّا لدعوتهم وإرشادهم، وبدأت تحدِّثه نفسه بالزنا، ويسأل: هل يترك طريق الدعوة تمامًا أو لا؟

 

التفاصيل:

كنت شابًّا ملتزمًا طالبًا للعلم الشرعي لمدة تربو على تسع سنوات، ثم انتكست، فتركت طريق الالتزام كليةً، وحلقت لحيتي، وتخليت عن المنهج، أضف إلى ذلك أنني في الأصل مدمن للعادة السرية والأفلام الإباحية، ثمَّ مَنَّ الله عليَّ بالهداية، والرجوع إلى الطريق مرة أخرى، ووفَّقني ولأول مرة إلى التوبة نهائيًّا عن العادة السرية والإباحية، بعد إدمان دام لسنوات كثيرة، وبعد محاولات كثيرة باءت كلها بالفشل، فاجتهدت في تحصيل ما سبق من علمٍ وعبادة واحتواء لزوجتي وأطفالي قدر الاستطاعة، لكني وجدت نفسي وحيدًا، سيما أنني مغترب بسبب ظروف عملي، وأزور أسرتي كل مدة، وليست لديَّ صحبة، فشغلت نفسي بالدعوة، وقمت بإنشاء حسابات عديدة على السوشيال ميديا، أقوم من خلالها بالدعوة؛ سواء بالمنشورات، أو الصوتيات، أو غيرها، وطريقتي في ذلك أنني أدخل إلى المجموعات والصفحات الهدَّامة والضالَّة، وأصحاب العقائد الفاسدة، وغيرهم، وأستقطب المنحرفين منهم، ثم أدعوهم بالترغيب والترهيب، بالأدلة والبراهين، وهكذا، منهم من يستجيب، ومنهم من يأبى، لكني مؤخرًا وجدت نفسي أبحث عن الأشخاص أصحاب الانحرافات الجنسية، سيما أصحابِ الدياثة والمنحرفين في علاقتهم بزوجاتهم، وأخاطبهم للهداية والتوبة، وسرُّ ذلك علمي بحالتهم النفسية والعقلية، واستطاعتي مجاراتهم والحديث معهم، مع انتشارهم بكثرة في المجتمع، وفجأة أحسست بانحراف قلبي وراءهم، وبدأ قلبي يحترق بنار الشهوة، ويميل للانحراف مرة أخرى، وأحس برغبتي في الزنا، كلما خاطبت أحدهم، سواء كان رجلًا أو امرأة، الكارثة أنني صرت أبحث بإصرار عن الزنا خلف الدعوة؛ فبدأ يدب بداخلي إحساس بالنفاق، وأنني أستغل علمي الشرعي ودين الله في تلبية رغباتي وشهواتي، وكلما حاولت أن أتوقف، أنجرف ولا أستطيع التوقف، ففكرت لو تركت باب الدعوة تمامًا، وأغلقت كل حساباتي على السوشيال ميديا، وتفرغت للعبادة فقط، لكني أخشى أن أكون ممتنعًا عن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر مع ما عندي من العلم؛ فيعاقبني الله عز وجل، وفي الوقت نفسه، أخشى أن أقع في الزنا مع هؤلاء، وأنتكس وأضل الطريق، فلا أهتدي بعدها أبدًا، فما الحل؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة على رسول الله؛ أما بعد:

فملخص مشكلتك هو:

تعريضك نفسك لمواطن الفتن بحجة الدعوة إلى الله، وأنت غير محصن لا إيمانيًّا ولا علميًّا، ثم انتكاسات متعددة لك بسبب هذه الفتن، ثم تسأل عن الحل، فأقول مستعينًا بالله سبحانه:

أولًا: اعلم – وفقك الله – أن الواجب عليك أولًا تحصين نفسك إيمانيًّا وعلميًّا، وهذا التحصين قد يستغرق منك سنوات من الجد والاجتهاد، ولا تستعجل الدعوة وأنت خاوٍ إيمانيًّا وعلميًّا.

 

ثانيًا: من الخطأ الواضح وضوح الشمس في وسط النهار استعجالك في الدعوة قبل التحصيل والتحصين، وهذا الاستعجال هو من أسباب الفتن الكثيرة التي حصلت لك ولغيرك.

 

ثالثًا: من المنزلقات الخطيرة، وأسباب الفتن العظيمة للشباب المبتدئين ما حصل منك من الدخول على مواقع الملاحدة والإباحيين وغيرهم؛ بحجة دعوتهم إلى الله، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وأنت ما زلت غضًّا طريًّا تحتاج للمثبتات العلمية والإيمانية، وينتج عن هذا الحماس العاطفي غير المدروس أن تستقر فتنهم وشُبُهاتُهم وشهواتهم في قلبك، وتحرفك عن الطريق المستقيم.

 

رابعًا: لخطورة التعرض للفتن والشبهات؛ حذرنا منها ربنا سبحانه؛ كما في قوله سبحانه: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ * رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: 7، 8].

 

لاحظ كيف خُتمت الآيتان بالثناء على الراسخين في العلم، وبيان موقفهم الثابت العظيم، ثم خُتمت بالدعاء بالثبات.

 

خامسًا: ولخطورة الفتن؛ حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم، وبيَّن المآل الخطير لمن تشرَّبها؛ كما في الحديث الآتي: قال حذيفة رضي الله عنه: سمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((تُعْرَضُ الفتن على القلوب؛ كالحصير عودًا عودًا، فأيُّ قلبٍ أُشْرِبَها نُكِتَ فيه نكتةٌ سوداء، وأيُّ قلب أنكرها نُكِتَ فيه نكتة بيضاءً، حتى تصير على قلبين، على أبيضَ مثْلِ الصفا، فلا تضره فتنةٌ ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسودُ مُرْبَادًّا؛ كالكوز مُجَخِّيًا، لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا، إلا ما أُشْرِبَ من هواه))؛ [رواه مسلم].

 

سادسًا: من الخطأ البيِّن انسياق بعض الشباب والشابات مع العاطفة الجياشة لدخول مواقع النَّتن العقدي، أو الشهواني؛ بحجة الدعوة والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وهم لم يحصنوا أنفسهم لا إيمانيًّا ولا علميًّا، فتستقر الشُّبَهُ والشهوات العفنة في القلوب، وقد يصعب بعد ذلك إخراجها بسبب الجهل، وبريق الشبه والشهوات، وهذه فتنة عظيمة، واستدراج من الشيطان للانحراف.

 

سابعًا: ولما سبق؛ فإني أنصحك بجدٍّ أن تهجر هذه المواقع كلها جملة وتفصيلًا، وأن تتفرغ لِما هو أنفع لك وأجدى من الإكثار من العبادات؛ من صلاة، وتلاوة للقرآن، وصيام، وقيام، وطلب للعلم النافع عند العلماء الراسخين.

 

ثامنًا: أكثر من الاستغفار من ذنوبك السابقة بصدق وإخلاص، وأبْشِرْ بعد ذلك بالقبول والثبات بإذن الله.

 

حفظك الله، وثبتك، وأعاذك من شرور الفتن.

 

وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.