منوعات

حكايات من عالم النسيان.. معاناة كبار السن مع ألزهايمر


نشر في:
الأربعاء 11 يناير 2023 – 8:04 م
| آخر تحديث:
الأربعاء 11 يناير 2023 – 8:04 م

وزارة الصحة: المرض ليس له علاج حتى الآن ويحتاج إلى عناية الأهل
برلمانية تطالب بزيادة دور المجتمع المدنى فى التوعية بكيفية التعامل مع المرضى
«الباقيات الصالحات»: وضع الأبوين بدار المسنين مع وجود ود من قبل الأهل يساعدهما على الحياة بشكل أفضل
محام: التعدى على الأبوين جنحة… والقانون لا يعاقب على عقوق الوالدين
باحث فى أمراض الشيخوخة: الرقص بالتناسق العضلى العصبى يساعد على عدم الإصابة بالزهايمر
رجال الدين: بر الوالدين فى الصحة والمرض أهم واجبات الأبناء
بقلب منكسر، ووجه نحتت الشيخوخة ملامحه، ظلت العجوز تردد الأسئلة مرارا وتكرارا بلا مجيب: أين أولادى؟ محمد فين؟ عايزة بنتى ولاء.. فين أولادى؟ هكذا كان حال الستينية سماح التى تعيش منذ سنوات فى إحدى دور الرعاية الاجتماعية.

الفاجعة هى أن «سماح» ليس لديها أبناء من الأساس وأنها مريضة بألزهايمر، حيث حلت ضيفة على هذه الدار بعد أن فقدت زوجها، فجعت السيدة وتوالت الصدمات بطردها من منزلها على يد أسرة زوجها الراحل، لتصبح شريدة بلا مأوى، لم يستوعب عقلها ما حدث ليذهب عقلها ويستقر جسدها فى مكان تتشابه فيه الحكايات.

سماح واحدة من اللائى يقبعن فى عالم النسيان، الذى قررت «الشروق» الدخول إليه، بما فيه من أوجاع وآهات وآلام لا يشعر بها غير من عاناها وطالته الكسرة بسببها، فهى واحدة من 47 مليونا مصابين بألزهايمر بالعالم، وهو رقم مرشح للزيادة إلى 75.6 مليون نسمة فى عام 2030، بحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية.

بينما فى مصر، لا يوجد حصر دقيق بأعداد مرضى بألزهايمر، حيث تصفه وزارة الصحة ضمن الأمراض العصابية ولا يحتاج إلى حجز داخل المستشفيات، ولذلك لا يتم التعامل مع المريض على أنه حالة مرضية تحتاج أماكن مخصصة للعلاج كسائر الأمراض المزمنة، بحسب تصريحات المتحدث باسم وزارة الصحة الدكتور حسام عبدالغفار لـ«الشروق».

ما اسمك يا جدتى؟ لم تجب. هل تعرفين أولادك؟ نظرت إلى بشرود، ماذا عن حياتك الماضية؟ صمت بلا نهاية. هكذا تبدو حالة الحاجة «زينب»، التى ربما تكون فى مأمن الآن كونها نزيلة إحدى دور الرعاية، بخلاف من لم يمكنهم الحصول على تلك الميزة، ربما يكونون معرضين لأذى أكبر من المرض وهو الاعتداء وإن شئت قل «جحود الأبناء».

• اعتداءات على الآباء بدعوى الضيق من الشيوخة

انتشرت فى الفترة الأخيرة أخبار من نوعية اعتداء شاب على والدته الطاعنة فى السن، ففى فيديو تداول على نطاق واسع، أقدم شاب على الاعتداء على والدته مرتين بواسطة آلة حادة، حيث كان يأمرها بأن تجلس القرفصاء، قائلًا: «ربعى رجلك».

وظهرت السيدة العجوز ــ التى تبلغ من العمر 97 عاما ــ بحالة واهنة، أكدت تحريات الشرطة لاحقا بأن سبب تعدى المتهم على والدته ضِيقُه من مرضها وشيخوختها.

وفى مقطع فيديو آخر يظهر خلاله أحد الأشخاص يعتدى على والدته المصابة بمرض الشيخوخة باستخدام كرسى، لإجبارها على التنازل له عن كشك ملكها، قبل أن تلقى أجهزة الأمن القبض على المتهم.

وقائع كثيرة لم تطلها يد السوشيال ميديا، فما موقف القانون لحماية هؤلاء العاجزين عن حماية أنفسهم، فى الوقت الذى ترى فيه منظمة الصحة العالمية أنه كثيرا ما يُحرم المرضى من الحقوق والحريات الأساسية التى يتمتع بها غيرهم.

يقول المحامى بالنقض سامى حمدان مبارك، إن جنحة الضرب من الجنح البسيطة مقارنة بغيرها ما دامت لم تصل إلى إصابة الضحية أو عدم قدرته على أداء مهامه الأساسية مدة أكثر من 20 يومًا، أيا كان هذا الشخص سواء تربطة صلة قرابة أو لا بالشخص الذى اعتدى عليه بالضرب، مشيرا إلى وجود جنحة ضرب مشددة وتكون عقوبتها شديدة.

وأضاف حمدان، لـ«الشروق»، أن قانون العقوبات المصرى لا يتضمن نصا عقابيا خاصا ينظم جريمة عقوق الوالدين، أو التعدى عليهم، لذا فإن هذا الأمر تحكمه النصوص العامة المتعلقة بجريمة التعدى بالضرب أو إحداث جرح التى ينظمها أحكام الباب الأول من الكتاب الثالث من قانون العقوبات خاصة المواد من 240 حتى 245 والتى تتراوح العقوبات فيها ما بين الغرامة والحبس والسجن مع الأشغال الشاقة حتى 10 سنوات حسب جسامة الفعل.

النيابة العامة دخلت على خط التصدى لمثل هذا النوع من الجرائم، فأكدت فى بيان سابق لها تصديها الحازم لمثل هذه الوقائع الشاذَّةِ عن المبادئ والقيم الأسرية فى المجتمع المصرى، الذى يقدس برَّ الوالدين والإحسان إليهما وإكرامهما فى كبرهما، مؤكدة ملاحقتها مرتكبى هذه الجرائم المستهجنة والغريبة عن مجتمعاتنا بصرامةٍ بما خوَّلها له القانون.

• تحرك برلمانى لإنقاذ المسنين

لجنة التضامن بمجلس النواب لم تكن بعيدة عن تلك القضية، حيث ناقشت خلال الأسابيع الماضية مشروع قانون حقوق المسنين والذى تضمن تمكين كبار السن من المشاركة فى الحياة العامة وتعزيز مشاركتهم فى صياغة السياسات الخاصة بهم، وتشجيع التوسع فى إنشاء دور رعاية للمسنين، وتوفير رفيق للمسن فى منزله، والحق فى الرعاية النفسية وإعادة التأهيل للمسن.

تعتقد النائبة مرثا محروس أن نسبة إهمال الابن لوالديه فى الريف أقل نسبيا من المدن نظرا لتمسكهم بتقاليدهم وشعورهم بالمسئولية تجاه ذلك، مطالبة بزيادة دور المجتمع المدنى فى التوعية بكيفية التعامل مع المصابين بمرض ألزهايمر وعدم السخرية منهم ورعايتهم، لافتا إلى أنه نظرا لانتشار السخرية والتنمر عليهم تم وضع عقوبة للحد من ذلك.

• «الباقيات الصالحات».. مأوى كبار السن

أمام قسوة الأبناء والشارع، يبقى العمل الخيرى هو طوق النجاة لكثيرين فقدوا ذاكرتهم، يتصدر هذا العمل جمعية الباقيات الصالحات، التى أسستها الدكتورة عبلة الكحلاوى، وهى جمعية خيرية متخصصة فى رعاية الأطفال الأيتام ومرضى السرطان وكبار السن من مرضى ألزهايمر.

تؤكد الدكتورة رودينا ياسين، نائب رئيس مجلس إدارة جمعية الباقيات الصالحات، أن مرض الزهايمر مرهق ويحتاج إلى رعاية مكثفة وليس فردية، موضحة أنه يؤثر على المريض بدرجات متفاوتة، مما يجعله يتصرف كأنه بمرحلة طفولية مبكرة وينسى كل أساسيات الحياة.

وقالت رودينا فى تصريح لـ«الشروق»، إن السائد فى المجتمع أن من يرسل والديه إلى دار المسنين يعد غير بار بهما وهو أمر خاطئ، مشيرة إلى أن وضع الأبوين بدار المسنين مع وجود ود من قبل الأهل يساعدهما على العيش بشكل أفضل خاصة مع وجود رعاية صحية متكاملة من قبل القائمين على الدار.

وذكرت أن من أصعب المواقف التعامل مع الأشخاص الذين لديهم وعى، فيتحدثون بشكل طبيعى ولكن يشردون فى منتصف الكلام، مضيفة أن مريض الزهايمر يتذكر المرحلة السعيدة التى عاشها أو المرحلة التى كان يريد أن يعيشها، موضحا أنه يجب على كل شخص أن يحسب تصرفاته ويضم نفسه إلى قائمة «الشيخوخة الإيجابية» وذلك عن طريق الاعتماد على نفسه وممارسة المسائل الحسابية لتمرين العقل والعمل على الكشف المبكر لجينيات الزهايمر وإذا وجد أى شىء لا بد من تناول الأدوية قبل الإصابة.

تقترح ياسين بأن يتم تعميم نظام الحضانة النهارية وهو وضع المريض فى الفترة الصباحية بإحدى دور الرعاية ويعود للعيش مع أهله فى المساء، مشيرة إلى أنه نظام معمول به ويلقى إقبالا من الأهالى الذين لديهم ارتباطات عمل، مع تنظيم دورات تدريبية لتعليم الأهالى كيفية التعامل مع مرضى ألزهايمر، خاصة وأن المريض يعود إلى طفولته ويتصور أشياء لا تحدث فى الواقع.
تعج دار الباقيات الصالحات بالكثير من الحكايات، من بينها حكاية «البرنسيسة»، الاسم الذى اكتسبته داخل الدار، عجوز تخطت الـ85 عاما لا تتذكر من حياتها غير أنها كانت تعيش حياة رفاهية كاملة ولا ينقصها شىء، فهى التى شاهدت ليالى باريس وتسوقت فى أكبر المولات العالمية، وتناولت أشهى الأكلات، إلا أن كل هذه المزايا قد أصبحت من الماضى بعدما تركها أبناؤها للعمل فى دول أوروبية وباتت وحيدة لا يزورها إلا قليلا، فنسجت فى خيالها عالما عاشت فيه وحيدة.

تروى البرنسيسة لـ«الشروق» من وحى ما يجول فى ذاكرتها عن أشهر المحال فى الشانزلزيه، وطعم الأجبان فى سويسرا، وأغلى الفساتين فى لندن، ورغم كبر سنها ومرضها إلا أنها ما زالت تستطيع أن تسحرك بطريقة حديثها وصوتها الراقى وكأنك تسمع أحلى برنسيسات الزمن الجميل.

• مفتاح الفوز فى معركة ألزهايمر

فى هذا السياق، يؤكد الدكتور سامح سعد على، الباحث فى أمراض الشيخوخة، أن مرض الزهايمر جزء من الأمراض التى تصيب كبار السن، كما أن الأشخاص فى سن الثلاثين عرضه للإصابة بالمرض.

وأضاف سعد لـ«الشروق» أنه يجب التوجه إلى أطباء متخصصين مبكرا قبل حدوث فقدان تام للذاكرة لمن تظهر عليهم الأعراض، ليحاولوا إبطاء عملية الفقدان العصبى المؤدى للمرض، مشيرا إلى أن المرض يبدأ بفقدان تدريجى للذاكرة وعدم القدرة على التركيز ثم يتحول إلى خرف شيخوخى ويتطور الأمر إلى فقدان تام للذاكرة.

وتابع: «لا يجب معاملة مريض ألزهايمر من البداية على أنه مريض حتى لا يتسارع تدهور حالته، كما يجب عدم استغلال مرضهم لمصالح شخصية.. فهناك أشخاص يستولون على ممتلكات والديهما بشكل غير قانونى».

يلفت أيضا إلى أن هناك أمورا سلوكية تصيب الأشخاص مثل الوهم بفقدان الذاكرة، لذلك يقترح بعض الأشياء للتقليل من حدة الإصابة، منها: «ممارسة الرياضة المستهدفة مع التناسق العضلى العصبى، لعب ألعاب رياضية تستهدف تمرين الأعصاب الدماغية، ممارسة الرقص الذى يستهدف تحقيق التناسق العضلى العصبى، والتنوع فى الطعام وعدم التركيز على تناول النشويات والسكريات بشكل مكثف، تناول فيتامينات ومضادات الأكسدة؛ لتؤخر المرض» مشيرًا إلى أن جميع الدراسات أكدت عدم وجود أدوية تؤخر المرض بشكل مباشر حتى الآن.

رغم ضآلة نسب الشفاء، تعتقد منظمة الزهايمر العالمية، وفقا لتقرير لها، أن مفتاح الفوز فى المعركة ضد عالم النسيان يكمن فى مجموعة فريدة من الحلول العالمية والمعرفة المحلية، فهى تعمل محليا على تمكين الجمعيات الوطنية لتعزيز أدوارها فى تقديم الرعاية والدعم لمرضى الزهايمر وذويهم، الذى قد يؤدى إلى إجهاد أسر المرضى ومن يقومون على رعايتهم، ويمكن أن تتسبب الضغوط الجسدية والعاطفية والاقتصادية فى إلحاق كرب عظيم بأفراد أسر المرضى والقائمين على رعايتهم.

ولما كانت قضية التعامل مع مرضى ألزهايمر ترتبط بشكل وثيق بطبيعة العلاقة بين الآباء والأبناء، فإن البعد الدينى يظل حاضرا فيها بقوة.

يقول الشيخ عبدالحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر، إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصبح وأمسى مرضيا لوالديه؛ أصبح وأمسى وله بابان للجنة، ومن أصبح وأمسى مغضبا لوالديه؛ أصبح وأمسى وله بابان للنار.. قيل وإن ظلماه يا رسول الله قال وإن ظلماه وإن ظلماه».

وأضاف لـ«الشروق» أن الله تعالى أمرنا ببر الوالدين والإحسان إليهما فى حياتهما وبعد مماتهما، وجاء فى القرآن الكريم بر الوالدين بعد عبادة الله وعدم الشرك به، وهذا يؤكد أهمية الإحسان لهما، مشيرًا إلى أن الإسلام جعل عقوق الوالدين كبيرة من الكبائر وأيضا ورد بالتوراة على لسان نبى الله موسى أن الله تعالى قال له: «يا موسى كلمة واحدة تزن عندى جميع جبال الدنيا والخطايا وهى أن يقول الابن لأبيه لا لبيك» وهذه من العقوق.

وتابع: «كل ذنب يؤخره الله كما يشاء إلى يوم القيامة ما عدا عقوق الوالدين فلا بد من تعجيله لصاحبه فى الدنيا»، متحفظًا على فكرة إرسال الوالدين إلى دار المسنين داعيًا يدعو إلى برهما «فلا يجوز للابن أن يظهر الضجر أمام والديه، وليس فقط يرسلهما إلى دار المسنين».

من جانبه، قال القس رفيق جريش، كاهن كنيسة القديس كيرلس للروم الملكيين الكاثوليك بالكوربة بمصر الجديدة، إن إكرام الوالدين وبرهما من الوصايا العشرة الموجودة بالكتاب المقدس ومنها «أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض»، مؤكدا أن الإكرام هنا المقصود به الاحترام والرعاية.

وأضاف جريش لـ«الشروق»، أن إهانة الابن لوالديه تعتبر من العقوق، ويجب على الإعلام بث الوعى فى المجتمع، معتبرًا أن إرسال الوالدين إلى هيئة متخصصة بدار المسنين شىء خاطئ غير مقبول، مطالبا بالاهتمام بهما وعدم تركهما.

وعن عدم قبوله إرسال الآباء إلى دار المسنين، أكد أن هناك كثيرا من الآراء حول ذلك الموضوع حيث يرى البعض أن فكرة إرسالهم إلى دار المسنين فى مصر هى فكرة غير مقبولة، فيما يرى آخرون أنه ليس عيبا أو خطأ أن يرسل الأبناء والديهما إلى دار المسنين بدلا من إهمالهما وتركهما وذلك لوجود أطباء ومتخصصين فى هذه الدور تكفل رعاية آمنة للمسنين.

أما عن تعامل الفن فى التعامل مع مرضى ألزهايمر، فيقول الناقد الفنى طارق الشناوى فى حديثه لـ«الشروق»، أن مسئولية الدراما هى بث الوعى بين الناس والحث على رعاية هؤلاء الأشخاص، مرجحا عدم إرسال مصابى الزهايمر إلى المصحة بل الاعتناء بهم من قبل الأهل وتقديم العون الخاص لهم فى محنتهم.

وأشار إلى أن انتشار السخرية بين الناس على المصابين بالأمراض بدلا من تقديم العون والتعاطف لهم، كان سببا فى تكرار بعض الظواهر السلبية فى المجتمع.