منوعات

النموذج النبوي في بناء الحياة الزوجية


المزيد من المشاركات

النموذج النبوي في بناء الحياة الزوجية

إن الناظر في واقع الأُسَرِ اليوم، يجد أن ثَمَّ فارقًا كبيرًا بين معاملات النبي صلى الله عليه وسلم، وما نراه من مشكلات اجتماعية ملأت بيوت المسلمين، إلا من رحم ربي؛ لبعدهم عن هَدْيِ النبي صلى الله عليه وسلم في بناء الأسرة، وحاله مع زوجاته وأولاده وأقاربه، وكيفية معالجة المشكلات التي تحدث بين أفراد الأسرة.

 

ولكي يعيش الزوجان حياة سعيدة في أسرة تعلوها الفرحة، وتملؤها السعادة، لا بد من الرجوع إلى الطريقة التي بيَّنها لنا الشارع في التعاملات الأسرية؛ فقد قال تعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 19]؛ أي: وخالِقُوا – أيها الرجال – نساءكم وصاحبوهن؛ يعني بما أمرتكم به من المصاحبة”[1]، وقد طبَّق النبي صلى الله عليه وسلم شطر هذه الآية في إقامة بيته؛ فكانت النتيجة أن “كان صلى الله عليه وسلم حسن العشرة مع زوجاته، دائم البِشر، حريصًا على إدخال السرور إلى أنفسهن، يجلس إليهن، ويأكل معهن، ويحادثهن، ويمازحهن، ويشاورهن، ويستمع إليهن، ويواسيهن، ويطمئن عليهن، ويتغاضى عن تقصيرهن وأخطائهن”[2].

 

فيوم أن تتبع الزوج زلَّات زوجته، وقل التعاون والتشاور والتحاور، كثرت المعوقات في طريق بناء أسرة صحية على المجتمع يوم أن بعدنا عن هديه صلى الله عليه وسلم؛ فترى كل يوم وتسمع عن حالات طلاق أو خلع أو نشوز، فتارة تجد إهمال كل منهما حقَّ الآخر، أو قد يكون الزوج غضوبًا عنيدًا شديدًا، لا يتفهم ولا يتفاهم مع زوجته وأولاده، وتارة أخرى تجد المرأة ترفع صوتها على زوجها، وإن طلب منها شيئًا ولم يكن تبعًا لهواها، غادرت منزله إلى بيت أبيها غاضبة.

 

فالنبي صلى الله عليه وسلم خيرُ زوج عرفته البشرية، فكان قدوة للأزواج على مر العصور السالفة وتوالي الدهور الخالفة؛ فقد حث على الإحسان إلى الزوجات وبذل المعروف لهن؛ فعن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي))[3]، فهذا الحديث يدل على “حسن خلق رسول الله؛ فإنه على خلق عظيم، والأهل يشمل الزوجات والأقارب، بل الأجانب أيضًا، فإنهم من أهل زمانه”[4]، وفي هذا الحديث يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه في طريقته في تعامله مع زوجاته بقوله: ((وأنا خيركم لأهلي))؛ ليكون نبراسًا مضيئًا لمن بعده من أمته؛ فهو خير الأزواج لزوجاته برًّا ونفعًا[5]، فليكن قدوتنا في معاملاتنا رسولنا الكريم.

 

ولهذا كان على خلق عظيم مع الناس أجمعين، خاصة أهل بيته؛ ألم تقرأ في سنته صلى الله عليه وسلم في تواضعه مع زوجاته من أنه كان يَخِيط ثوبه، ويخصف نعله، ويحلب شاته؟! فليتعاون الزوجان لبناء أسرة ناجحة، تُبنى على الحب والتعاون والتحاور، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


[1] جامع البيان في تأويل القرآن: محمد بن جرير بن يزيد الطبري (ت: 310ه)، حققه/ أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 ه، 2000 م، 8/ 121.

[2] كيف عاملهم: 58.

[3] (حديث حسن صحيح): الجامع الكبير (سنن الترمذي): محمد بن عيسى الترمذي، أبو عيسى (ت 279ه)، حققه/ بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي – بيروت، 1998 م، رقم (3895)، 6/ 192.

[4] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: علي بن سلطان محمد الملا الهروي القاري (ت 1014ه)، دار الفكر، بيروت لبنان، الطبعة الأولى، 1422ه – 2002م، 5/ 2125.

[5] التيسير بشرح الجامع الصغير: زين الدين محمد المدعو بعبدالرؤوف بن تاج العارفين الحدادي المناوي القاهري (ت 1031ه)، مكتبة الإمام الشافعي الرياض، الطبعة الثالثة، 1408ه – 1988م، 1/ 533.

رابط المصدر