منوعات

ما هو خطأ الإسناد الأساسي؟

المشهد الثاني: تصل إلى منزلك فيهرع طفلك لملاقاتك على الدرج ويتعثر فينزف رأسه بغزارة، وتحمله إلى السيارة وتنطلق مسرعاً متجاوزاً أرتال السيارات وإشارات المرور وتقطع ممر المشاة الذي كان خالياً لحسن حظك، فيشتمك المارة ويصرخ في وجهك سائقو السيارات فتعجب لأمر هؤلاء الناس الذين لا يلتمسون لأخيهم سبعين عذراً ولا يفكرون ولو لوهلة واحدة أنَّ أمراً مستعجلاً طارئاً قد حدث معك أو أنَّ قضية حياة أو موت واجهتك ودفعتك لمخالفة النظام، أنت الذي لم تسجل بحقك مخالفة مرور واحدة سابقاً.

إذا ما أمعنَّا النظر في المشهدين الاعتياديين السابقين نجد أنَّ تركيزك انصبَّ على الأسباب الخارجية التي دفعتك للقيام بالتجاوز السابق (فأنت كنت تسعف مريضاً بوضع حرج)، وانصب تركيزك على الأسباب والصفات الداخلية للشخص الذي قام بالموقف عينه (بأنَّه شخص متهور وأرعن ومستهتر)، وهذا ما يدعى في علم النفس الاجتماعي “خطأ الإسناد الأساسي”، فإذا كنت قد وجدت هذا المصطلح مثيراً أو غريباً فتفضل بقراءة مقالنا لتعرف بوضوح أكثر ما هو خطأ الإسناد الأساسي.

ما هو خطأ الإسناد الأساسي؟

خطأ الإسناد الأساسي أو خطأ العزو الأساسي أو خطأ الإنساب الأساسي أو خطأ الإحالة الأساسي أو تأثير الإسناد أو تحيُّز المراسلة؛ هي جميعها مرادفات للمصطلح عينه الذي قام علم النفس الاجتماعي بتعريفه على أنَّه الادعاء بأنَّ الكائن البشري عموماً يتخذ سلوكاً في التفكير في أثناء تفسيره لتصرفاته، متناقضاً مع سلوكه في التفكير في أثناء تفسير تصرفات الآخرين.

في تفسير الإنسان لسلوكاته نجده يركز على العوامل الخارجية والظروف التي دفعته إلى هذا التصرف، محملاً هذه الظروف المسؤولية الكاملة في أفعاله التي جاءت على هذا النحو، أما في حالة تفسير سلوك الآخرين فنجده يركز تركيزاً لا واعياً وغير مبرر على الخصائص الفردية للشخص، كطبيعته الشخصية أو تعمده المسبق للقيام بهذا السلوك، متناسياً الظروف الخارجية التي قد تكون السبب الكامن وراء فعل الآخر كما كانت وراء فعله هو.

في المثال الذي أوردناه في المقدمة وجدنا أنَّنا في حالة كنا نحن من تجاوز إشارة المرور، فإنَّنا وضعنا لأنفسنا الأعذار التي تبرر اختراقنا للقانون، والتي تُعَدُّ موجبة ومقنعة إذا ما قسناها بمعايير المنطق، فالأبوة من جهة والخطر على حياة طفل من جهة أخرى هي أسباب تبرر تجاوز إشارة المرور، ولكنَّها لم تخطر في بالنا عندما كان الآخر هو من قام بهذا التصرف؛ بل بخلاف ذلك تماماً، سارعنا إلى وسمه بصفات تتعلق بشخصيته وطبيعته بكونه مستهتراً وغير مسؤول وكأنَّه تعمَّد تجاوز النظام وخرق قواعد السير، وحكمنا للوهلة الأولى عليه شخصياً.

شاهد: كيف تتخلص من السّلوك السيء؟

 

ما هو سبب خطأ الإسناد الأساسي؟

إنَّ سبب خطأ الإسناد الأساسي الذي يدفع البشر إلى سلوك هذا الطريق في التفكير هو صعوبة تقييم الكم الهائل من المعلومات الذي يرد إلى الدماغ البشري كل يوم، ومع تصاعد استخدام الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي نجد أنفسنا مرغمين على اتخاذ عشرات القرارات يومياً الهامة منها والهامشية، مستندين إلى أحكامنا ورؤيتنا للأمور والمعلومات التي نملكها أو نبحث عنها المتعلقة بموضوع معين.

إنَّ الحصول على كم هائل من المعلومات يومياً يجعل من عملية مراجعة وتقييم صحة كل ما يدخل إلى رؤوسنا أمراً مستحيلاً، وهذا يدفعنا إلى التحيز واتخاذ قرارات سريعة مبنية على الاستدلال، وهذا بدوره يوقعنا في فخ خطأ الإسناد الأساسي.

إنَّ خطأ الإسناد الأساسي أو تحيز المراسلات كما يدل اسمه يحمل في ثناياه مبالغة في تقدير الدوافع الشخصية والتصرفات في تفسير السلوك الصادر عن الآخرين، ويقوم بتشويه الآراء التي نطلقها بناءً على الجهة التي صدرت عنها.

إذا كان مصدر هذه المعطيات من موقف مررنا به شخصياً وقمنا بتصرف معين على أساسه فإنَّنا نضع الأعذار ونتلمس المبررات، أما إذا كان مصدرها تصرفات الآخرين فإنَّنا نقوم بتقليل أهمية الظروف الخارجية، وهذا يعني أنَّنا نتعامل بازدواجية معايير في التقييم، وبناءً على الطرف المرسل للتصرف، فإذا كان داخلياً فإنَّنا نتصرف بمنطق، أما إذا كان خارجياً فإنَّنا نطلق أحكاماً تعسفية.

ما هو الفرق بين الصفات الداخلية والصفات الخارجية في خطأ الإسناد الأساسي؟

إنَّ الإسناد الداخلي يكون بسبب التذرع بالصفات الداخلية للشخص في خطأ الإسناد الأساسي، وهنا نحمِّل الشخص مسؤولية ما وقع عليه من أحداث وما يمر به من ظروف، ملقين اللوم على صفاته الشخصية وخصائصه الداخلية ومواقفه.

على سبيل المثال، إذا طُرد أحد ما من عمله فنحن نعزو سبب ذلك إلى كونه غبياً أو كسولاً أو غير كفء لأداء هذه المهمة، وهذه الأسباب هي صفات ثابتة ومستقرة للشخص.

أما الصفات الخارجية في خطأ الإسناد الأساسي فهي تنسب الأحداث إلى الظروف الخارجية المتغيرة، وتجزم بأنَّ العوامل الظرفية هي التي تسببت بوقوع الحدث، فإذا ما تم فصلي من العمل فلن أعلل ذلك بعدم كفاءتي أو طباعي السيئة؛ بل سأقول إنَّني كنت أواجه يوماً عصيباً دفعني للصراخ على الزبائن، وأنَّ مديري الأحمق قد طردني لأنَّه لا يقدر ظروف الآخرين ولا يتفهم المواقف ولا يقدر قيمة موظفيه، ففي هذه الحالة فإنَّ الصفات الخارجية استندت إلى عوامل ظرفية “مواجهة يوم عصيب” وخصائص داخلية للآخر “عدم كفاءة المدير”.

دور الثقافة في حدوث خطأ الإسناد الأساسي:

تؤدي الثقافة التي يتبع لها الفرد دوراً كبيراً في قيامه بخطأ الإسناد الأساسي، ولقد قام الباحثون بالكثير من الدراسات التي أثبتت أنَّ خطأ الإسناد الأساسي لا يحدث بالمستوى نفسه في جميع أنحاء العالم، ووجد “ماركوس وكياتاما، 1991” أنَّ المجتمعات التي يندرج أفرادها ضمن الثقافات الفردية أكثر عرضةً للوقوع في التحيز وخطأ الإسناد الأساسي مقارنةً بالمجتمعات التي ينتمي أفرادها إلى ثقافات جماعية.

هذا ما يفسر عزو الآسيويين الذين ينتمون إلى ثقافة الجماعة المواقف إلى العوامل والظروف الخارجية أكثر من الغربيين الذين ينتمون إلى ثقافة الأفراد والذين ينسبون الأحداث إلى صفات الفرد وخصائصه.

تؤثر الثقافة التي ينتمي إليها الفرد في نظرته ومعالجته للأمور وتؤدي دوراً في تحيزه، فالأفراد في الدول الغربية ينظرون إلى أنفسهم بأنَّهم مستقلون، ومن ثمَّ هم عرضة للوقوع في خطأ الإسناد الأساسي أكثر من الأفراد الذي ينظرون إلى أنفسهم بأنَّهم جزء من مجموعة؛ إذ لوحظ أنَّ هذه الفئة تركز على السياق الذي جرت فيه الأحداث وتنسب إليه المواقف والأحداث.

يمكن ملاحظة هذا الفرق في تأثير الثقافة في معالجة الأفراد للأحداث عن طريق الاطلاع على اللوحات الفنية التي يرسمها فنانون منتمون إلى ثقافات مختلفة، فاللوحات التي يرسمها الأوربيون غالباً ما تكون لشخصية تحتل نسبة كبيرة من الصورة وبتفاصيل جلية واضحة تبرز أنَّ الفرد بحد ذاته محور للأحداث، أما في الثقافة اليابانية مثلاً فإنَّ اللوحات تحتوي على شخوص بشرية متعددة وأصغر حجماً وموجودة في بيئات طبيعية، وهذا يوضح نظرتهم بأنَّ الفرد جزء من كيان كبير يؤثر ويتأثر به.

على سبيل المثال، إنَّ المسلمين الذي يشتركون فيما بينهم بالانتماء إلى الدين الإسلامي يؤمنون بالتماس الأعذار لإخوانهم، وفي هذا الصدد لدينا حديث شريف مأثور: “التمس لأخيك سبعين عذراً” يوضِّح للجماعة كيف أنَّ الظروف تكون السبب وراء الفعل أكثر من خصائص الفرد، ويبعدهم عن فخ خطأ الإسناد الأساسي، وهذا تعزيز لمبدأ إحسان الظن بالآخرين الذي سعى الدين الإسلامي إلى تكريسه رغبةً بمجتمعات متراحمة.

شاهد أيضاً: 6 صفات تدلّ على الشخصية السلبية

 

كيف يمكن تصحيح خطأ الإسناد الأساسي؟

على الرغم من أنَّ الثقافة المجتمعية للبيئة التي يعيش فيها الفرد تؤدي دوراً هاماً في تحيز الأفراد، إلا أنَّ إلغاء هذا التحيز والتحرر منه ليس أمراً مستحيلاً، ويمكن تصحيح خطأ الإسناد الأساسي عبر اتباع هذه الخطوات:

  1. قبل التسرع وإطلاق الأحكام لا بد من إيلاء الاهتمام للمعلومات والآراء المتوافقة، فإذا ما أجمع عدد كبير من الناس على تصرُّف معين في موقف ما، فإنَّ السبب يكون في الموقف بحدِّ ذاته، وبالعودة إلى مثالنا فإنَّ أي شخص يقود سيارته إلى المستشفى لإسعاف مريض في حالة حرجة سيقوم بتجاوز إشارات المرور؛ وذلك لأنَّ في تأخيره الناجم عن الانقياد بالضوابط إضاعة لفرص نجاة الشخص المريض.
  2. من أجل تصحيح خطأ الإسناد الأساسي وتجنب إطلاق الأحكام وقذف الاتهامات لا بد أن نضع أنفسنا ولو للحظة واحدة مكان الشخص الآخر، ونفكر كيف كنا سنتصرف حينها.
  3. من أجل تصحيح خطأ الإسناد الأساسي لا بد من التوقف عند العوامل والظروف الخارجية التي تسبب الفعل، والتعمق في البحث عن ظروف وعوامل غير ظاهرة وأقل تميزاً، فقد يكون الشخص الذي تجاوز إشارة المرور مسرعاً لا يسعف أحداً ولا يتسابق مع الوقت من أجل الوصول إلى موعد ما؛ بل ربما يواجه مشكلة فنية مع فرامل ودواسات سيارته.

في الختام:

إنَّ خطأ الإسناد الأساسي يعني التعامل بازدواجية في المعايير بين حالة أن يكون الشخص نفسه هو من قام بالفعل الخاطئ، وبين كون شخص آخر هو من قام به، وعليه فإنَّ الإنسان عموماً غير واعٍ ويقوم في الحالة الأولى بإلقاء اللوم على الظروف الخارجية، وفي الحالة الثانية يلقي اللوم على خصائص الآخر وصفاته الداخلية.

إنَّ تصحيح خطأ الإسناد الأساسي يتطلب لحظة وعي قبل محاكمة الآخرين تجعل الإنسان يضع نفسه مكانهم لبرهة، ويفكر في الظروف التي تمر بهم وتجبرهم على التصرف بهذا النحو، ومن ثمَّ يتفهم مواقفهم ويلتمس لهم الأعذار.