منوعات

صناعة الأمل .. – مكساوي –

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

هناك تقليد عتيق اصطنعته ذاكرة البيروقراطية العتيدة فى كل أرجاء العالم فصار نمطا ثم حلا متاحا ومكررا وربما بعض طريقة حياة، استوى نضجا عبر عقود طويلة فى مخازن دواوينها ليصبح بندا ثابتا وملحقا أساسيا يحضر لو اقتضت حاجة أو حتى من دون اقتضاء، حيث تتضمن قائمة الملفات والأوراق المختلفة التى تدون وتوثق معا للإجراءات المتبعة فى أى شأن حياتى ومؤسسى وعام بندا يأتى تحت عنوان شهير دال هو “ما يُستجد من أشياء وأعمال ومقترحات”، والتى يُعنى بها المهام والموضوعات التى تطرأ والأعمال التى لم تكن مقررة فى نقاشات أو مجالات اتخاذ قرارات واقتضت حاجة مهنية أو وظيفية لأن تكون حاضرة ويُتخذ بشأنها قرار تماما كما البنود المتضمنة المسبقة ذاتها، تم اختراع هذا المسمى وكان طليعيا ومبنيا حينها على وعي ليسد فراغا أو احتياجا أو يلبى طارئا يلاحق موضوعات أو قضايا مستجدة وعاجلة.

لكن عبر عشرات السنوات عاش هذا البند حاضرا ويتضخم رويدا لا يخلى مكانه ابدا، يبدو ظاهرا وكأنه هامش على المتن المعد سلفا والمجهز ابتداء، وتبدو المفارقة أنه لو قيدت دراسة لتغلغل هذا البند لبيان كيف كبر مع الزمن واحتشد رغم تقدم تكنولوجيا الاتصالات المعاصرة التى تتيح إدراج كل شئ فى المكان والتوقيت الصحيح لتبين كيف كان يمكن عمل حالة تقلبل متعاظم لهذا البند وحتى لا يفارق محطة حضوره الأولى هامشا، هذا أمر ربما يمنحنا إمكانية النظر لفكرة بند “مايستجد” بنمطها وحضورها ومن ثم وجدواها وأن نمد نظرتنا بعيدا عن حيزها الضيق فى اتجاه كيف يمكن فى حياتنا جميعها الشخصية والمجتمعية أن يكون ذلك دالا على نمط حياة وسلوك مثمر رعاية واجتهادا ثم ما يفضيان إليه من تحولات مضيفة.

وعلى منوال الصياغة ذاتها بشأن بند ما يُستجد وليس على مستوى الدلالة حيث يفترقان حضورا ولا يستويان مثلا، هناك فكرة شبيهة تخص ما يمكن تسميته التحلي بطاقة وعزم يجدر أن نضيفه بندا على قوائم متن حياتنا هو وجوب التنشئة والتدرب على إضافة “ما يُستجد من طاقة الأمل والحلم” والتى ربما يثبت ضرورتها ومركزيتها مهما قللت عاديات مرور الزمان وإحساسنا به من لا جدواها أو ظننا ذلك.

حيث يمنح إضافة ما يستجد من إمل وأحلام مساحة تواجد قد لا تعالج ملحا حياتيا ومعيشيا وقتيا وطارئا بالضرورة لكنها تصنع حالة تبصر وهدأة تفكير فى خضم الانهماك والإنهاك فى ملاحقة معايشة وإنجاز الممكن، والذى يصير مع الوقت هو أقصى غايات المستطاع طريقة وأسلوبا.

هو ضرورة مقتضى بعض الحلم، الذى هو بمثابة روافع تجدد وأمل فى مواجهة كل ما نراه مؤرقا او صعبا وكل ما يحد من رؤية البعيد الذى يسعد فتجعله متاحا، وفى تقديرى أن واحدا من عناصر حيوية البشر والمجتمعات هو فى الحفاظ على جذوة تجدد دورة الآمل والأحلام فى كافة الأعمار وفى كافة الظروف، ثم جعلها بندا ثابتا ومقدما والعمل على ذلك بوعى ودأب واستمرارية تتوازى مع جهود العمل الفردى والمحتمعى معا.

والمختلف هنا أنها لا يجدر أن تكون أشبه بالرغبات قصيرة النظر نهما أو امتلاكا أو حيازة وقتية وما يدخل فى نطاقهما وكل ما يأتى فى باب الغايات النفعية التى ترهق ملاحقيها كأنها السراب، بل أحلام تتشكل على يد أصحابها افرادا ومجتمعات لتكون بوابة كل ما يمنح الإنسان براحا وطمأنينة وهدأة هى رعاية كل ما يمنح النفس هواء متجددا فيديم طاقة فعلها منجزا .

يمنح وضع بند شغف الأحلام وتأملات الأمل على قائمة أولويات النفس لطاقة الفعل عزمها ويعيد تشكيل معادلات سرعة الضوء والجاذبية الأرضية لأرواحنا لتحلق فوق أرض الانشغال اليومى التى احيانا لا تأخذك بعيدا، صناعة ذاتية فردية ومجتمعية محضة لا تداخلها محسنات لون أو طعم فتغير من طبيعتها.

إن قدرة الفرد والمجتمعات بوعي على بناء خلايا الحلم مستجدة يشبه تماما نزوع الجسم فى حيويته وقدرته على تجديد خلاياه فيحيا، وهى يجدر أن تكون انشغالا أبعد كثيرا من كل انشغال عابر، حيث هى مضخة ذاتية تعمل فى مواجهة عاديات الحياة التى ترهقها الانشغالات بما تظنه من مرهقات وموجبات التفكير.

رابط المصدر