منوعات

العصف الذهني العكسي: تعريفه، واستخداماته

على الجانب الآخر يفكِّر الأب بنفاد مخزونه من الوقود؛ فيملأ سيارته تحسُّباً، ويأخذ معه عجلة احتياطية لمواجهة أي ثقب، ويستمر الأبوان في افتراض حدوث المشكلات والاحتياط لحلِّها حتى يضمنا سير الرحلة على مستوىً عالٍ من الروعة والسلاسة كما خطَّطا لها.

هل تقوم بافتراض حدوث المشكلات لإيجاد حلول استباقية لها في شؤون حياتك؟ هل تعلم أنَّ هذا النوع من التفكير يسمَّى “العصف الذهني العكسي؟ هل تريد معرفة المزيد عن العصف الذهني العكسي واستخداماته؟ إذاً تفضَّل بقراءة هذا المقال.

تعريف العصف الذهني:

سنعرِّف قبل الدخول في تعريف العصف الذهني العكسي، العصف الذهني عموماً، وهنا سوف نستعين بالمثال الآتي:

إذا سألتك: ما هي أكثر عشرة أشياء تجعلك سعيداً؟ ستجيب فوراً بإجابتين أو ثلاث يقدِّمها لك عقلك على وجه السرعة والبديهة، ثمَّ سيستغرق الأمر منك وقتاً أطول للتفكير والوصول إلى شيء آخر يجعلك سعيداً ضمن تلافيف عقلك، فإنَّ عملية البحث هذه عن الإجابات التي تتوضع أبعد ممَّا تسعفك به البديهة هو ما يسمَّى العصف الذهني.

العصف الذهني غالباً ما يُستخدم في حل المشكلات؛ إذ تقع في مشكلةٍ ما، فيبدأ عقلك بتقديم حلول بديهية لها، ولكنَّها غالباً ما تكون غير مناسبة، فتبدأ بالعصف الذهني لمزيد من الأفكار التي سرعان ما تبدأ بالتدفُّق إلى عقلك لتختبر جودة وفاعلية كل منها، وتستقر على الفكرة الأفضل.

غالباً ما تتَّبع الشركات هذا الأسلوب في حلِّ المشكلات الخاصة بها بطريقة إبداعية، فتجمع موظفيها، وتطرح المشكلة أمامهم، وتبدأ عملية العصف الذهني الجماعي؛ إذ يقدِّم كل واحد فيهم حلوله البديهية، ثمَّ يزداد عمق الأفكار وتُناقش جماعياً لاختيار الفكرة التي تقدِّم الحل الأفضل للمشكلة.

هذا هو تعريف العصف الذهني بأسلوب مبسَّط وواقعي، أمَّا أكاديمياً فيمكن تعريف العصف الذهني الذي تقابله مفردة “Brainstorming” في اللغة الإنكليزية على أنَّه عملية استحضار لعدد كبير من الأفكار من الجزء الداخلي من الدماغ (الذي يحتاج وقتاً إلى تذكره) إلى الجزء السطحي منه (الذي يكون عادة في متناول الذاكرة)، ضمن عملية منظَّمة ذات أساسات واضحة.

يجعل العصف الذهني من العقل منفتحاً على احتمالات وأفكار عديدة، ويطلق عنانه على عوالم مختلفة من الأفكار دون أي قيود أو ضوابط، فيضعها أمامه على طاولة المنطق، ويبدأ بتنفيذها واختيار الأنسب منها.

فإذا حدثت مشكلة “احتجت إلى مبلغ من المال لتمويل توسع مشروعك”، فسوف تبدأ في التفكير بحلول لمشكلتك، والتي هي تأمين تمويل إضافي للمشروع، فتفكِّر في الاقتراض، أو مضاعفة ساعات العمل، أو الدخول في شراكة ما، أو التقدُّم لمسابقة تهدي الرابح فرصة تمويل مشروعه، ويتتابع توارد الأفكار في ذهنك وتفنيدك لكل فكرة حتى تجد مصدر التمويل الأفضل.

ما هو العصف الذهني العكسي؟

يمكن تعريف العصف الذهني العكسي على أنَّه استباق حدوث المشكلة وافتراض ذلك من أجل خلق حلول لها قبل أن تقع، وبالعودة إلى المثال السابق الذي احتجت فيه إلى تمويل إضافي لتوسيع مشروعك، يُملي عليك العصف الذهني العكسي مثلاً تخصيص جزء من الأرباح لتمويل توسعات المشروع، ومن ثمَّ ستكون جاهزاً مالياً للبدء بأي خطوة جديدة متى رغبت في ذلك، ويكون العصف الذهني العكسي عادة جماعياً؛ إذ يُجرى اجتماع لأعضاء الفريق المسؤول عن تنفيذ مهمة ما، ويُطلب منهم توقع المشكلات التي من الممكن أن تواجه المشروع، وهنا ستكون الإجابات الأولى بديهية كأي عصف ذهني، ولكنَّ الإجابات التالية ستكون أكثر عمقاً، ومن ثمَّ ستحتاط للمشكلة من جميع أبعادها، كما ستُنشئ حلولاً استباقية لعديد من المشكلات في حال وقوعها.

إذاً، فالعصف الذهني العكسي الذي يقابله في اللغة الإنكليزية مصطلح “Reverse Brainstorming” هو: تقنية تُختلق من خلالها المشكلات قبل الحلول؛ لذا فإنَّه عند اقتراح خطة جديدة يُطلب من فريق العمل تعداد أسباب تؤدي إلى فشل هذه الخطة وإحباطها، من أجل رؤية الثغرات والفجوات في العمل من مناظير مختلفة، بدلاً من أن يُعدِّد الفريق عوامل النجاح.

لهذه العملية نتائج إيجابية على سير العمل والتحسُّب لأي طارئ أو خلل من شأنه أن يعرقله؛ لذا نجد كثيراً من الشركات تتبنَّى مفهوم العصف الذهني العكسي من أجل توقع أسباب إخفاق المهمة، والمشكلات التي من المحتمل أن تواجهها، لكي تحتاط لهذه المشكلات، وتتجنَّب فشل الخطة.

استخدامات العصف الذهني العكسي:

إنَّ استخدامات العصف الذهني العكسي تتجلَّى في استخدامه ضمن المجالات الآتية:

  1. اختلاق مشكلات افتراضية في بيئة العمل من المحتمل مواجهتها في المستقبل، بهدف إيجاد حلول لها في حال حدوثها، وعلى سبيل المثال عندما تُطلق شركة منتجاً جديداً يمكن أن تطلب من موظفيها تعداد الطرائق التي تجعل هذا المنتج غير مرغوب فيه من قبل المستهلكين، فيبدأ الموظفون عبر العصف الذهني العكسي بذكر عيوب يجب وضعها في المنتج لينفِّر الناس منه، ومن ثمَّ يبدؤون بوضع الخطط لتجنب الوقوع في هذه العيوب.
  2. سبر خبرات المتدربين والمتقدمين إلى الوظائف عن طريق طرح أسئلة عليهم تبيِّن مدى فهمهم لبيئة العمل والعقبات التي تواجهها.
  3. ابتكار أفكار لمشاريع جديدة، وتطوير المشاريع الموجودة عبر ضخ أفكار جديدة فيها.
  4. استخدام العصف الذهني العكسي يجعل من المُمكن التنبؤ بحدوث مشكلة في أثناء حل مشكلة أخرى، فعلى سبيل المثال إذا كان العصف الذهني العكسي تحت عنوان “كيف أجعل الموظف يتأخر عن عمله؟” يمكن أن تكون إحدى الأفكار بعدم تأمين باص مُخصَّص لنقل الموظفين، وهذا ما يفتح المجال أمام كثير من المشكلات الأخرى المتعلِّقة بالباص نفسه من نفاد مخزونه من الوقود، أو تعرضه لمشكلات فنية باستمرار.
  5. من أهم استخدامات العصف الذهني العكسي هي تلك التي تكون في مجال التعلم، فهذا النوع من التفكير يساهم جداً في تنمية مهارات الابتكار والإبداع، ويعزِّز مهارات اتخاذ القرار من قبلهم.
  6. في حالات إدارة الأزمات والوقاية من الكوارث تكون استخدامات العصف الذهني العكسي في ذروة فائدتها، فلولا التحسُّب للزلازل لما بُنيت الملاجئ، ولولا الاحتياط للحرائق لما صُمِّمت أنظمة الإنذار والإطفاء.
  7. تعزيز كفاءة الموظفين في الشركة عن طريق تنشيط أذهانهم بأفكار العصف الذهني العكسي، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على تطوير بنية الشركة.
  8. تحسين القدرات العقلية والمهارات للأفراد أكثر من حالة استخدام العصف الذهني التقليدي، كون العصف الذهني العكسي واصطناع المشكلة أفضل من القدرة على حل مشكلة موجودة بالفعل.
  9. تساهم استخدامات العصف الذهني العكسي في توليد كمٍّ كبيرٍ من الأفكار الإبداعية والقرارات التي تُخزَّن في الذاكرة القريبة، ممَّا يجعلها تحت الطلب وجاهزة للظهور عند الحاجة إليها.
  10. استخدام العصف الذهني العكسي باستمرار يرفع من القدرة على مواجهة الحالات الطارئة والمستعجلة بأسلوب فعَّال وصحيح، بعيداً عن التخبُّط الذي يسبِّبه ضيق الوقت أو هول الصدمة.
  11. يساهم في كسر الروتين والتسلسل البيروقراطي في طريقة معالجة المشكلات.
  12. تطوير نظرة الأفراد تجاه المشكلات، ويفتح أمامهم آفاق جديدة للرؤية، ممَّا يحفز لديهم مهارة ابتكار الحلول الإبداعية.

شاهد بالفديو: 7 تقنيات للعصف الذهني لاستلهام أفكار أكثر إبداعا

YouTube video
 

مراحل العصف الذهني العكسي:

إنَّ مراحل العصف الذهني العكسي هي مجموعة التدرُّجات بين اختلاق المشكلة وإيجاد الحل لها، وسوف نوضِّح هذه المراحل مرفقةً بمثال عملي:

1. التعرف إلى سبب حدوث المشكلة:

يُشار في هذه المرحلة إلى العنصر أو مجموعة العناصر التي من الممكن أن تسبِّب المشكلة، مثلاً إذا أرادت شركة أن تطرح منتجاً جديداً (وليكن نوعاً من مواد التنظيف) في السوق، وأرادت أن تجري عصفاً ذهنياً عكسياً عن كيفية جعله يكسد، فسوف تكون الأفكار من قبيل “الغش في مواصفات المنتج، عدم عمل دعاية للمنتج، تسعير المنتج تسعيراً باهظاً”، كافيةً للدلالة عن نقاط الضعف التي من الممكن أن تكون سبب المشكلة؛ أي كساد المنتج.

2. التسبُّب في حدوث المشكلة:

سوف تصدِّق هنا واحدة من النبوءات التي وضعناها، ولنقل إنَّ المنتج كسد بسبب سعره العالي الذي لا يناسب القدرة الشرائية للشريحة المستهدفة.

3. كيف سنحل المشكلة؟

لدينا الآن كميات كبيرة من مسحوق الغسيل المُتكدِّس في المستودعات بسبب سعره المرتفع، فماذا سنفعل؟ هل نصغِّر حجم العبوة ونخفِّض السعر؟ هل نقدِّم عروضاً لمواد أخرى يحصل عليها العميل لمجرد شرائه المنتج؟

4. اختبار كل حل:

نسبر هنا جودة كل حل قُدِّم؛ فهل إعادة تعليب المنتج في عبوات أصغر لتقليل سعره حل مُجدٍ فعلاً؟ ألن يرتِّب هذا على الشركة تكاليف تغليف إضافية في الوقت والمال من أجل التخلُّص من كل العبوات القديمة والتعبئة في أخرى جديدة؟ هل الأرباح تغطِّي هذه العملية أم هي خاسرة 100%؟ وهكذا يُعرَّج على جميع الحلول المقدَّمة من أجل اختيار الأفضل بينها لاعتماده في حال وقعت المشكلة بالفعل.

5. محاولة منع حدوث المشكلة:

هنا لن نقوم بتعبئة المنتج في عبوات كبيرة ذات سعر باهظ؛ بل سنخلق حجماً يتلاءم مع ميزانية العملاء، وهكذا نكون قد استخدمنا العصف الذهني العكسي في تجنب حدوث مشكلة عبر افتراض وقوعها وتخيُّل سيناريو النجاة.

في الختام:

إنَّ العصف الذهني العكسي هو طريقة مبتكرة من طرائق التفكير تقوم على أساس وضع العصي في الدواليب، عبر توليد أفكار لمشكلات قد تواجه بيئة العمل، من أجل ابتكار حلول إبداعية لها في حال وقعت، ممَّا يجعل خطط الإنقاذ متأهِّبة وحاضرة في البديهة، في حال حدث ما كان يُخشى حدوثه.