منوعات

فن الرد على الأسئلة المحرجة

إنَّك يا صديقي مهما حاولت الارتقاء بنفسك وتطوير ذاتك والانشغال بأمورك، فسوف تظل تصادف في حياتك اليومية أشخاصاً متفرِّغين لتعقُّب حياة الآخرين والتدخل في شؤونهم وإعطاء آرائهم فيما لا يعنيهم.

قد يكون الأمر محرجاً إذا ما وجَّه أحد الحشريين أو السفهاء أسئلة خاصة لك أمام الناس، وربما عن طيب نية أو ربما بدافع الخبث لا يهم، والهام هو أن تحسن الإجابة وتتقن فن الرد على الأسئلة المُحرجة؛ لتخرج من هذا المأزق بأقل الخسائر.

أكاد أجزم أنَّنا جميعاً مررنا في مواقف كهذه، فانعقدت ألسنتنا ليس بسبب الضعف والعجز؛ بل بسبب الاندهاش من جرأة السائل أو وقاحته في بعض الأحيان، والمُغيظ في الأمر أنَّ الردود المناسبة لا تخطر في بالنا لحظة السؤال؛ وإنَّما دائماً بعد فوات الأوان؛ لهذا قررنا أن نفرد هذا المقال لنُضيء على فن الرد على الأسئلة المحرجة، لعلَّ البديهة تسعفنا في اللحظة المناسبة.

لماذا نشعر بالإحراج؟

قبل الدخول في صلب موضوعنا عن فن الرد على الأسئلة المحرجة، لا بدَّ لنا أن نسأل أنفسنا أولاً: “لماذا نشعر بالحرج من مثل هذه الأسئلة؟”، وهنا لا بدَّ أن نقف أمام أنفسنا وقفة صريحة، فالإحراج في كثير من الحالات يكون عندما يصب السائل سؤاله على نقطة تشكل بالنسبة إلينا نقطة ضعف، وربما حالة لم نتصالح معها أو شيء ما يُشعرنا بأنَّنا أقل شأناً من الآخرين، وفي مثل هذه الحالات لا بدَّ أن ننظر إلى الأسئلة المحرجة بطريقة إيجابية؛ كونها تعرِّي ضعفنا أمامنا وتعرِّفنا إلى النقاط التي نحتاج إلى إعادة النظر فيها مع أنفسنا.

على سبيل المثال إذا سألك أحدهم أمام مجموعة من الأصدقاء أو الأقرباء: “ما الذي فعلته في الحجر الصحي حتى أصبحت بديناً هكذاً؟ كم أصبح وزنك؟”، هنا تشعر بالإحراج عند التعرُّض إلى السؤال بسبب شعورك الداخلي بعدم تقبُّل وزنك الزائد، وانزعاجك من الكيلوغرامات التي اكتسبتها في فترة الحجر الصحي، وعدم تصالحك مع شكلك الجديد.

كذلك الأمر في المشهد المتكرر دوماً في الدراما والسينما، حينما يتقدَّم شاب فقير إلى خطبة فتاة غنية، فيحرجه والدها بالسؤال أمام جموع الأثرياء: “كم تبلغ ثروتك؟”، وهنا يكون الإحراج نابعاً عن عدم تصالح الشخص مع وضعه المادي، وافتقاده إلى الثقة بنفسه وعمله.

في مثل هذه الحالات وقبل إتقان فن الرد على الأسئلة المحرجة، يجب أن يتعلم كل إنسان كيف يتقبَّل واقعه ويسعى إلى تغييره في الوقت ذاته، فإذا كنتِ قد اكتسبتِ وزناً زائداً بسبب الحمل والولادة، وجاءَك السؤال المحرج الذي غالباً ما وُجِّه إلى كل أم: “لم لا تتَّبِعِين نظاماً غذائياً لتخفيف وزنك كما كان؟”؛ يجب عليك هنا قبل أن تهرعي إلى المطبخ لتذرفي دموعك الحارَّة أن تخبري جسدك عن كمِّ امتنانك إليه، فهو قد كان بوَّابة عبور طفل إلى الحياة، وتحمُّل تقلُّب الهرمونات وألم الحمل والولادة والإرضاع والسهر، وبدلاً من أن تشعري بالعار والإحراج منه؛ كوني فخورة به وأجيبي السائل المتطفل بأنَّ: “هذا الجسد مصنوع من اللحم والدم وليس البلاستيك؛ لذا فهو يتغيَّر وفق ما تمليه عليه الطبيعة، وسيعود كما كان بزوال المؤثرات التي سببت تغيره”، نحن بشر وأجسادنا حيَّة ومستجيبة دائماً لكل ما نمر به، ولها طرائقها الخاصة في التعبير عن ذلك.

لا بدَّ لنا أن نشير إلى أنَّ بعض الأشخاص يوجهون الأسئلة المحرجة بغير نية سيئة، أو قد لا تكون محرجة بمعنى عدم التصالح مع واقع معيَّن؛ بل تكون إجاباتها عبارة عن معلومات شخصية لا يفضل الإنسان أن يعبِّر عنها.

شاهد بالفديو: كيف أنمِّي مهارة سرعة البديهة لدي؟

 

فن الرد على الأسئلة المحرجة:

أكثر الناس حظاً هم الذين يمتلكون البديهة والبلاغة وفن الرد على الأسئلة المحرجة في اللحظة ذاتها؛ إذ إنَّ هؤلاء الأشخاص يردون الصفعة بمثلها ويقلبون السحر على الساحر، فيصمت تماماً، لكنَّ هذه الملكة ليست في متناول الجميع؛ وإنَّما يمكن بالتدريب واتِّباع بعض الخطوات الحصول عليها؛ لذا فإنَّنا نورد فيما يأتي بعض الطرائق التي تعكس فن الرد على الأسئلة المحرجة وهي:

1. رفع الثقة بالنفس:

يندرج رفع الثقة بالنفس ضمن الطرائق التي تعكس فن الرد على الأسئلة المحرجة، فعندما تزداد ثقتنا بأنفسنا يصعب أمر إحراجنا على الآخرين، ومن ثم تسعفنا البديهة المشبعة بحب الذات والثقة بالإجابة عن الأسئلة الحشرية والمحرجة.

على سبيل المثال نتذكر القصة المتداولة على منصات التواصل الاجتماعي، والتي تتحدث عن سيدة بدينة استقلت باص النقل العام، فتضايق أحد الركاب من وجودها وتساءل بصوت عالٍ: “هل هذه الحافلة مخصصة للفيلة؟” فكان ردها سريعاً وخارقاً حين قالت: “هل هي مخصصة للحمير فقط؟”، فيبدو أنَّ السيدة في هذه القصة قد تعرَّضت إلى مضايقات كثيرة من هذا النوع؛ مما أكسبها التحصين النفسي للشعور بالحرج، وفن الرد على الأسئلة المحرجة والتعليقات السخيفة المتعلقة بوزنها بأعصاب باردة.

2. الرد بروح الفكاهة:

إنَّ الرد بروح الفكاهة يُعَدُّ من الطرائق الفعالة ضمن فن الرد على الأسئلة المحرجة، فهو يعكس تصالح الإنسان مع نقطة ضعفه بطريقة لا تترك للسائل المتقصد للإحراج مجالاً لتسبيب الإزعاج له.

إنَّ طرح الأسئلة المحرجة في بعض الأحيان يكون من أجل إحراج الشخص وجعله يشعر بالخجل، فإذا ما جاء رده ضاحكاً مازحاً، أفشل مساعي السائل الخبيثة.

أتذكر في هذا الصدد حواراً سمعته بين سيدتين تعمد واحدة منهما إلى إحراج الأخريات باستمرار، وذات مرة قالت لسيدة أمام الجارات جميعهن: “ثوبك ضيِّق جداً ويكاد ينفجر”، فأجابتها السيدة بكل مرح: “لا تقلقي لقد أحضرت معي ثوباً آخر للاحتياط”.

3. الصمت:

ضمن أساليب فن الرد على الأسئلة المحرجة يأتي الصمت جواباً بليغاً يعكس ترفُّع الإنسان عن الهبوط إلى مستويات أقل منه؛ أي تلك التي يقف ضمنها السائل المتعمِّد لإحراج الآخرين.

يعكس الصمت نوعاً من الكبرياء والفوقية، وهو ما يستحقه كل من يطرح سؤالاً يهدف به إلى الاستخفاف بالآخرين وإحراجهم، وإذا ما ترافق الصمت بتجاهل كلي للشخص المحرج، تصبح نتائجه أبلغ وأقوى، وفي هذا الصمت والتجاهل تقليلٌ لقيمة المتطفل وتحقير لسؤاله الذي لا يحمل أي خير في ثناياه، ولا يهدف إلَّا إلى تسبيب الإزعاج والأذى.

إذا ما كنت تتحدث في اجتماع مع زملائك ومديرك، وتعمَّد شخص مقاطعتك وسؤالك بما يظن أنَّه يحرجك به، فتصرَّف كأنَّك لم تسمع شيئاً، والتفت إلى السائل صامتاً ثم أَعِد توجيه بصرك إلى محدِّثك متابعاً حديثك، وإذا ما كرر المتطفل أسئلته المحرجة، فاكتفِ بمتابعة الحديث ولا تعره أي اهتمام أبداً.

4. الإجابات العامة:

الإجابة العامة تندرج ضمن فن الرد على الأسئلة المحرجة، وتجنِّبك الدخول في التفاصيل الشخصية، خاصةً إذا ما أردت الحفاظ على علاقة وديَّة مع السائل كونك تعرف أغراضه الطيبة من السؤال وحسن نيته في الاطمئنان عنك.

على سبيل المثال تواجه النساء المتزوجات حديثاً السؤال التالي بشكل مستمر؛ فلا يكاد يصادفهن أحد إلَّا ويسألهن: “متى سوف نفرح برؤية مولود لكما؟” تسأل الكثيرات من الجدات والجارات هذا السؤال بحسن نية، إلَّا أنَّه يكون حشرياً وغير مقبول، ولعلَّ أفضل رد سمعته كان: “عندما نجد أنا وزوجي الوقت مناسباً”.

في حالات أخرى تُسأل في لقاء مع أشخاص يمارسون نفس مهامك الوظيفية في شركات أخرى: “كم تتقاضى شهرياً؟” وهنا يمكنك التملُّص من الإجابة بشكل شخصي عبر التطرُّق إلى الحديث من منظور أشمل؛ كأن تقول: “تعطي الشركة لموظفي الدرجة الأولى مبلغاً يتراوح من كذا إلى كذا بحسب المهام والخبرة وما إلى ذلك، وتعطي الموظفين من الدرجة الثانية رواتب تتراوح بين كذا وكذا”.

5. الإسهاب في التفاصيل:

إنَّ التشعُّب في الإجابة عن السؤال يُعَدُّ ضمن فن الرد على الأسئلة المحرجة، وكثيراً ما نشاهد المشاهير في اللقاءات المتلفزة يتعرَّضون لكم هائل من هذه الأسئلة – وهم معتادون على ذلك – لذا نراهم يدخلون من باب ويخرجون من نافذة في إجاباتهم؛ مما يُضيع جوهر السؤال ويشتت المُحاوِر عن الحصول على إجابة موجزة عنه، ومن ثم فإنَّهم يتجنبون الإحراج بمهارة وذكاء.

6. الرد على السؤال بسؤال:

هذا النوع هو الأكثر بلاغة ضمن الطرائق التي تعكس فن الرد على الأسئلة المحرجة، وهنا تغيِّر تركيز آذان الحضور عن سماع إجابتك، وتشغلهم بسماع إجابة الطرف السائل، وفيه فعلاً تقلب السحر على الساحر.

على سبلي المثال، في مقابلة تلفزيونية شهيرة بين مذيعة وممثلة، سألت المذيعة الفنانة: “لماذا لبستِ ثوباً أحمر في بوستر الفيلم؟ هل تقصدين الإغراء؟” ولسوء حظ المذيعة أنَّها كانت ترتدي فستاناً أحمر فأجابتها الممثلة بخبث: “وهل تقصدين أنت الإغراء بفستانك الأحمر هذا أم أنَّه مجرد فستان جميل يعجبك؟”، فخجلت المذيعة ووُضِعت في مأزق لا تُحسَد عليه.

في الختام:

إنَّ فن الرد على الأسئلة المحرجة هو مجموعة من المهارات التي يجب التمرُّن عليها حتى تعتاد بديهتنا على استخدامها في الوقت المناسب، وهذا الفن يجنِّبنا لحظات الندم على عبارات وإجابات لم نقُلها في وجه المُحرج، والتي غالباً ما تخطر في بالنا بعد فوات الأوان.