منوعات

البحث في علم الترجمة – مكساوي –

البحثُ في عِلم التَّرجمة

 

يتأسَّس علم الترجمة على التنظير، فالترجمة باعتبارها تخصُّصًا متميِّزًا انبثق عن الدراسات اللسانية، تداخلت وارتبطت وتمازجَتْ بتخصُّصاتٍ عديدةٍ، كانت رافدًا لعلم الترجمة، نشيرُ على سبيل المثال لا الحصر لبعضٍ منها: العلوم الدبلوماسية، العلوم الصحفية، العلوم القانونية، العلوم الاقتصادية، الدراسات الأدبية، العلوم المعرفية، العلوم النفسية، العلوم العصبية، العلوم الاجتماعية، العلوم الطبية… إلخ.

إن الباحث في هذا العلم يتَّصف بالصفات الآتية: حِدَّة الذكاء، الذَّاكرة القويَّة، الصَّبر الطَّويل، المنطق العميق، المعرفة الغنيَّة، ومُميِّزات أخرى لا تقلُّ أهمية عن التي أوردناها، غير أن التي أسلفنا ذِكْرَهَا حاسمة للباحث في علم الترجمة.

نذكرُ الميزَةَ الأولى ألا وهي “حدَّة الذَّكاء“، فنجد أن الباحث في علم الترجمة Traductologie مُتمكِّنٌ بشكل حاسم من اللغة، وله منهجية علمية في تحليل المعارف؛ لأن الباحث في هذا العلم، لا يقتصرُ دوره على الترجمة؛ بل هو يتناولُ النصَّ المُتَرْجَمَ ويستنبطُ منه المعارف اللازمة؛ لِيَبْنِيَ في مرحلة لاحقة: نظرياتٍ ومقارباتٍ وآليَّاتٍ وأساليبَ ترجميةً.

يحتاجُ علم الترجمة لِوَضْعِ لبناته في الوطن العربي، فالمُلاحظ أنه ما زالت تغيب “ثقافةٌ ترجميَّة“، كفيلةٌ بأن تُقعِّد لِأَعْمِدَةِ بحثٍ علميٍّ رصينٍ بالجامعات والمعاهد.

الباحثُ في الترجمة هو ذاك الذي يطبعه انفتاحُ التفكير، ونمط تحليله يختلف عمَّن اقتصر عملهُ على ممارسة نشاط الترجمة، الَّذي بُعْدُ نَظرِهِ ضيِّق، لا يتجاوزُ النص ومُستلزمات ترجمة النص اللسانية.

المُؤسف أنَّ هناك من يَنْفِرُ من الثقافة الترجمية، رغم أنها عتيدةٌ ودليلٌ على مُضِيِّ دراسات الترجمة للأمام، وعلى المستوى العالمي نُشير للمُنظِّرين الآتِين: ماتيو غيدار، بول ريكور، أنطوان برمان، ماريان لوديرير، دانيكا سيليسكوفيتش، دانيال غواديك، دانيال جيل، جون بول فيني، جون داربلني.

هذا هو بالضَّبط البحثُ في علم الترجمة، وهو تخصُّص حديثٌ أُرْسِيَتْ قاعدتهُ المَتِينَة، وهو بحاجة إلى حركة معرفيَّة ثريَّة، وتَفْعِيلِ أَثَرِهِ لا سيَّما بالنسبة للغة العربية، ودُون شكٍّ سيُطوِّر كثيرًا من منظوماتها، ويُمهِّد لوُلوج مُصطلحات علمية “مُعجم اللُّغة العربيَّة“.

رابط المصدر