منوعات

التقويم التربوي وأنواعه – مكساوي –

التعليم الجيد هو الذي يترافق مع تقويم مستمر ودقيق لجوانب عملية التعليم كافة سواء معارف ومعلومات أم قدرات أم مهارات أم جوانب وجدانية وعاطفية، وذلك خلال عملية التعليم بكافة مراحلها؛ أي قبل البدء بعملية التعليم لتحديد مستوى الفرد الذي يجب أن يبدأ به، ومن ثم في أثناء عملية التعلم لتحديد جوانب القوة والضعف في التلاميذ تمهيداً لوضع البرامج العلاجية لتلافي نقاط الضعف وتعزيز نقاط القوة، وبالتأكيد إنَّ التعليم الجيد يتطلب تقويماً نهائياً في نهاية عملية التعليم للحكم على مدى تحقق الأهداف التي وضعت في بداية التعليم.

تعريف التقويم التربوي:

يُقصد بالتقويم تقدير الشيء وإعطاءه قيمة ما والحكم عليه وتصليح اعوجاجه، ويعرفه “كرونباخ” بأنَّه عملية مستمرة للحصول على المعلومات الضرورية واللازمة لاتخاذ قرار مناسب يتعلق ببرنامج تربوي، ويصل إلى وضع اقتراحات من أجل تحسين هذا الأخير وتطويره.

يقول “ثروانديك”: إنَّ التقويم عملية متكاملة يتم فيها تحديد أهداف جانب ما من جوانب التربية، وتقدير الدرجة التي يتم فيها تحقيق هذه الأهداف، كما قال “أندروز”: إنَّ التقويم هو تلك العملية التي عن طريقها نعطى درجات أو معانٍ ذات دلالات خاصة بالنسبة إلى البيانات المتجمعة من تطبيق وسائل القياس المستخدمة.

يُعَدُّ تعريف “بلوم” التعريف الأهم في هذا الميدان؛ إذ يرى أنَّ التقويم هو “إصدار حكم عن الأفكار والأعمال وطرائق التدريس والمواد وغيرها من الأمور التربوية المتعددة، ويتطلب هذا التقويم استخدام المحكات والمستويات أو المعايير؛ وذلك لتقييم مدى دقة الأمور أو الأشياء وفاعليتها وتحديد الجدوى الاقتصادية من ورائها.

إذاً التقويم التربوي عبارة عن عملية جمع البيانات وتحليلها وتفسيرها وتقويمها، ومن ثم إصدار الحكم عليها والبدء بوضع الخطوات والبرامج العلاجية التي من شأنها تعديلها وتغييرها؛ بهدف السير بها نحو التحسن حتى تحقيق الهدف المرجو منها.

أنواع التقويم:

1. التقويم القبلي:

هو نوع التقويم الذي يتم قبل البدء بعملية التعليم، والغرض منه قياس مهارات المتعلمين ومعلوماتهم ومعارفهم قبل البدء بالبرنامج التعليمي الخاص بكل محور؛ إذ يقوم التقويم القبلي بتحديد مستوى المتعلم بناءً على خبراته السابقة ليستطيع البناء عليها في كل حصة درسية، ويوزع المتعلمين ضمن مستويات بحسب المستوى الخاص بكل واحد منهم، وتتعدد الأساليب المستخدَمة في التقويم القبلي وأبرزها الأسئلة القصيرة بنوعيها الشفهية والكتابية، ورواية قصة قصيرة يتبعها حوار ومناقشة، وجلسات العصف الذهني، ونشاطات مختلفة فردية أو جماعية.

2. التقويم البنائي:

يسمى بالتقويم المرحلي أو التكويني، وهذا النوع من التقويم يُعَدُّ جزءاً لا يتجزأ من العملية التعليمية؛ إذ يُطبَّق خلالها ويسير معها ويماشيها في جميع مراحلها، فالهدف منه ليس إصدار الحكم؛ بل تقديم التغذية الراجعة في الوقت المناسب لكل من المعلم والمتعلم بهدف تحسين عملية التعليم وتصحيح مسارها من خلال معالجة الصعوبات التي تعترضها.

يؤكد أصحاب هذا التقويم أنَّ استخدام هذا النوع من التقويم سوف يجعل الأغلبية الساحقة من المتعلمين قادرين على تحقيق الأهداف الموضوعة، ومن الأساليب المتبعة في تطبيق هذا التقويم “الأسئلة القصيرة بنوعيها الشفهية والكتابية، والعصف الذهني، والقصة القصيرة، والنشاطات الفردية والجماعية، والتمرينات القصيرة، والتقارير القصيرة”.

3. التقويم النهائي:

يسمى بالتقويم الختامي، ويتم إجراؤه في نهاية البرنامج التعليمي أو نهاية الفصل الدراسي، ويمتاز بتحديده لدرجة تحقيق المتعلمين للمخرجات الرئيسة لتعلم مقرر ما، ويرتبط غالباً بالقرارات الإدارية مثل قرارات النجاح والرسوب وكذلك بقرارات التصنيف مثل تصنيف المتعلمين إلى من أتقن التعلم وإلى متعلمين لم يتقنوه، ومن الأساليب المتبعة في التقويم النهائي توجد “الامتحانات الفصلية بنوعيها الاختبارات الشفهية أو الاختبارات الكتابية”.

4. التقويم التشخيصي:

يهدف إلى رصد جوانب الاختلاف والتفاوت بين الأداء المتوقع والأداء الذي حققه المتعلم واقتراح أساليب العلاج المناسبة؛ إذ يعمل هذا النوع على تحديد نقاط القوة ونقاط الضعف عند كل متعلم، إضافة إلى التركيز على صعوبات التعلم عند المتعلمين، ويعمل التقويم التشخيصي على تكييف التعليم مع حاجات المتعلم فهو لا يتوقف عند التعرف إلى المشكلة؛ بل يستمر حتى التأكد من إتقان المتعلم للمهارات والكفايات المطلوب تحقيقها.

شاهد بالفديو: 8 صفات يتميّز بها المُعلم الناجح

 

متطلبات التقويم التربوي:

1. متطلبات فهم المشكلة التقويمية:

ينبغي هنا على مُعِدِّ برنامج التقويم التربوي أن يكون على دراية تامة بالعوامل المحيطة بالمشكلة في المجتمع سواء التربوية مثل السياسة التعليمية والأهداف التعليمية ونظام الدراسة ووسائل التقويم السائدة والعوامل الأخلاقية والاجتماعية مثل العادات والتقاليد والقيم السائدة أم السياسية مثل نوع النظام الحاكم أم الاقتصادية والمالية التي تتمثل في اختيار الوسائل التقويمية مع الإمكانات المالية المتاحة، ففي حقيقة الأمر تؤثر هذه العوامل في حياة كل من المعلمين والمتعلمين وآباء المتعلمين والمجتمع عامةً.

2. متطلبات فهم المحتوى:

يكون من خلال قيام القائم بإعداد البرنامج التقويمي بالشكل الذي يناسب الأهداف الموضوعة ويستطيع البرنامج تحقيقها، كما يجب على مُعِدِّ التقويم تحديد الوظيفة من التقويم هل هي تقويم تحصيل التلاميذ في مادة معينة؟ أم تقويم التحصيل النهائي؟ أم تشخيص إحدى صعوبات التعلم؟ ويضاف إلى ذلك للتأكد من فهم المحتوى معرفة خصائص المتعلم ومحتوى المادة العلمية والوسائل المناسبة للتقويم وبالمحكات التي يجب الاعتماد عليها والدرجات الفاصلة ليستطيع إصدار الحكم المناسب.

أساليب التقويم التربوي الأكثر انتشاراً:

1. الاختبارات التحصيلية:

هي مجموعة من الأسئلة الكتابية أو الشفهية أو الصور أو الرسوم لتقيس بطريقة كمية أو كيفية معلومات المتعلم وتصدر حكماً مبينة الفروق الفردية بين المتعلمين، ويعتمد بناء الاختبار على مجموعة من الأسس التي يجب التركيز عليها وعدم تجاوزها، منها تحديد الهدف من الاختبار بدقة متناهية كأن يكون الهدف قياس تحصيل الطلاب في مادة معينة بعد الانتهاء من تدريس مقرر ما أو تحديد أسباب التأخر الدراسي الذي يُعَدُّ خطوة أساسية لوضع برنامج علاجي.

يضاف إلى تحديد الهدف من الاختبار تحديد الأهداف الإجرائية بشكل واضح بعيد عن الغموض، وتتعدد أنواع الاختبارات التحصيلية ومنها:

  • الاختبارات المقالية: تُستخدم في حال الرغبة بقياس قدرة المتعلم على التذكر والفهم والاستيعاب والحفظ واكتشاف قدرته على الصياغة اللغوية؛ إذ تُترك له حرية الكتابة، فقد يكتب صفحة واحدة وقد يكتب صفحات عدة.
  • الاختبارات الشبه مقالية أو التكميلية: هي نوع من الاختبارات التي تتطلب من المتعلم الإجابة بكلمة أو جملة أو شبه جملة، وتُستخدم غالباً في قياس المعرفة بالتعريفات أو التفسيرات القصيرة.
  • الاختبارات الموضوعية: هي الأسئلة التي تساعد المعلم على تغطية كافة المقرر، وتعددت أنواعها فمنها (أسئلة الصح والخطأ) و(اختر الإجابة الصحيحة) و(أسئلة الترتيب مثل رتب العبارات أو الكلمات) و(أسئلة التوصيل).

2. أسلوب التقويم المستمر:

هو نوع التقويم الذي يرافق العملية التعليمية بكل مراحلها؛ إذ يحدد نقاط الضعف والقوة، ويقدم التغذية الراجعة لتصحيح مسارها بشكل دائم حتى نهاية الهدف منها وتحققه بنجاح.

3. الأسئلة الصفية:

من أهم الوسائل التي يستخدمها المعلم في تحقيق أهداف العملية التعليمية؛ إذ يسمح هذا الأسلوب بتجزئة ما هو مطلوب تقديمه للمتعلم على شكل أسئلة في تتابع منطقي، ولهذه الأسئلة مجموعة من الأنواع منها:

  • الاختبارات التقويمية: تُستخدم في نهاية عملية التعلم للتحقق من مدى تحقق أهداف العملية التعليمية الموضوعة، وتأخذ هذه الأسئلة صيغة جماعية؛ بمعنى أنَّها تُطرح بشكل واحد على جميع المتعلمين.
  • التدريسية: تُستخدم في أثناء ممارسة العملية التعليمية؛ إذ يمكن تكييفها بالشكل الذي يتلاءم مع المتعلمين وحاجاتهم؛ بمعنى أنَّها تراعي الفروق الفردية فتختلف بين متعلم ومتعلم آخر، وتعطى للمتعلم بشكل غير رسمي ودون أن تكون مكتوبة بشكل مسبق، ومن ثمَّ تختفي معها الرغبة والخوف من الفشل أو الرسوب.

في الختام:

التقويم في جوهره عملية تربوية مخططة بشكل مسبق ومبنية على الأهداف المنشودة، وترتبط بإدخال تحسينات أو تعديلات على المنظومة التربوية أو أحد عناصرها الأساسية، فهي عملية شاملة لجميع جوانب العملية التعليمية بدءاً من الأهداف إلى المعلم من حيث إعداده وكفاءته والمتعلم وجميع القضايا المتعلقة به من السلوك إلى التحصيل إلى الميول.

كذلك أساليب التدريس والوسائل التعليمية والمناهج من حيث ملاءمتها للمتعلم والإدارة المدرسية وأساليبها المتبعة وتبعاتها على العملية التعليمية والإشراف التربوي ومدى كفاءته والأبنية المدرسية ومدى الاستخدام الفعال لمحتوياتها من غرف صفية وحاسوبية وغير ذلك، فالتقويم ليس مجرد إعطاء رقم؛ بل هو مسيرة متعددة الأبعاد متكاملة العناصر وهامة لنجاح العملية التعليمية واستمرارها حتى بلوغ أهدافها المرغوبة.