منوعات

شواهد ومشاهد (3) – مكساوي –

شواهد ومشاهد (3)

 

هذا الشاهد لسواد بن قارب الأسدي الدوسي، وهو من جملة الصحابة رضوان الله عليهم، وقد كان كاهنًا تأتيه الجِنُّ بالأخبار فأسلم، وقد قاله يخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

وقد أورد النحاة هذا الشاهد على زيادة الباء في خبر “لا” و “ما” و “ليس” قال ابن مالك في الألفية:

فـ (الباءُ) تُزاد في خبرِ (ما) وبعضِ النواسِخِ للتوكيد، وزيادتُها على ضربين:

الأوَّلُ: زيادةٌ كثيرةٌ، وذلك في خَبَرِ (ما وليسَ)، نحوُ: قوله تعالى: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36]، وقالَ تعالى: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ ﴾ [الزمر: 37]، وقالَ تعالى: ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت: 46]، وقالَ تعالى: ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [هود: 123].

 

فالباءُ: حرْفُ جَرٍّ زائدٌ إعرابًا، لا معنًى، و(غافِلٍ) خبرُ (ما) منصوبٌ بفتحَةٍ مُقَدَّرَةٍ، مَنَعَ مِن ظُهورِها شُغْلُ المحَلِّ بحركةِ حَرْفِ الجرِّ الزائدِ.

 

وتعُمُّ هذه الزيادة ما التميميَّة والحجازية، لا فرق في ذلك على الراجح.

 

الضرب الثاني: زيادةٌ قليلةٌ، وذلك وَرَدَ في خبرِ (لا) العامِلةِ عَمَلَ ليسَ: كقولِ سَوَادِ بنِ قارِبٍ يُخاطِبُ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ:

كما وَرَدَ في خبرِ مُضَارِعِ (كانَ) المنفيِّ بلم؛ كقولِ الشَّنْفَرَى في لامِيَّتِه:

والمشهد الذي يستدعي الوقوف عنده سرعة استجابته للإسلام وتوفيق الله له بإعمال نجائبه، وشد رحله نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم وانقطاع تلك الكهانة عنه بمجرد إسلامه؛ إذ هذا الكتاب المبين كالشمس يمحو كل ظلمة، ويذهب كل غسق، ويغطش كل ليل، ويُزهِق كل باطل، وقد وردت روايات كثيرة لقصيدته التي أنشأها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم متضمنة هذا الشاهد من هذه الرِّوايات ما رواها ابن كثير في البداية والنهاية والذهبي في السير، ورواها أبو يعلى والطبراني، فقد ورد أن عُمرَ بنَ الخطَّابِ رضِي اللهُ عنه بينما هو ذاتَ يَومٍ جالسٌ؛ إذ مرَّ به رجُلٌ، فقيلَ: يا أميرَ المؤمنينَ، أتعرِفُ هذا المارَّ؟ قال: ومَن هذا؟ قالوا: هذا سَوادُ بنُ قاربٍ الذي أتاه رَئِيُّه بِظُهورِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قال: فأرسَلَ إلَيْه عُمرُ، فقال له: أنتَ سَوادُ بنُ قاربٍ؟ قال: نعَمْ، قال: فأنتَ على ما كنتَ عليه مِن كَهانتِكَ؟ قال: فغضِبَ وقال: ما استقبَلَني بهذا أحَدٌ منذُ أسلَمتُ يا أميرَ المؤمنينَ، فقال عُمَرُ: يا سُبْحانَ اللهِ، ما كنَّا عليه مِن الشِّرْكِ أعظَمُ ممَّا كنتَ عليه مِن كَهانتِكَ، فأخبِرْني ما أنبأَكَ رَئيُّكَ بظُهورِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ قال: نعَمْ يا أميرَ المؤمنينَ، بَينَما أنا ذاتَ ليلةٍ بَينَ النائمِ واليَقْظانِ؛ إذ أتاني رَئيِّي فضرَبَني برِجْلِه، وقال: قمْ يا سَواد بن قاربٍ، واسمَعْ مقالَتي، واعقِلْ إنْ كنتَ تعقِلُ، إنَّه قد بُعِثَ رسولٌ مِن لُؤيِّ بنِ غالبٍ يدعو إلى اللهِ وإلى عبادتِه، ثمَّ أنشَأَ يقولُ:

 

قال: قلتُ: دَعْني أنامُ؛ فإنِّي أمسَيتُ ناعسًا، قال: فلمَّا كانتِ الليلةُ الثانيةُ أتاني فضرَبَني برِجْلِه، وقال: قمْ يا سَواد بن قاربٍ، واسمَعْ مقالَتي، واعقِلْ إنْ كنتَ تعقِلُ، إنَّه بُعِثَ رسولٌ مِن لُؤيِّ بنِ غالبٍ يَدْعو إلى اللهِ، وإلى عِبادتِه، ثمَّ أنشَأَ يقولُ:

 

قال: قلتُ: دَعْني أنامُ، فإنِّي أمسَيتُ ناعسًا، فلمَّا كانت الليلةُ الثالثةُ أتاني فضرَبَني برِجْلِه، قمْ يا سَواد بن قاربٍ، واسمَعْ مقالَتي، واعقِلْ إنْ كنتَ تعقِلُ، إنَّه بُعِثَ رسولٌ مِن لُؤيِّ بنِ غالبٍ يَدْعو إلى اللهِ، وإلى عبادتِه، ثمَّ أنشَأَ يقولُ:

 

قال: فقمتُ وقلتُ: قد امتحَنَ اللهُ قلبي، فرحَّلْتُ ناقتي، ثمَّ أتَيتُ المدينةَ -يعني: مكَّةَ- فإذا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في أصحابِه، فدنَوتُ فقلتُ: اسمَعْ مقالتي يا رسولَ اللهِ، قال: ((هاتِ))، فأنشأتُ أقولُ:

 

قال: ففرِحَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأصحابُه بمقالَتي فرَحًا شَديدًا؛ حتى رُؤِيَ الفرَحُ في وُجوهِهِم، قال: فوثَبَ إليه عُمرُ بنُ الخطَّابِ فالتزَمَه، وقال: قد كنتُ أَشتَهي أنْ أسمَعَ هذا الحديثَ منكَ، فهل يأتيكَ رَئِيُّكَ اليَومَ؟ قال: أمَّا منذُ قرأتُ القرآنَ فلا، ونِعمَ العِوضُ كتابُ اللهِ مِن الجِنِّ، ثمَّ قال عُمرُ: كنَّا يَومًا في حيٍّ مِن قُرَيشٍ يُقالُ لهم: آلُ ذَريحٍ، وقد ذبَحوا عِجْلًا لهم، والجَزَّارُ يُعالِجُه؛ إذ سمِعْنا صَوتًا مِن جَوفِ العِجْلِ، ولا نرى شَيئًا، قال: يا آلَ ذَريحْ، أمرٌ نَجيحْ، صائحٌ يَصيحْ، بلِسانٍ فَصيحْ، يشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ[1].

 

وقوله: فتيلًا: وهو الخيط الرقيق الذي يكون في شق النواة[2].


[1] ابن كثير| المصدر: البداية والنهاية، الصفحة أو الرقم: 2 /309| خلاصة حكم المُحدِّث: منقطع من هذا الوجه ويشهد له رواية البخاري.

التخريج: أخرجه أبو يعلى في ((معجمه)) (329)، والطبراني (7/92) (6475)، وأبو نعيم في ((دلائل النبوة)) (62) باختلاف يسير.

[2] الإعراب:

“فكن”: فعل أمر ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنت.

“لي”: جار ومجرور.

“شفيعًا”: خبر كان.

“يوم”: منصوب على الظرفية الزمانية، ناصبه قوله: “شفيعًا”.

“لا”: نافية تعمل عمل ليس، “ذو”: اسمها مرفوع بالواو نيابة عن الضمة، وذو مضاف، و “شفاعة”: مضاف إليه.

“بمُغْن”: الباء زائدة، مُغْنٍ: خبر لا، وهو اسم فاعل – فعله متعدٍّ – يرفع فاعلًا وينصب مفعولًا، وفاعله ضمير مستتر فيه، و”فتيلًا”: مفعوله.

“عن سواد”: جار ومجرور متعلق بمُغْنٍ، “ابن”: صفة لسواد، وابن مضاف، و” قارب”: مضاف إليه.

الشاهد: إدخال الباء الزائدة على خبر «لا» العاملة عمل ليس.

«لا ذو شفاعة بمُغْنٍ» بمُغْنٍ: مجرور لفظًا منصوب محلًّا خبر لا النافية، والباء: زائدة، وفتيلًا: مفعول به ل «مُغْن»؛ لأنه اسم فاعل يعمل عمل فعله؛ [شرح أبيات مغني اللبيب ج 6/ 271، والهمع: 1/ 127، 218، والدرر: ج 1/ 101، 188، والأشموني: ج 1/ 251 / وج 2/ 256].