منوعات

الفوائد النفسية لهدر الوقت – مكساوي –

يذكر الصحفي البريطاني أوليفر بيركمان (Oliver Burkeman) في صحيفة الغارديان (The Guardian) أنَّ الكاتب الأمريكي ميرلين مان (Merlin Mann) كُلِّف بتأليف كتاب عن نظام البريد الإلكتروني المُبسط؛ لكنَّه تخلى عن المشروع بعد ذلك بعامين، ونشر بدلاً من ذلك مقالاً على مدونة (حُذِفَ منذ ذلك الحين) يوضح كيف أنَّه قضى وقتاً طويلاً في التركيز على قضاء وقت مثمر، وانتهى به الأمر بخسارة لحظات ثمينة كان يمكن أن يقضيها مع ابنته.

تظهر المشكلة عندما تقضي وقتاً طويلاً في سعيٍ مستميتٍ لتحقيق الإنتاجية، وتتجنب أخذ فترات راحة فعلية، فتقلِّل النوم، أو تتوقف عن الذهاب للتنزه، أو قراءة كتاب بجوار النافذة، وإن تمكنت من إدارة الوقت بعيداً عن العمل الشاق، سيظل فكرك منشغلاً بالأمور التي ينبغي لك القيام بها، ما يجعل التجربة مُثقلةً بالشعور بالذنب.

تميل عوضاً عن ذلك نحو الخيار الأقل إنتاجيةً من بينها جميعاً، وهو الجلوس في مكتبك أمام جهاز الكمبيوتر وتصفُّح مواقع الويب، الأمر الذي لا يخدم الإنتاجية ولا سعادتك الشخصية.

شاهد: 10 طرق لتحسين مهارات إدارة الوقت لديك

 

إضاعة الوقت تعني إعادة شحن طاقتك وترتيب أفكارك:

يقول مايكل غوتريدج (Michael Guttridge)، وهو طبيب نفسي متخصصٌ في دراسة السلوك في مكان العمل: “توجد فكرة سائدة بأنَّنا يجب أن نكون متفرغين دائماً، وأن نعمل طوال الوقت”، ويُضيف قائلاً: “من الصعب التملُّص من العمل والذهاب إلى الحديقة العامة”؛ لكنَّ العواقب السلبية واضحة؛ إذ ينتهي بك الأمر بالشرود في أثناء العمل على الكمبيوتر، وتجد في وسائل التواصل الاجتماعي مصدر تشتيت، وتُقنع نفسك بأنَّك تؤدي مهام عدة في الوقت نفسه، بينما أنت في الحقيقة تستغرق وقتاً أطول بكثير من اللازم في أداء المهام البسيطة.

إضافةً إلى ذلك، أنت تخسر بذلك الفوائد النفسية والجسدية للوقت الذي تُكرِّسه لنفسك؛ إذ يقول غوتريدج: “يأكل الناس وهم جالسون في المكتب على أجهزة الكمبيوتر، وهو أمر مثير للاشمئزاز، يجب عليهم الذهاب في نزهة إلى المقهى سيراً على الأقدام والتملُّص من العمل قليلاً، فحتى المصانع قديماً كانت تُخصِّص فترات راحة”.

ليس الأمر كما لو أنَّ عليك العمل بأقصى جهد؛ إذ كتب أليكس سوجونج كيم بان (Alex Soojung-Kim Pan)، مؤلف كتاب “الراحة: لماذا تنجز أكثر عندما تعمل أقل” (REST: Why You Get More Done When You Work Less)، أنَّ أبرز الشخصيات أمثال الروائي والكاتب الإنكليزي تشارلز ديكنز (Charles Dickens)، والروائي الإسباني غابرييل غارسيا ماركيز (Gabriel García Márquez)، وعالم التاريخ والجيولوجي البريطاني تشارلز داروين (Charles Darwin) كان لديهم جداول عمل مريحة للغاية؛ إذ كانوا يعملون لمدة خمس ساعات في اليوم أو أقل، والحقيقة هي أنَّ العمل يمتد ليناسبَ الوقت المخصص له، ويستطيعُ معظمنا قضاء ساعات أقل في المكتب وإنجاز كمية العمل ذاتها.

حتى الأنشطة الممتعة في بعض الأحيان مثل مشاهدةِ فيلم أو الذهاب للجري قد تثقل كاهلك نتيجة الشعور بالمسؤولية؛ إذ يقول غوتريدج أنَّه سمع عن مديرين تنفيذيين يقومون بتسريعِ شريط الفيديو في أثناء مشاهدة الأفلام ليصلوا إلى خلاصة القصة. ربما ينجحون في ذلك؛ لكنَّهم يفوِّتون بالتأكيد الاستمتاع بعالم السينما.

يُضيف قائلاً: “إضاعة الوقت تعني إعادة شحن طاقتك وترتيب أفكارك”، ويعدُّ التوقف عن العمل لبعض الوقت تحسيناً في النهاية لأدائك الوظيفي، وسيعود عليك بالفائدة من النواحي جميعها.

حتى مشاهدة التلفاز التي تتعرض للكثير من الانتقادات من الممكن أن تكون تجربةً مفيدةً إذا استرخيتَ واستمتعت بها، وقد وجدت إحدى الدراسات أنَّها تتحول إلى تجربةٍ أقل إمتاعاً بالنسبة إلى أولئك الذين يصفون أنفسهم بالكسالى لجلوسهم مطولاً أمام التلفاز.

في الختام:

نرغب جميعاً في قضاء الوقت في تصفح مجلة في نهاية اليوم، أو التنزه في الحي، أو عدم القيام بأيِّ نشاط ببساطة، ويجب أن نغتنم هذه اللحظات، ونعدُّها وقتاً مثمراً في الحقيقة.