منوعات

لماذا يتابع كريستيانو رونالدو شاشات الملعب أثناء المباراة؟

«كان يمضي أوقاتًا طويلة محدقًا لانعكاس صورته».

مهلًا، هذه ليست إعادة لسرد قصة نارسيس الإغريقي، الذي وقع في غرام انعكاس وجهه في المياه، لكنها نقلًا لشهادة الأوروجوياني دييجو فورلان، لاعب مانشستر يونايتد السابق، في حق البرتغالي كريستيانو رونالدو، حيث الذي سبق وزامله مطلع الألفية الثالثة.

في الواقع، على الرغم من مسيرة رونالدو الحافلة، تظل مسألة اعتزازه المبالغ به بنفسه محل نقاشٍ واسع؛ لأن معظم من قادتهم الظروف لمزاملته أو الإشراف على تدريبه طالما أكدّوا أمرين لا ثالث لهم؛ الأول هو استثنائيته كلاعب كرة قدم محترف، والثاني هو رغبته الدائمة في توسُّط الأضواء، حتى ولو من باب التملُّق.

حقيقة، قد يبدو الأمر منطقيًا، ففي الغالب سيسعى المحيطون بنجم بحجم وإمكانيّات رونالدو إلى جعله أكثر راحة، أيًا ما كانت الطريقة المتبعة للوصول لهذا الهدف؛ لأن راحته النفسية تعني بداهةً أداءً أفضل، من ثم تأثيرًا أكبر على نتائج الفريق الذي يلعب له دون شك.

لماذا نحن هنا؟

كريستيانو رونالدو

حقيقةً، كانت قضايا الاشتباه في إصابة نجوم كرة القدم بالنرجسية في أوقات سابقة مرتبطة بشكل أساسي بما يسرده زملاؤهم من قصص، مثل تلك التي قصّها فورلان عن رونالدو، وأكّدها العديد من زملائه الآخرين، وقطعًا منافسوه، لكن عند لحظة ما من التاريخ، أصبح من السهل على المتابع العادي لكرة القدم، أن يلتقط مثل تلك الأعراض.

في 1980، تم تركيب أول شاشة عملاقة في أحد ملاعب كرة القدم الأمريكية، بهدف تسلية المشاهدين بين فواصل المباراة، ومع الوقت، أصبحت هذه الشاشات تنقل انفعالات اللاعبين مباشرة للجماهير، ومن هنا بدأ كل شيء.

طبقًا لكين إيرلي، صحفي «أيريش تايمز»، كريستيانو رونالدو كان أحد أبرز من اهتموا بهذه الشاشات الكبيرة المثبتة أعلى ملاعب كرة القدم، فمثلًا، يرى برونو هنريكي، لاعب فوفلسبورج الألماني، والذي سبق له مواجهة رونالدو بدوري أبطال أوروبا، أنّه لاعب ممتاز، يستحيل مراقبته، لكنه يظل محدقًا لصورته بالشاشة الكبيرة بالملعب.

بينما أشار إيرلي أيضًا إلى اهتمام رونالدو بتتبع صورته ‑أثناء احتفاله بتسجيل الأهداف- عبر تثبيت ناظريه على إحدى شاشات الملعب العملاقة، ليتأكد من مثالية احتفاله.

بالطبع، ما ذكر قطرة من بحر، وللمزيد من الموضوعية، لا يمكننا القول إن مثل تلك التصرفات تؤثر سلبيًا على إنتاج رونالدو كلاعب كرة قدم، بل على العكس تمامًا، يمكننا الزعم بأنها قد تؤثر عليه إيجابيًا.

كريستيانو رونالدو.. الأفضل من ميسي؟

كريستيانو رونالدو

«بالنسبة لي، أنا الرقم 1 في تاريخ كرة القدم، أنا أعظم لاعب كرة قدم».

كريستيانو رونالدو، سبتمبر 2019.

كان ذلك جزءًا من تعليق رونالدو حول تقييمه لنفسه، وربما يعتبر هذا الأمر منطقيًا، فجميعنا يرى نفسه الأفضل في مجاله، حتى وإن لم يصرح بذلك، لكن المشكلة تكمُن في المعيار الذي حدده رونالدو لتحديد هذه الأفضلية.

يرى نجم يوفنتوس السابق أن طريقه لإثبات أنّه الأفضل يبدأ عندما يتمكّن من إحراز الكرة الذهبية عدد مرات أكبر مقارنة بالأرجنتيني ليونيل ميسي، وعلى الرغم من إدراك رونالدو لعدم منطقية معايير هذه الجوائز من الأساس، عمِل منذ سنوات على تحقيق غايته، فكيف حدث ذلك؟

مع كسر نجم ريال مدريد السابق حاجز الـ30 من العمر، وفي ظل المنافسة الشرسة إعلاميًا ورياضيًا من منافسه الأرجنتيني، قرر الأول مجبرًا أو طواعيةً، أن يتخلّى عن أسلوب لعبه الذي اشتهر به، وفضّل مراكمة الأرقام عبر التحوُّل لمهاجم، لأنه يبدو طريقًا أقصر لحصد الإعجاب، والأهم، ضمان استمراريته في اللعب على مستوى عال أطول فترة ممكنة، ما قد يمكّنه من المنافسة على الجوائز الفردية، التي تمثل له ‑طبقًا لزملائه- قيمة أكبر من تحقيق الفريق الذي يلعب له للبطولات.

ومع ذلك، قد لا تتعارض رغبة كريستيانو الشخصية في تصدّر المشهد مع مصلحة الفريق بشكل عام، لأن بتألقه وتسجيله للأهداف، سيفوز الفريق، بالتالي يستفيد الجميع.

النرجسية لا تضر

كريستيانو رونالدو

مع كل ذلك، يعد رونالدو أحد أكثر نجوم كرة القدم متابعةً على منصات التواصل الاجتماعي، ونادرًا ما يرى متابعوه أزمة في اعتداده بنفسه، أو ما يمكننا وصفه بالنرجسية، وربما يرجع السبب في ذلك إلى قدرة اللاعب على تحمُّل الضغط، وتحويله لمنتج يجتمع المتابعون من حوله.

طبقًا لتقرير نشره معهد علم النفس بأحد الجامعات الويلزية، فالرياضيون النرجسيون أكثر قدرة على النجاح في التخلّص من ضغط المواقف العصيبة، على العكس من ذلك، يعتقد الباحثون أن أولئك الذين يتوقون إلى الاهتمام سيكونون أكثر عرضة لأداء ضعيف عندما يكون هناك قدر أقل من المخاطر.

تشير الدراسة إلى أنه في أعلى مستوى من الأداء، قد يكون الفرق بين الفوز والخسارة متعلقًا بالشخصية أكثر من البراعة الرياضية.

حسب الدكتور «روس روبرتس»، أحد المشاركين في الدراسة أعلاه، يُعتقد أن السبب في ازدهار النرجسيين في المواقف العصيبة هو أنهم عندما يتفوقون في ظل هذه الظروف، يتلقون الإعجاب والتملق الذي يتوقون إليه، وهذه هي النقطة التي لطالما تحدث عنها زملاء رونالدو ومدربوه.

لكن الجزئية الأهم، هي أن الرياضيين النرجسيين عادةً ما يكونون شخصيات مدفوعة بـ«الرغبة في تحقيق المجد الشخصي»، بالتالي تنشأ بداخلهم رغبة دائمة في اختلاق مواقف تعرضهم للضغط، كي يظهروا بشكل أفضل.

نهاية؛ لا يمكننا سوى القول إن كريستيانو رونالدو أظهر عبر تاريخه أعراض الإصابة بالنرجسية، لكن ذلك لم يمنعه من تقديم مسيرة كروية من الأبرز في تاريخ اللعبة، كما لم يمنع الجماهير بشكل عام من الالتفاف من حوله؛ لأنه لطالما استطاع تحويل المواقف الصعبة، للحظات تفوّق، وهو ما جعله يظهر في أحيان كثيرة بطلا في أعين مشجعيه.