منوعات

أقضي حياتي في خدمة أمي

السؤال:

الملخص:

امرأة مطلقة تعيش هي وطفلاها مع والدتها، وتقوم بخدمتها ورعايتها، في حين أن أخواتها المتزوجات لا يأتين لزيارة أمِّهم إلا لمامًا، وهي ترى في ذلك بخسًا لحقِّها، وتشعر بالحسرة لمرور السنين دون أن تعيش المتعة التي تعيشها أخواتها، وتسأل: ما النصيحة؟

 

تفاصيل السؤال:

أنا الصغرى بين أخواتي الأربع المتزوجات، اللائي يعشن في مناطق بعيدة، ويزرن أمي في أحايين تفصل بينها مدد طويلة؛ بحجة انشغالهن بحياتهن، ولدي أخ واحد يعيش في منزل مستقل مع زوجته، وبعد انفصالي وعودتي إلى منزل أمي مع طفليَّ، أصبحت مسؤولة عنها في كل شيء؛ من مراعاة لنفسيتها، وتدبير أمورها الصغيرة، إلى القيام برعايتها الصحية، وأخذها إلى المستشفيات في مواعيدها وأصبحت مسؤولة عن استقبال ضيوفها؛ فأمي هي كبيرة العائلة، ولا يكاد يخلو البيت من زيارة الأقارب من ذوي الأرحام للسلام عليها، فأجتهد في استقبالهم وتنظيف المنزل، وتقديم الضيافة، وهذا الشيء يسرق أيامي، فلا وقت لديَّ لممارسة هواياتي، بل لا أستطيع قراءة بعض الكتب التي اشتريتها منذ مدة، وهذا الشيء يؤلمني نفسيًّا قبل أن يتعبني جسديًّا، أعرف فضل بر الوالدين وأنا سعيدة بخدمتها، لكني أحزن على حالي؛ إذ أحس بأن الحمل ثقيل عليَّ، وأرى أن أخواتي مقصرات، فمن الواجب عليهن مشاركتي في رعاية أمي، وتدبير منزلها الكبير، وإذا ما ألمحت بذلك إلى إحداهن، يتم تجاهلي، ونصحي بالصبر واحتساب الأجر، أحزن حينما أرى صديقاتي مستمتعات خارج المنزل ليلًا، أحزن حينما أرى أختي الكبرى في عمر الخمسين تسافر مع زوجها، وأنا أصغر منها ولم أجرب هذه السعادة، بل أغسل وأنظف، وأرعى وأتحمل انتقادات والدتي الطاعنة في السن، وتعدادها لأخطائي، فأحيانًا تعتبرني مقصرة، وعلى العكس من ذلك، فإنها تعامل أخواتي إذا قدِمْنَ بكل حب ومودة، وتفرح بهداياهن وزيارتهن القصيرة لمدة أيام، أحس بضيق شديد، أقضي نهاري مكتئبة، وليلي باكية، وأنا أرى أيام عمري تضيع، والسنين تمر، دون متعة أو هدوء مع النفس، ولا أحد يقدِّر ذلك، بمَ تنصحونني؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

أولًا: ملخص رسالتكِ وليس مشكلتكِ هو:

أن الله سبحانه اختصكِ بالهدية والنعمة العظيمة التي أنعم الله بها عليكِ، وحرم منها أخواتكِ المسكينات.

 

ثانيًا: ولو علموا عن عظمتها، لقاتلوكِ عليها بالسيوف.

 

ثالثًا: ما هذه النعمة؟ هي هذا الكنز العظيم الثمين الذي بين يديكِ، وهو عمل صالح ثوابه جزيل جدًّا جدًّا، بل أجزل وأعظم من صلوات النافلة، وصدقات التطوع، وصيام التطوع؛ وهو اختصاصكِ بشرف خدمة أمكِ ورعايتها، وكسب الثواب تلو الثواب، والدرجات العلى من الجنة بشرط الإخلاص لله سبحانه.

 

رابعًا: فافرحي بفضل الله عليكِ، واسجدي شكرًا لله عز وجل، وابكي فرحًا بهذا الفضل العظيم، وهذه المنة والمنحة الربانية لكِ خصوصًا.

 

خامسًا: وأوصيكِ بالاستمرار في هذا الشرف الكبير، رافعة رأسكِ، معتزة بفضل الله عليكِ.

 

سادسًا: ومما يُعينكِ على ذلك كله أن تقرئي ما ورد في مقالتي بشبكة الألوكة بعنوان: (بروا والديكم قبل موتهما)؛ ففيها تذكير بالأدلة من القرآن والسنة على فضيلة البر، وعِظم أجره.

 

سابعًا: في الحقيقة ليس عندكِ مشكلة، المشكلة حقيقة لدى أخواتكِ المقصرات؛ فهن اللاتي يُفترض أن يرسلن رسالة يشتكين فيها من استئثاركِ بهذا العز الوافر.

 

ثامنًا: أما ما أشرتِ إليه من التعب الذي يصيبكِ وعدم الفراغ لديكِ، فكل هذا إذا تذكرتِ عِظم كرم الله لكِ بهذا الشرف، هان عليكِ التعب، بل أصبح لذة، ومتعة لها نكهة خاصة المذاق.

 

تاسعًا: فأوصيكِ بكثرة الدعاء بإعانة الله لكِ وبالصبر والاحتساب؛ وتذكري قوله عز وجل: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2، 3].

 

عاشرًا: وما يدريكِ لعل بركِ بأمكِ يكون سببًا عظيمًا لتيسير زواجكِ من رجل صالح خلوق، تسعدين معه سعادة عظيمة يغبطكِ عليها كل أخواتكِ وصديقاتكِ، ثم ترزقين بأبناء بارين تنتفعين منهم نفعًا عظيمًا في حياتكِ وبعد موتكِ؛ لأن البر باب عظيم لاستجابة الدعاء، وتفريج الكرب، وتيسير المستحيلات الصعاب.

 

حادي عشر: وتأملي كثيرًا قصة أويس القرني التي ذكرتها في رسالة بروا والديكم، وكيف صار مستجاب الدعاء بسبب بره لوالدته.

 

ثاني عشر: الخلاصة ليس لديكِ مشكلة أبدًا، بل لديكِ كنز عظيم؛ فحافظي عليه، تسعدي في الدنيا والآخرة.

 

حفظكِ الله، ورزقكِ بر الوالدة والصبر والفرج.

 

وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.