منوعات

الحيرة في التخصص الدراسي – مكساوي –

السؤال:

الملخص:

فتاة في المرحلة الثانوية رسَبت في آخر سنة لها في التخصص العلمي؛ نتيجة للاكتئاب والوسواس القهري، ثم حوَّلت إلى التخصص الأدبي، لكن مهنة التمريض قد استهوتها، وجعلتها هدفًا لها في الحياة، وهي لا يمكن دخولها إلا من خلال التخصص العلمي، وهي في حيرة: هل تكمل تلك السنة ثم تحول للتخصص العلمي، أو تستمر في التخصص الأدبي؟

 

تفاصيل السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

القصة وما فيها تبدأ قبل ثلاث سنوات تقريبًا؛ إذ رسبتُ في آخر سنة لي في السنة الثانوية؛ بسبب الاكتئاب والوسواس القهري، واستسلامي لهما حينها، كنت في تخصص علمي – أحياء آنذاك، وأنا أحب فعلًا ذلك التخصص، غير أنني رسبت فيه تلك السنة؛ لإهمالي له بسبب العارض الذي ذكرته، ولشدة خوفي من الفيزياء والكيمياء، ولأن رسوبي بسببهما واقع ومتحقق لا محالة، لم أسجل في السنة التي بعدها، ولم أنجح في التي بعدها أيضًا؛ لأني لم أعد أهتم بالدراسة من جديد، ثم إنني في هذه السنة سجلت في دراسة حرة عن بُعْدٍ، لكن غيرت التخصص للآداب، ولا أدري ماذا سأصنع به بعد هذا إن نجحت فيه؛ ذلك لأنني ببساطة ليست عندي أي ميول في هذا التخصص، قد لا تكون قدراتي في التخصص العلمي هائلة، لكن التخصص الذي أريده بعدها لا يتحصل إلا به، فمؤخرًا وبعد أن بدأت في البحث عن نفسي ومشاهدة فيديوهات د. عبدالرحمن ذاكر، استهوتني مهنة التمريض، وقد جعلتها بالفعل هدفًا في حياتي، ولكن التخصص الذي أريده فيها لا يمكن دخوله من خلال الشعبة الأدبية، لذا أنا في حيرة: هل أستمر هذا العام لأنجح وأسجل في تخصص آخر – كاللغة مثلًا – وأنسى التمريض إلى حين، أو أحاول أن أنجح إرضاء لوالديَّ، ثم في العام القادم أقدم في امتحان الشعبة العلمية لأقدم في التمريض؟ أرجو توجيهكم والوصول إلى حلٍّ يرضيني ويرضي والديَّ؛ لأنهما عانيا الأمَرَّين معي خلال السنوات المنصرمة بعد تركي لدراستي، فأود إرضاءهما هذه المرة، وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فالأفضل أن تدرسي المواد العلمية التي تحبينها بغض النظر عن فرصة العمل التي سوف تُتيحها هذه الدراسة.

 

شيءٌ منطقي أن المواد الدراسية مرتبطة بالوظيفة المتاحة بعد ذلك، ولكن نفرض أن أحدهم نشأ منذ صغره، وهو يعرف طبيبًا في أسرته، وتمنى أن يكون طبيبًا مثله، ولكن وجد نفسه لا يحب دراسة الأحياء والكمياء، وينفر من منظر الدم ومن تلك الرائحة المميزة للمستشفيات، فمثل هذا لا تناسبه الوظيفة التي تمناها، وحلم بها في صغره، فهذا في الحقيقة أعجبته بعض الظواهر المرتبطة بالمهنة، ولكنه جاهل بطبيعة وحقيقة المهنة ذاتها، أعجبه المركز الاجتماعي والوجاهة وتقدير الناس للطبيب، وكلامهم حول الطب والأطباء، ولكنه لم يَرَ الوجه الحقيقي لهذه الوظيفة من التعامل مع المرضى، واحتمال انتقال العدوى للطبيب والعلميات الجراحية، ومنظر الدم أو الجروح والحروق، وغير هذا كثير قد لا يدركه إلا من مارس المهنة، فلا تظني أن مهنة الممرضة يسيرة، أو أن أي إنسان قادر عليها وعلى ممارستها.

 

كيف أعجبتكِ مهنة الممرضة؟ سمعتِ عنها في فيديوهات؟ إذًا فاعلمي أنكِ قد رأيت جانبًا واحدًا من هذه المهنة أحسن صانع الفيديو عرضه، ولكن هذا لا يكفي لأن تتخذي قرارًا مثل هذا، ولا أدري إن كان في بلدكِ يمكن أن تتطوعي للعمل في خدمة المرضى بعض الوقت، فتشاهدي بعينكِ وتمارسي بنفسكِ مهنة مساعدة في التمريض، ثم بعد ذلك تقدرين، إن كانت المهنة مناسبة لكِ أم لا.

 

ثم إن مهنة الطب والتمريض تحتاج لدارسة علوم الأحياء والكيمياء والفيزياء، فالطبيب والممرض يتعامل مع مريض، مع كيانٍ حي، ويتعامل مع أدوية مختلفة هي في الحقيقة مواد كيمائية، فلا يُعقل أن تتعاملي مع مواد كيميائية لا تعرفين أثرها على المريض، ثم إن للفيزياء دورًا في هذا، فلا بد أن يكون الطبيب والممرض ملمًّا بوحدات الحجوم ويعرفها جيدًا، فمثلًا يعرف ما هو الليتر وما هي أجزاؤه، وماذا يحدث لو زادت الجرعة أو قلت، وأي هذه الأدوية نافع حتى ولو زادت الجرعة قليلًا فلا ضير منها، وأيها قد يقتل المريض إن زادت جرعته بالخطأ، وأثر الحركة على المريض، وكيفية التعامل معه حين يرفعونه من على السرير، وحين يضعونه عليه مرة أخرى، كل هذه مفاهيم فيزيائية، ودراسة الفيزياء بشكل عام يوسع مدارك الإنسان، ويزيد من فهمه لسلوك الآلات والأجهزة التي يتعامل معها في المستشفى وغيرها، هذه العلوم الثلاثة مرتبطة ببعضها ارتباطًا وثيقًا وليست بمعزل عن بعضها كما تتوهمين.

 

أعود فأقول لكِ انظري في المواد العلمية والأدبية، واختاري منها ما يناسبكِ، وما سوف تحققين نجاحًا فيه، فمثلًا لو أنكِ وجدت في نفسكِ ميلًا للغات، فلا بأس بدراستها، ثم بعد الانتهاء من الدراسة سوف تجدين أنكِ تحبين مجالات العمل التي ترتبط بها تلقائيًّا، وسوف تجدين أن مجالات تدريس اللغات أو الترجمة مجالات لا بأس بها، أما إن كان قد وقع في قلبكِ حب مجال التمريض، فلا بد أن تعلمي جيدًا أنه يلزمكِ النجاح والتفوق في كل المواد الدراسية المرتبطة بالجانب العلمي، وفيها الكيمياء والفيزياء وربما الرياضيات أيضًا.

 

فكري في أمركِ جيدًا في ضوء ما طرحناه عليكِ من أفكار، واختاري المجال الدراسي الذي يناسبكِ وتعلمين أنكِ سوف تنجحين فيه بإذن الله، ثم استخيري الله على قراركِ، عسى أن ييسر لكِ ربكِ من أمركِ رشدًا.