منوعات

أبو الدرداء رضي الله عنه: حكيم الأمة وسيد القراء وجامع القرآن وفارس من طراز خاص

من سير أعلام مسند الإمام [10]

أبو الدرداء رضي الله عنه

حكيم الأمة وسيد القراء، وجامع القرآن، وفارس من طراز خاص

 

إنه الصحابي الجليل عويمر بن زيد بن قيس الأنصاري الخزرجي رضي الله عنه؛ قال البخاري رحمه الله: “سألت رجلًا من ولد أبي الدرداء، فقال: اسمه عامر بن مالك، ولقبه عويمر”.

 

لأبي الدرداء رضي الله عنه المكانة العالية، والمنزلة المرموقة بين صحابة النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحد: ((نعم الفارس عويمر»، وقال عنه أيضًا: ((هو حكيم أمتي».

 

من آخر الأنصار إسلامًا، وكان يعبد صنمًا، فدخل ابن رواحة ومحمد بن مسلمة رضي الله عنهما، بيته فكسرا صنمه، فرجع فجعل يجمع الصنم، ويقول: ويحك، هلا امتنعت، ألا دفعت عن نفسك، فقالت أم الدرداء رضي الله عنها: لو كان ينفع أو يدفع عن أحد، دَفَع عن نفسه ونفعها، فقال أبو الدرداء رضي الله عنه: أعدِّي لي ماء في المغتسل، فاغتسل، ولبس حلته، ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر إليه ابن رواحة رضي الله عنه مقبلًا، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا أبو الدرداء، وما أراه إلا جاء في طلبنا، فقال صلى الله عليه وسلم: ((إنما جاء ليُسْلِمَ، إن ربي وعدني بأبي الدرداء أن يسلم».

 

وقد أسلم رضي الله عنه يوم بدر، ثم شهد أحدًا وأبلى فيه بلاء حسنًا، ودافع عن النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد معه صلى الله عليه وسلم بقية المشاهد.

 

وكان من الصحابة الذين جمعوا القرآن كله، وكان من كتَّاب الوحي رضي الله عنه.

 

روى البخاري من حديث أنس رضي الله عنه، قال: ((مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ، وزيد بن ثابت، وأبو زيد».

 

وقد اشتهر بالعبادة؛ فكان يصوم النهار ويقوم الليل؛ حتى قال سلمان الفارسي رضي الله عنه كما عند البخاري: ((إن لجسدك عليك حقًّا، ولربك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، صُم وأفطر، وصلِّ، وائت أهلك، وأعطِ كل ذي حق حقه».

 

مناقبه رضي الله عنه عديدة، فهو رجل حكيم له فراسة المؤمن التقي الزاهد رضي الله عنه، وكان أول قاضٍ لدمشق: “وعندما فُتحت قبرص مرَّ بالسبي على أبي الدرداء، فبكى، فقيل له: تبكي في مثل هذا اليوم الذي أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ قال: بينما هذه الأمة قاهرة ظاهرة، إذ عصَوا الله فلقوا ما ترى، ما أهون العباد على الله إذا هم عصوه!”.

 

ومن أقواله رضي الله عنه التي أصبحت منارًا للباحثين، وطريقًا للسالكين: “ما لي أرى علماءكم يذهبون، وجهالكم لا يتعلمون، تعلموا؛ فإن العالم والمتعلم شريكان في الأجر”.

 

وقال رضي الله عنه: “اعبُدِ الله كأنك تراه، وعُدَّ نفسك في الموتى، وإياك ودعوة المظلوم، واعلم أن قليلًا يغنيك خير من كثير يلهيك، وأن البر لا يبلى، وأن الإثم لا يُنسى”.

 

وقال أيضًا رضي الله عنه: “أضحكني ثلاث وأبكاني ثلاث؛ أضحكني مُؤمِّل دنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه، وضاحك بملء فِيه ولا يدري أرضى الله أم أسخطه؟! وأبكاني فراق الأحبة محمد صلوات ربي وسلامه عليه، وحزبه، رضوان الله عليهم، وهول المطلع عند غمرات الموت، والوقوف بين يدي الله، ولا أدري إلى الجنة أم إلى النار؟”.

 

ويُروى له مائة وتسعة وسبعون حديثًا، وانفرد البخاري بثلاثة ومسلم بثمانية.

 

رحل في عهد عمر إلى الشام يعلِّم الناس القرآن، ويُذكر أنه أول من سنَّ حلقات تحفيظ القرآن،

 

وقد تُوفِّيَ رضي الله عنه سنة 32 هـ، رحمه الله، ورضيَ عنه وعن الصحابة أجمعين.

 

المراجع:

سير أعلام النبلاء.

أسد الغابة.

التاريخ الكبير.

صحيح البخاري.

مسند الإمام أحمد.