منوعات

أهمية التفكير الذاتي – مكساوي –

لقد اتضح أنَّه من الممكن أنَّك تقوم بالتفكير الذاتي، وإذا كان بإمكانك القيام بالتفكير الذاتي فأنت بالفعل على المسار الصحيح نحو التحسينات المحتملة في العافية والصحة وحتى النجاح الوظيفي.

قبل عقدين من الزمن، كان من الممكن فهم هذا الكلام على أنَّه ترويج كاذب لنظريات غير مثبتة أو علوم زائفة، لكن منذ ذلك الوقت وضعت الأبحاث التفكير الذاتي أمام الناس الذين يبحثون عن الطرائق المدعومة علمياً لتحسين حياتهم.

تابع القراءة لمعرفة السر وراء التفكير الذاتي وكيف يمكنك تسخيره لتحسين حياتك؟

ما هو التفكير الذاتي؟

إنَّ التفكير الذاتي هو أمر بسيط بشكل قد يبدو مخادعاً وهو النظر إلى داخلك بهدف فهم ذاتك وكيف تشعر وأين تريد أن تكون؟ وهو أداة تساعدك على فهم نقاط قوتك وسلوكاتك وأفكارك ورغباتك، ويمكن للتفكير الذاتي أن يتخذ أشكالاً عديدة؛ إذ تعدُّ ممارسة اليوجا والتأمل والمشي في الطبيعة والقيام بعملية التحكم بالتنفس كلُّها ممارسات مرتبطة به، لكن العمل الأساسي الذي يحدد التفكير الذاتي هو النظر إلى داخلك من أجل فهم بعض الأمور.

تقول الأخصائية الاجتماعية وإحدى المشاركات في إدارة عيادة الصحة العقلية أسباير سايكو ثيرابي (Aspire Psychotherapy) الموجودة في نيويورك (New York) بري سكولارو (Brie Scolaro): “ومع ذلك فإنَّ مجرد فهم بعض الأمور هو ليس الهدف النهائي للتفكير الذاتي؛ بل هو نقطة البداية للتغيير الإيجابي؛ وسواء كنت مهتماً بنجاح حياتك المهنية أم تقوية علاقتك العاطفية أم إعادة صداقاتك القديمة، سيسمح لك التفكير الذاتي بفهم ما إذا كان القيام بالأمر الذي تريده سيؤدي بالفعل إلى النتيجة التي تبحث عنها”.

مسار إلى العافية والصحة:

لطالما عدَّ الأشخاص الذين يعملون في مجال الصحة العقلية أنَّ الممارسات المرتبطة بالتفكير الذاتي مفيدة للعافية العقلية والصحة عامة، فقد استوعبت الأبحاث التي اطلع عليها الباحثون نظريات التفكير الذاتي هذه تدريجيَّاً.

على سبيل المثال وجدت إحدى الدراسات في مجلة ذا جورنال أوف سايكولوجي (The Journal of Psychology) أنَّ طلاب الجامعات الذين كانوا أكثر تفكيراً بذواتهم أبلغوا عن مستويات أعلى من الرضى عن الحياة وعن العافية العقلية.

في غضون ذلك وجدت مراجعة أُجريت لـ47 دراسة سابقة أنَّ قدرة التأمُّل على تقليل التوتر ليست أوهاماً يؤمن بها مجموعة من الناس، ووجدت دراسة نُشرت في صحيفة جي إيه إم إيه إنترنال ميديسن (JAMA Internal Medicine) أنَّ الأشخاص الملتحقين في برامج التأمل استفادوا حينما تعلق الأمر بالقلق والاكتئاب.

كذلك أُجريَت دراسة منفصلة بعد عدة أعوام نُشرت في صحيفة سليب (Sleep) شملت 54 شخصاً بالغاً يعانون الأرق المزمن، ووجدت أنَّ التأمل واليقظة الذهنية خياران علاجيان قابلان للتطبيق على الأشخاص البالغين الذين يعانون الأرق المزمن، ويمكن أن يكونا بديلاً للعلاجات التقليدية للأرق.

هذه الدراسات ليست سوى جزءاً صغيراً من أبحاث كثيرة تُظهر روابط إيجابية بين التفكير الذاتي والصحة والسلامة، وهذه العلاقة منطقية بالنسبة إلى كيلي ميلر (Kelly Miller) مؤسسة شركة المرونة وعلم النفس الإيجابي إي برايتر بوربس (A Brighter Purpose) في مقاطعة فيرفاكس (Fairfax) في ولاية فيرجينيا (Virginia) .

تقول كيلي: “يتعلق الأمر كلُّه بإعطاء الأولوية للمشاعر الإيجابية؛ إذ إنَّ إعطاء الأولوية للإيجابية بطريقة عملية من خلال اغتنام الفرص الإيجابية، يفوق التحيز السلبي، على سبيل المثال إذا كنت أعاني يوماً عصيباً – إذا كنت مكتئبة أو حزينة أو وحيدة – فأنا قادرة على التفكير الذاتي والتمعن فيما يجري ورؤية ما أحتاجه وتوجيه نفسي في الاتجاه الإيجابي”.

التفكير الذاتي من أجل النجاح الوظيفي:

على الرَّغم من أنَّ احتمالية زيادة العافية تجذب على الأرجح أشخاصاً عديدين يشعرون أنَّ التوتر والضيق لهما آثار سلبية في صحتهم، إلا أنَّ ثمة عامل إيجابي آخر في التفكير الذاتي بالنسبة إلى الأشخاص المهتمين بالوظيفة؛ إذ تقول كيلي: “في بيئة الأعمال، يُعدُّ التفكير الذاتي أداة ذكاء عاطفي لفهم كيف يمكنك تلبية متطلبات الآخرين ومساعدتهم عندما يحتاجون إليك، وكيف يمكنك التواصل معهم لكي يلبوا متطلباتك أيضاً”.

يُعدُّ هذا الأمر ذا أهمية؛ لأنَّ الأبحاث قد وجدت أنَّ الذكاء العاطفي هو مؤشر قوي على النجاح الوظيفي، ويكون في بعض الحالات أقوى من الذكاء الخام أو المهارات الصلبة، وإذا كانت القدرة على التفكير الذاتي تساهم في زيادة الذكاء العاطفي، فمن المنطقي أنَّها قد تعزز أداءك المهني بدورها.

تقول مايلي تيريل (Maili Tirel) المستشارة التي تقدم استشاراتها عبر الإنترنت والطبيبة النفسية الخاصة بالمدارس في تارتو (Tartu) إستونيا (Estonia): “دون التفكير الذاتي نحن نخمن فقط ونقوم بمحاولات ليس لها فرصاً للنجاح على أمل أن تنجح الأمور بأعجوبة، وتنطوي الجدية في بناء حياة مهنية وتحقيق أهدافك على بعض التفكير الذاتي على الأقل، وأنَّ أخذ بضع لحظات من أجل التفكير الذاتي يمكن أن يساعدك على فهم مكانك مقارنةً بالمكان الذي تريد أن تكون فيه في حياتك المهنية، وكذلك كيفية الوصول إليه.

عندما تلاحظ وجود تناقض بين المكان الذي تريد أن تكون فيه في الحياة وسلوكك، يمكنك ضبط سلوكك والبدء بالتغيير، وأولئك الذين يندمجون في التفكير الذاتي النشط، سيكونون قادرين على اتباع نهج حياة أكثر اندماجاً وفاعلية وإفادة”.

شاهد بالفديو: 7 نصائح للتفكير الإيجابي من ديل كارنيجي

 

لا يتعلق التفكير الذاتي باجترار الأفكار السيئة:

من أجل الاستفادة من التفكير الذاتي عليك أن تأخذ الأمر على محمل الجد؛ إذ تقول كيلي: “عليك أن تفكر في ذاتك بالفعل، ويجب أن تكون النزاهة جزءاً من هذا التفكير، وعلينا أن نكون صادقين عندما نفكر في أنفسنا؛ فأدمغتنا تريد أن تشعرنا بالأمان وبالرضى أيضاً، لكن علينا الإجابة عن بعض الأسئلة الصعبة عندما نفكر في ذاتنا”.

لكن تقول بري: “ومع ذلك يمكن أن ينتج عن النظر إلى داخلنا نظرة ناقدةً أفكاراً ومشاعر قلق، لكن من الهام أن نتعامل مباشرةً مع نقاط قوتنا وإخفاقاتنا الحقيقية للوصول إلى رؤى قابلة للتنفيذ يمكن أن تدفع حياتنا إلى الأمام”.

كذلك تقول مايلي: “حتى عندما تنجح في التفكير الذاتي فأنت بحاجة إلى التمهل لبعض الوقت للتأكد من أنَّك لا تركز على الإخفاقات؛ إذ يمكن أن يؤدي التفكير الذاتي بطريقة خاطئة إلى اجترار الأفكار السيئة أو التركيز المستمر على السلبية، ويرتبط التفكير الذاتي عموماً بنتائج أفضل للصحة العقلية، لكن يجب ملاحظة أنَّ التفكير الذاتي عند بعض الأفراد يمكن يؤدي إلى اجترار الأفكار السيئة، ممَّا له تأثير ضار في الصحة العقلية”.

كيف تستخدم التفكير الذاتي في حياتك؟

من السهل فهم التفكير الذاتي – بوصفه مفهوماً مجرداً – على أنَّه يساعد على تحسين الذات، لكن كيف يبدو الأمر عملياً؟ وكيف يمكنك دمج التفكير الذاتي في حياتك اليومية؟

اقترحت كيلي أن نجعله عملاً يومياً وعملاً يعطي الأولوية للتفكير الإيجابي، وتقول: “يمكنك أن تبدأ كلَّ يوم عن طريق ضبط المؤقت لمدة دقيقتين، والإصغاء إلى الأفكار التي تدور في ذهنك مثل شريط الأخبار، وتذكر أنَّك يمكنك اختيار أفكارك في ذلك اليوم”.

لكن توصي مايلي من ناحية أخرى بتدوين اليوميات بوصفها طريقة لإضافة التفكير الذاتي إلى يومك، وهذه الممارسة تقوم بها بنفسها أيضاً كما تقول: “إنَّني أستخدم كتابة اليوميات لتحليل التجارب المختلفة في حياتي الشخصية والمهنية وفهمها، وأجدها مفيدة لملاحظة أنماط معينة وخاصة في أفكاري أو سلوكي”.

تقول بري: “يمكن أن يساعدك العمل مع معالج أو كوتش للأداء على إفساح المجال لدمج التفكير الذاتي في روتينك، لكنَّ العلاج وتلقي الكوتشينغ ليستا الطريقتين الوحيدتين؛ فإذا لم يكن العلاج متاحاً لك، فعليك اختيار وقت من اليوم أو في روتينك اليومي مثل الساعة 9 صباحاً أو بعد ممارسة الرياضة مباشرةً لأخذ أنفاس عميقة والتفكير؛ انظر إلى داخلك واسأل نفسك: من هو الشخص الذي أريد أن أكون عليه اليوم؟ وما هي القيم التي أريد أن تتجلى في تصرفاتي؟ وكيف أُبلي في حياتي؟”.

The Science of Self-Reflection_ How Looking Inward Can Affect Every Area of Your Life