منوعات

“بلوجر تحت التمرين”!! – مكساوي –

“كيف أُصبح …؟!” ..بمجرد أن تكتب هذه العبارة على مُحَرك البحث “جوجل”، وقبل أن تستكمل باقي السؤال، تظهر إختيارات عديدة، تنتهي جميعها بكلمة “بلوجر” أو “بلوجر ناجح” أو “بلوجر مشهور” …إلخ!!
وعندما تتصفح أيا من النتائج، تنهال عليك سلسلة من النصائح، بدءًا من كيف تقوم بإنشاء حساب، مُروراً بكيفية إدارته، وإختيار الموضوعات والعناوين الخاصة بالمحتوى، وطريقة تحديد الجمهور المُستهدف، وطريقة نشر المحتوى في قالب احترافي، وتصميم جذاب، ومُشوق، إنتهاءً بآلية العمل على زيادة أعداد المُتابعين والتفاعل معهم!!
“هوس” فئات كثيرة من المجتمع – وفى القلب منهم الشباب – بأن يُصبح كل منهم “بلوجر مشهور” ، له ما يُبرره، بالنسبة للغالبية العظمى منهم … وهو البحث عن “الشُهرة” السريعة، والمال الوفير، دون جَهد أو مشقة.
أن تُصبح “بلوجر مشهور” ليس مطلوبا منك أن تكون قد حصلت على شهادة جامعية بتقدير امتياز فى تخصص مُعين، ولا أن تكون من الحاصلين على الدرجات العلمية وشهادات الدكتوراة، ولا أن تكون مما شاركوا في تنفيذ أبحاث علمية مُهمة أفادت البشرية، وليس مطلوباً منك أن تكون قادراً على التحدث بأكثر من لُغة أجنبية، أو حتى تكون مُتمكناً من اللغة العربية نفسها، وليس مطلوباً منك ايضاً أن تكون قد اجتزت دورات تدريبية وتأهيلية نوعية وتخصصية، ولا أن تنتظم في مواعيد عمل صباحية ومسائية في وظيفة مُحددة، ولا أن يكون لديك “رأس مال ” كبير !!
فقط كل المطلوب منك، أن يكون لديك “حساب إلكترونى”، وهذا يُمَكِنك الحصول عليه مجاناً في دقائق معدودة، ومطلوب أيضاً أن يكون لديك هاتف محمول – ليس حديثاً بالضرورة – واشتراك في إحدى باقات الـ “الإنترنت”!!
إذا كان الأمر كذلك، وإذا كان أى فرد في الـ 110 مليون مواطن مصري، يُمكنه أن يُصبح “بلوجر” بين عشية وضحاها، وأن يكون “نجماً” تحت الأضواء ، و”يقبض” بالدولار ، مُتفوقاً فىيفي ذلك على خريجي كليات القمة، وحاملى الدكتوراة …فلم لا ؟!!
من هنا أصبح كل مصري عبارة عن “مشروع بلوجر تحت التمرين” ، ومن هنا أتت الفوضى والعشوائية، في “الشارع المصري الرقمي” والعالم الافتراضي … مئات إن لم يكُن الآلاف من الـ “بلوجر” والـ “يوتيوبر ” وغيرهم، يقولون ويفعلون ما يريدون، وقتما يريدون، وبالطريقة التي يريدون ، ليصبح لهم ملايين المريدين، وللأسف هذا كله “دون ظابط أو رابط” كما نقول في أمثالنا الشعبية!!
بقراءة سريعة للمشهد، نجد أن قلة قليلة من “صُناع المحتوى” هُم من لديهم رؤى وأفكار مُقّدرة، وتحكمهم قواعد ذاتية، وعلى الجانب الآخر نجد الغالبية العُظمى، غارقين في الابتذال والسطحية و”توافه الأمور”، وبعضهم يتجاوز خطوطا حمراء أخلاقية لتحقيق “فيوز” أو مشاهدات أكبر، والبعض الآخر يفتح أبواب مَسَكنه، وينزع الستر عنه أمام جمهوره، لمزيد من المتابعة، وبالتالى مزيد من الأرباح!!
إن ما تبنيه المدرسة والمسجد والكنيسة في سنين، من ترسيخ للقيم والمبادئ والأخلاق، يُدمره بعض “صُناع المحتوى” في ساعات !!
لا يجب أن تقف الحكومة مكتوفة الأيدى، أمام هذه الفوضى والعشوائية، وهنا لا نُطالب بتقييد حُريتهم، ولا غلّ أياديهم، ولكن نطالب بوضع قواعد ومعايير وآليات، تُنظم ممارساتهم، حتى يُصبحوا إضافة للمجتمع، وليس عبئا ثقيلا على كاهله.
لتحقيق ذلك لا نحتاج إلى تشريع جديد، قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 ،المُطبق حاليا، تضمن نصوصاً واضحة، تشترط اجتياز العامل لاختبار قياس مستوى المهارة في المهنة التي يرغب العمل بها، ليحصل بعدها على ترخيص بمزاولة تلك المهنة، وذلك كله وفقاً لقواعد وإجراءات مُحددة.
إننى أدعو السيد وزير القوى العاملة، لأن يُدرج تلك المهنة ضمن قائمة المهن المُعتمدة لدى الوزارة، وأن يقوم بالتنسيق مع كل من وزارة الاتصالات، وغرفة صناعة الإعلام باتحاد الصناعات ، ووزارة الثقافة ، واتحاد الإذاعة والتلفزيون، وأية جهة أخرى معنية، ويقوم بوضع برنامج تدريبي وتأهيلي في هذا الشأن ، يتقدم له من يتوافر فيه اشتراطات محددة ، ويكون مزاولة تلك المهنة بعد الحصول على ترخيص من الوزارة بذلك ، وأن يتم وضع ميثاق شرف مهني وأخلاقي للعاملين بها ، وأن من يخالفه يتم إلغاء ترخيصه …ساعتها سنكون قد قضينا على هذه الفوضى “الفيروسية” التي “تنهش” في ثوابت المجتمع.