منوعات

هضبة التبت: الموقع والتكوين وحقائق مثيرة للاهتمام

عادةً ما تكون الهضاب أكبر من الموائد الصحراوية – مناطق مسطحة نسبياً ومرتفعة مع جوانب شديدة الانحدار وأقل اتساعاً من الهضبة – أو الشواهد الصخرية – تلال مسطحة صخرية ترتفع فجأةً من منطقة مسطحة من الأرض ذات جوانب شديدة الانحدار وقمة مسطحة.

تتصدَّع معظم الهضاب بسبب التعرية لتخلق أخاديد “صدوعاً” عميقةً، وأحد الأمثلة البارزة والمميزة للهضاب هي تلك الموجودة في أمريكا الشمالية والمعروفة باسم “هضبة كولومبيا”.

يلهم اسم هضبة التبت الكثير من الرهبة في أذهاننا، فهذه الهضبة العظيمة ليست مجرد منظر طبيعي رائع، ولكنَّها أيضاً إنجاز طبيعي لا مثيل له، فهي مميزة من حيث التكوين والمكانة والشكل، كما أنَّ لهضبة التبت ما هو أكثر مما تراه العين، وفي هذا المقال، سوف نتعرف بالضبط إلى متى وكيف تشكلت هضبة التبت؟ وأين تقع؟ وما هو محيطها؟ وما هو مدى ضخامة هذه الهضبة المهيبة؟ لذا تابعوا القراءة لمعرفة المزيد عنها واستعدوا للدهشة.

هضبة التبت:

“سقف العالم” هضبة التبت أو هضبة الهيمالايا هي أعلى وأكبر هضبة في العالم، وهي محاطة بجبال شاهقة الارتفاع تضم أعلى جبلين في العالم وهما جبل “إيفرست” و(K2)، وكغيرها من الهضاب النموذجية هي مائدة أرضية تقع على قمة بعض المنحدرات شديدة الانحدار.

تجدر الإشارة إلى أنَّ هذه التضاريس الوعرة تحتوي على عدد هائل من الأنهار الجليدية التي تروي عطش جميع أنحاء آسيا تقريباً، فهي في الواقع صاحبة أكبر احتياطي للمياه العذبة خارج القطبين.

لهذا السبب تسمى هذه الهضبة الرائعة بالقطب الثالث، وتشمل هذه الهضبة منطقةً مساحتها أكبر من مساحة أوروبا الغربية، وهي ذات أهمية ثقافية وجيولوجية كبيرة، فهذه الهضبة التي تغطي أكبر منطقة استوائية جليدية في العالم تغذي ثلاثةً من أكبر الأنهار في العالم وهم نهر ميكونغ والغانج واليانغتسي.

هضبة التبت هي في الواقع عبارة عن سهوب قاحلة عالية الارتفاع تتخللها بحيرات قليلة الملوحة وبعض السلاسل الجبلية، بمعدل هطول أمطار سنوي يُقدَّر بنحو 100 إلى 300 مليلتر، وأهم شكل من أشكال الهطولات في هذه المنطقة هو المطر، ومع تقدُّم المرء شمالاً وشمالاً غرباً، ترتفع الهضبة وتزداد جفافاً وبرودةً.

لقد لوحظ أنَّ سطح الهضبة مليء بالبحيرات المالحة والمستنقعات؛ إذ تعبر الهضبة سلاسل جبلية عدة، وتحتوي على منابع للعديد من الأنهار الرئيسة في جنوب وشرق آسيا، بما في ذلك نهر السند والغانج وبراهمابوترا وميكونغ ويانغتسي (تشانغ جيانغ) وهوانغ (النهر الأصفر).

في جزء تشانغ تانغ من هضبة التبت يبلغ ارتفاع الهضبة فيه أكثر من 16000 قدماً، وتنخفض درجات الحرارة في الشتاء هناك إلى ما دون الـ 40 درجةً مئويةً، ونظراً للظروف المناخية القاسية، تُعَدُّ منطقة تشانغ تانغ واحدةً من أكثر المناطق كثافةً سكانيةً في آسيا؛ إذ يستمر فيها الصقيع لمدة 6 أشهر تقريباً في السنة، والغطاء النباتي والظروف فيها مناسبة لتغذية وإعالة أي شيء سوى السكان الرحَّل.

مناظرها قاتمة وجرداء والصخور فيها متناثرة عند الهوامش الشمالية للهضبة؛ حيث تندمج في السهوب الشمالية الغربية وصحراء حوض تشايدام؛ وهي منخفض كبير يمتد من الشرق إلى الغرب، ومن المثير للاهتمام أنَّ صحراء حوض تشايدام تتكون من جبال وتلال وصحارٍ صخرية ورملية وبحيرات جافة – أحواض صحراوية تُملأ بشكل دوري بالمياه ومن ثم تجف – إضافة إلى المستنقعات المالحة.

تشكُّل هضبة التبت:

إنَّ تشكُّل هضبة التبت حكاية في حد ذاتها، فوفقاً للحكاية الجيولوجية، يُعتقد أنَّه ومنذ 150 مليون عام حين انفصلت الهند عن إفريقيا وانفصلت القارة العظمى المسماة غندوانا. كانت حركة الصفيحة الهندية باتجاه الشمال بمعدل 150 ملم تقريباً في السنة سريعةً للغاية، وما حدث بعد ذلك هو أنَّه منذ نحو 55 مليون سنة ضرب اللوح الهندي الصفيحة الآسيوية بقوة وبأقصى سرعة.

عندما اصطدمت بأكبر مساحة من اليابسة، تشكلت هضبة التبت وسلاسل جبال الهيمالايا وكاراكورام، وقد ألقى الضوء أكثر على هذه القصة مراجعة البحث الذي نُشر في عدد 22-08-2008 من مجلة العلوم حول تطور هضبة التبت، وفي المراجعة جمعت مجموعة من الباحثين بطريقة أكثر منطقيةً العمليات المختلفة التي أدت إلى تكوين هذه الهضبة.

تم توضيح ذلك أنَّه وقبل أن تصطدم الهند فعلياً بأوراسيا “الكتلة الأرضية التي تضم آسيا وأوروبا”، كان محيط تيثس الذي يفصل الكتل الأرضية مغموراً تحت أوراسيا، وهكذا في أواخر العصر الطباشيري “ما يقارب من 100 إلى 65 مليون سنة” تطورت سلسلة جبال بركانية مماثلة لجبال الإنديز الحديثة على طول الحافة الجنوبية للصفائح الأوراسية.

أفاد الباحثون أنَّ التكتونيات السابقة كانت ستبدأ برفع بعض أجزاء هضبة التبت فوق مستوى سطح البحر وزيادة سماكة القشرة القارية هناك، وهذا يمهد الطريق لما سيحدث لاحقاً في عملية التكوين.

أضافةً إلى ذلك ومع استمرار التصادم، تم نقل المواد من الغلاف الصخري – أي الغلاف الخارجي الصلب للكوكب – أسفل القشرة السطحية باتجاه الشرق، وكانت أجزاء الغلاف الصخري مدعومةً بحركة خنادق الاندساس في المحيط الهادئ إلى شرق ما يعرف الآن باسم الصين.

بناءً على ذلك توقفت حركة الخنادق باتجاه الشرق قبل نحو 20 مليون سنة، وهذا ما أدى إلى إعاقة حركة المواد المتولدة عندما استمرت الصفائح الهندية والأوراسية في الاصطدام، ويعتقد الجيولوجيون أنَّ انخفاض القشرة الأرضية استمر ببناء الهضبة الشرقية على الرغم من وجود القليل من الأدلة على ذلك.

يُعتقد أيضاً أنَّ تراكم المواد الليثوسفيرية “الصخرية” تحت الهضبة استمر في تكثيف القشرة ورفع الجزء الشرقي من الهضبة، وهذا ما أدى إلى اندماج منطقتين من القشرة الضعيفة “في هذه المرحلة من تكوين الهضبة، كان الجيولوجيون غير متأكدين من الزيادة أو النقصان العامين في ارتفاع الهضبة”.

أدى هذا في النهاية إلى ما نراه حالياً إلى هذا الهيكل الجيولوجي الحديث لهضبة التبت الذي لوحظ اليوم بعد الكثير من التعديلات الجيولوجية الأخرى وحركات الصفائح الأرضية على مدى السنين الطويلة الماضية.

في الوقت الحاضر، تخضع المعالم الطبيعية التبتية الشرقية حالياً لتغيرات سريعة؛ إذ تقوم الأنهار الرئيسة التي تمر بالهضبة بقطعها بنحو 0.3 إلى 0.4 ملم سنوياً، وهذا يسبب مع الزمن تشكل الوديان التي يبلغ عمقها نحو 3 كيلومترات.

باختصار، تشكلت هضبة التبت في شرق آسيا منذ نحو 55 مليون سنة بسبب الاصطدام عالي السرعة لصفيحتين تكتونيتين، وشكل هذا الاصطدام في البداية جبال الهيمالايا ثم أدى إلى تشكل “سقف العالم” المذهل هذا.

موقع هضبة التبت:

إنَّ تحديد موقع هضبة التبت ليس بهذه السهولة؛ إذ إنَّها مساحة شاسعة من الأرض يكاد يكون من الصعب تحديد حدودها، وتغطي الهضبة الضخمة أجزاء من وسط آسيا وأجزاء من شرقها، وتغطي هذه الهضبة الكبرى أيضاً معظم منطقة التبت ذاتية الحكم وتشينغهاي في غرب الصين، ومنها حصلت على اسمها هضبة تشينغهاي-التبت، وفي الهند تغطي لاداخ في جامو وكشمير إلى لاهول وسبيتي في هيماشال براديش.

تحيط بهضبة التبت العظيمة سلاسل جبلية ضخمة، ومن الجنوب يحد الهضبة سلسلة جبال الهيمالايا الداخلية، وتتشكل حدودها الشمالية من جبال كولون التي تفصل الهضبة عن حوض تاريم، ومن الشمال الشرقي تفصل جبال قيلين الهضبة عن صحراء جوبي وممر هيكسي، وتقع أفواه أنهار ميكونغ وسالوين ويانغتسي في شرق وجنوب شرق هضبة التبت، ومن الغرب تلتقي الهضبة بسلسلة جبال كاراكورام الوعرة في شمال كشمير.

إضافةً إلى ذلك فإنَّ نهر السند ينبع من الجزء الغربي من الهضبة، والهضبة بأكملها تتناثر فيها الجبال الضخمة، فهناك أربع عشرة قمةً – بما في ذلك قمة إيفرست – يبلغ ارتفاعها أكثر من 8000 قدماً فوق مستوى سطح البحر، إضافة إلى العديد من القمم الأخرى التي يزيد ارتفاعها عن 7000 قدماً، وهذا يعطي موقع الهضبة جمالاً حقيقياً أخاذاً.

ما هو مدى ضخامة هضبة التبت؟

هضبة التبت ليست فقط ضخمةً؛ بل إنَّها أكبر هضبةٍ في العالم كله؛ إنَّها مساحة شاسعة من الأرض تبلغ مساحتها نحو 2500000 كيلومتراً مربعاً، وهي موطن لمجمع جبال الهيمالايا – كاراكورام في حافتها الجنوبية – وتُقدَّر مساحتها بنحو 5 أضعاف مساحة ميتروبوليتان فرنسا.

ما هي أهمية هضبة التبت؟

هضبة التبت هي موطن لعدد كبير من الأنهار الجليدية التي تبيَّن أنَّها مصدر لبعض أهم أنهار العالم مثل إندوس وميكونغ والغانج ويانغتسي، كما تغذي هذه الهضبة أنظمة المياه في الهند، وبدورها تؤثر في الرياح الموسمية في البلاد، ويمكن تسمية الهضبة فعلياً بشريان الحياة لشبه الجزيرة الهندية.

إلى جانب ذلك، فإنَّ هضبة التبت غنية بالعناصر مثل الذهب والليثيوم والزنك والحديد والكروم والنفط والغاز الطبيعي والنحاس والرصاص، وهي مليئة بالموارد الوفيرة والهامة في عصرنا هذا.

حقائق مثيرة للاهتمام عن هضبة التبت:

فيما يأتي بعض الحقائق المثيرة للاهتمام عن هضبة التبت العظمى:

  1. القشرة السميكة للهضبة شديدة السخونة.
  2. بسبب الحرارة يكون الجزء العلوي للهضبة مسطحاً بشكل غير عادي.
  3. القشرة القارية أسفل الهضبة سميكة بشكل غير عادي، ففي الواقع إنَّها أسمك قشرة موجودة على سطح الأرض؛ إذ يتراوح سمك القشرة من 70 كيلومتر في المتوسط إلى 100 كيلومتر وتختلف السماكة من جزء لآخر.
  4. لها أسماء عدة تكنى بها، مثل سقف العالم وبرج المياه الآسيوي والقطب الثالث.
  5. على الرغم من مرور ملايين السنين على تشكل الهضبة، إلا أنَّها ما تزال تنمو وترتفع؛ إذ ترتفع بمعدل 5 ملليمترات كل سنة.

في الختام:

تحدثنا في هذا المقال عن أكبر وأعظم هضبة في العالم، وتعرفنا إليها جيداً وإلى كيفية تشكلها وموقعها ومدى ضخامتها وأهميتها، إضافة إلى بعض الحقائق المثيرة للاهتمام عنها، على أمل تحقيقه للغاية المرجوة منه.